شهدت مدينة الصنمين في محافظة درعا جنوبي سوريا عملية اغتيال طالت الدبلوماسي المنشق عن النظام السوري السابق، نور الدين اللباد، وشقيقه عماد اللباد، في 11 من آذار، حيث أطلق مسلحون مجهولون النار عليهما داخل منزلهما قبل أن يلوذوا بالفرار. تأتي هذه العملية في سياق التوترات الأمنية المتصاعدة التي تشهدها المدينة، والتي تفاقمت في أعقاب الاشتباكات بين قوات الأمن العام والمجموعات المسلحة الموالية للنظام السابق.
من هو نور الدين اللباد؟
نور الدين اللباد هو شخصية بارزة في المشهد السياسي السوري، حيث عمل كمفوض في وزارة الخارجية السورية وتنقل بين عدة سفارات، من بينها سفارات سوريا في اليمن وفرنسا والعراق وتركيا وليبيا. كما شغل مناصب في الإدارة المركزية لوزارة الخارجية وإدارة المراسم والبروتوكول والترجمة.
مع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، أعلن اللباد انشقاقه عن النظام في 16 نيسان 2013، وانضم لاحقًا إلى "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، حيث عمل ممثلًا له في فرنسا. لم يكن اللباد مجرد دبلوماسي، بل كان شاعرًا أيضًا، واشتهر بقصيدة "من مفرق جاسم للصنمينِ" التي لا تزال محفورة في وجدان سكان منطقة حوران.
عاد اللباد إلى مسقط رأسه في الصنمين قبل أسبوعين فقط من مقتله، حيث استُقبل بحفاوة كبيرة من قبل الأهالي الذين رأوا فيه شخصية توافقية يمكن أن تسهم في تهدئة الأوضاع الأمنية في المدينة.
التوترات الأمنية في درعا والصنمين
لم يكن اغتيال اللباد حدثًا معزولًا، بل جاء في سياق حالة من التوتر الأمني تشهدها مدينة الصنمين وريف درعا عمومًا. وكانت المدينة قد شهدت في 6 آذار حملة أمنية مكثفة من قبل قوات الأمن العام لملاحقة فلول النظام السوري السابق وبعض الجماعات المسلحة. أسفرت تلك الحملة عن مقتل 9 مسلحين واعتقال 60 شخصًا، فيما لاذ بعض المطلوبين، ومن بينهم القيادي محسن الهيمد، بالفرار.
تسببت هذه التطورات في خلق بيئة أمنية متوترة، حيث شهدت المدينة عمليات اغتيال متكررة، من بينها اغتيال القيادي فهد الذياب بداية العام الجاري بعد عودته من الشمال السوري. وفي هذا السياق، يُرجَّح أن اغتيال اللباد جاء ضمن محاولات لفرض حالة من عدم الاستقرار في المدينة، ومنع أي شخصيات قد تساهم في إعادة التوازن والتفاهم بين الأطراف المتنازعة.
ويمثل اغتيال نور الدين اللباد نقطة تحول مهمة في المشهد الأمني والسياسي في درعا، حيث كان يُنظر إليه كشخصية تحظى بقبول واسع بين الأهالي، وقادرة على تقريب وجهات النظر بين الفصائل المختلفة. وتشير بعض التحليلات إلى أن مقتله قد يكون مرتبطًا بمحاولة بعض الأطراف الإبقاء على حالة الفوضى ومنع أي استقرار محتمل.
أحد أصدقاء اللباد، في تصريح له، اعتبر أن الهدف من الاغتيال هو الحفاظ على حالة التوتر في المدينة، خاصةً بعد الحملة الأمنية الأخيرة التي لم تتمكن من القضاء تمامًا على الجماعات المسلحة. كما حمّل مسؤولية مقتله للأمن العام، متهمًا إياهم بعدم توفير الحماية الكافية للمدينة، مما سمح للمسلحين بتنفيذ هذه العملية.
وأثار اغتيال اللباد موجة من الغضب بين أهالي الصنمين، حيث اعتبر العديد منهم أن العملية تهدف إلى كسر أي محاولة لإعادة الأمن والاستقرار للمدينة. في الوقت نفسه، فرض الأمن العام حظرًا للتجوال وأغلق المدارس في المدينة تحسبًا لأي أعمال عنف محتملة.
في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار في درعا، يمكن أن يكون لاغتيال اللباد تداعيات خطيرة على الوضع الأمني في المدينة، حيث قد تؤدي العملية إلى تصعيد جديد في المواجهات بين الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية. كما أن غياب شخصية توافقية مثله قد يزيد من تعقيد المشهد، خاصةً في ظل استمرار حالة الشكوك بين الأطراف المختلفة.
يبقى السؤال المطروح هو ما إذا كانت هذه العملية مجرد حدث عرضي أم أنها جزء من مخطط أوسع لزعزعة الاستقرار في الجنوب السوري، وما إذا كانت الجهات الأمنية ستتمكن من احتواء الوضع قبل انفجاره مجددًا.