يشهد المشهد السياسي الكردي في شمال شرقي سوريا تطورات جديدة مع استمرار المحاولات الرامية إلى توحيد الصفوف بين الفاعلين السياسيين الأساسيين، في ظل تعقيدات المشهد السوري العام. وبينما تمثل هذه اللقاءات خطوة نحو تحقيق رؤية موحدة، إلا أن التحديات المتراكمة على مدار السنوات الماضية تجعل من الصعب الجزم بأن هذه الجهود ستثمر عن نتائج ملموسة على الأرض.
لطالما كان التوتر سمة العلاقة بين "المجلس الوطني الكردي" و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي يهيمن عليها "حزب الاتحاد الديمقراطي"، حيث انعكست هذه الخلافات في شكل إقصاء سياسي، واعتقالات، ومحدودية الدور السياسي لـ"المجلس" في إدارة المنطقة. اليوم، يأتي هذا الاجتماع الأخير كمحاولة جديدة لرأب الصدع، ولكن دون مؤشرات واضحة على تغير جذري في المواقف السياسية للأطراف.
وبحث قائد "قسد"، مظلوم عبدي، مع ممثلي "المجلس الوطني الكردي" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" سبل توحيد الموقف الكردي مع اقتراب المحادثات مع دمشق من مراحل متقدمة. وأشار عبدي عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" إلى اجتماعه مع ممثلي الحزبين، معربًا عن تفاؤله بالمناقشات التي جرت، ومؤكدًا أن الجانبين اتفقا على تحديد خارطة طريق مشتركة تهدف إلى توحيد الصف الكردي خلال المرحلة الحالية.
وأوضح عبدي أن هذا الاجتماع يمثل الخطوة الأولى في سلسلة لقاءات مرتقبة تهدف إلى تحقيق وحدة الصف الكردي، مشددًا على أهمية هذه الخطوة في سياق السعي نحو إقامة "سوريا ديمقراطية تعددية" تضمن حقوق جميع المكونات في البلاد. كما أبدى عزمه على إنجاح هذا الحوار من خلال الاستمرار في عقد اللقاءات والتوصل إلى توافقات تعزز الاستقرار السياسي في المنطقة.
في هذا السياق، أكد المتحدث باسم "المجلس الوطني الكردي"، فيصل يوسف، أن اللقاء جرى بحضور قائد "قسد"، لكنه امتنع عن تقديم تفاصيل إضافية حول مخرجاته. فيما كشف عضو هيئة رئاسة "المجلس الوطني الكردي"، سليمان أوسو، أن الاجتماع شهد أيضًا مشاركة المبعوث الأمريكي الخاص إلى المنطقة، سكوت بولز، ما يعكس الاهتمام الدولي بهذا المسار التفاوضي.
ورغم أهمية هذا اللقاء، لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من "حزب الاتحاد الديمقراطي" حول الاجتماع أو موقفه منه، ما يترك الباب مفتوحًا أمام تكهنات حول مدى جدية التوافق بين الأطراف الكردية.
يُذكر أن العلاقات بين "المجلس الوطني الكردي" و"قسد" شهدت توترات على مدار السنوات الماضية، حيث مُنع "المجلس" من المشاركة في إدارة شمال شرقي سوريا، فضلًا عن اعتقال عدد من أعضائه من قبل مجموعات عسكرية موالية لـ"الاتحاد الديمقراطي"، وما زال بعضهم قيد الاحتجاز حتى اليوم.
وقد حاولت الأطراف الكردية إطلاق مسار حواري يُعرف بـ"الحوار الكردي-الكردي" منذ تشرين الثاني 2019، بهدف حل الخلافات العالقة، إلا أن تلك المحاولات لم تحقق نتائج ملموسة حتى الآن. ويرتكز جوهر الخلاف بين الجانبين على مسألة إدارة المنطقة، حيث يرفض "الاتحاد الديمقراطي" السماح لـ"المجلس الوطني الكردي" بالمشاركة في الإدارة السياسية والعسكرية والأمنية.
وفي ظل هذه التعقيدات، يبقى السؤال المطروح: هل يمكن أن يفضي هذا المسار الجديد إلى حلول حقيقية، أم أنه سيكون مجرد محاولة جديدة ضمن سلسلة محاولات لم يكتب لها النجاح؟ بالنظر إلى تجارب سابقة، فإن التوافق السياسي في المناطق الكردية ما زال يواجه عقبات حقيقية مرتبطة بالمصالح الحزبية الضيقة، وصعوبة تقاسم السلطة، بالإضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية. ولذلك، فإن تحقيق وحدة كردية مستدامة لن يكون أمرًا سهلًا ما لم تتوفر إرادة سياسية فعلية، تتجاوز الشعارات إلى خطوات عملية على أرض الواقع.