شهدت محافظات الساحل السوري خلال الأيام الماضية موجة عنف دموية، بعد هجمات منسقة نفذتها فلول النظام السوري السابق ضد قوات الأمن والجيش في مناطق اللاذقية وطرطوس وحماة، ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا. في ظل هذه الفوضى، أعلنت الحكومة الانتقالية تشكيل لجنة تحقيق مستقلة للكشف عن تفاصيل الأحداث، ومحاسبة المتورطين، في خطوة تهدف إلى تعزيز سلطة القانون ومنع الفوضى من التمدد.
في 9 آذار 2025، أصدر الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، قرارًا بتشكيل لجنة تحقيق تضم خمسة قضاة، وضابطًا أمنيًا، ومحاميًا، برئاسة المحامي ياسر الفرحان. وقد أكد الفرحان، في مؤتمر صحفي عقد في دمشق، أن اللجنة ستعمل وفق نهج ميداني، يستند إلى شهادات حية وتحقيقات مباشرة، ولن تعتمد فقط على ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
أبرز مهام اللجنة تشمل:
- توثيق شهادات الناجين وشهود العيان.
- جمع الأدلة الميدانية وزيارة المواقع المتضررة.
- الكشف عن المتورطين في الهجمات ضد المدنيين والمؤسسات الحكومية.
- تقديم تقارير دورية عن تقدم التحقيقات للرئاسة الانتقالية والقضاء.
- حماية الشهود الذين يدلون بإفاداتهم من أي تهديد محتمل.
- التأكد من تقديم المسؤولين عن الجرائم إلى المحاكم المختصة.
الضحايا والانتهاكات: أرقام صادمة
أصدرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" تقريرًا يوثق حصيلة الانتهاكات التي وقعت بين 6 و10 آذار. وجاءت الأرقام صادمة، إذ بلغ عدد القتلى 803 أشخاص، بينهم 39 طفلًا و49 سيدة.
توزيع الضحايا وفق المحافظات:
اللاذقية: 185 قتيلًا، بينهم 15 طفلًا و11 سيدة.
حماة: 49 قتيلًا، بينهم 15 طفلًا و10 سيدات.
طرطوس: 183 قتيلًا، بينهم 9 أطفال و28 سيدة.
حمص: 3 قتلى.
إلى جانب الضحايا المدنيين، لقي 172 عنصرًا من القوات الأمنية والعسكرية مصرعهم في هذه الهجمات. كما وثقت الشبكة السورية مقتل 27 من الكوادر الطبية، وتسعة إعلاميين كانوا يغطون الأحداث.
في 6 آذار، أطلقت وزارتا الدفاع والداخلية السوريتان حملة أمنية في ريف اللاذقية بعد تعرض عناصر من الأمن العام لكمين مسلح قرب جبلة. وتبع ذلك تصاعد الهجمات في طرطوس واللاذقية، حيث استهدفت المجموعات المسلحة نقاطًا عسكرية وأمنية، مما دفع القوات الحكومية إلى شن عمليات أمنية واسعة لاستعادة السيطرة على المناطق التي شهدت الاضطرابات.
وبحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، لم تقتصر المواجهات على العمليات العسكرية فقط، بل تحولت إلى انتهاكات واسعة النطاق، شملت عمليات قتل جماعي، إعدامات ميدانية، استهداف متعمد للمدنيين، وتدمير ممتلكات عامة وخاصة، ما تسبب بموجة نزوح جديدة.
موقف الحكومة الانتقالية: ضبط الأمن دون تجاوزات
في خضم هذه الأحداث، شدد الرئيس أحمد الشرع على ضرورة ضبط الأمن دون السماح بأي تجاوزات. وأكد أن الدولة لن تسمح بعمليات انتقامية، مشيرًا إلى أن “سوريا لن تعود خطوة واحدة إلى الوراء”. كما أكد على تقديم كل من يثبت تورطه في جرائم أو انتهاكات إلى محاكم عادلة.
وأصدر الشرع توجيهات صارمة لقوى الأمن والجيش بعدم التعرض للأسرى، أو ممارسة أي انتهاكات ضد المدنيين، مع التشديد على حصر السلاح بيد الدولة فقط، لتجنب أي انفلات أمني في البلاد.
المشهد القادم: بين المحاسبة والمصالحة
مع استمرار التحقيقات، يترقب السوريون نتائج لجنة التقصي التي قد تكون مفصلية في إعادة بناء الثقة بين المواطنين والدولة. فهل ستنجح الحكومة الانتقالية في فرض سيادة القانون وإنهاء حقبة الفوضى؟ أم أن تعقيدات المشهد الأمني والسياسي ستجعل من هذه الأزمة بداية لفصل جديد من الصراع؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.