تشهد سوريا منذ سقوط النظام السابق في نهاية عام 2024 حالة من الاضطراب الأمني المتزايد، لا سيما في المناطق الساحلية التي كانت تعد معاقل تقليدية للنظام السابق. وفي هذا السياق، أطلقت وزارتا الدفاع والداخلية السوريتان حملة أمنية موسعة في ريف اللاذقية لملاحقة من أسمتهم بـ"فلول النظام"، بعد هجمات استهدفت قوات الأمن في المنطقة. ويعكس هذا التصعيد حالة التوتر المستمر، والتحديات الأمنية التي تواجهها الحكومة السورية في محاولتها لفرض السيطرة الكاملة على البلاد.
أسباب الحملة وتداعياتها
بدأت الحملة الأمنية عقب استهداف مباشر لدورية تابعة لوزارة الدفاع قرب بلدة بيت عانا، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، تلاه استهداف آخر لسيارات الإسعاف. هذا التصعيد دفع الحكومة إلى إرسال تعزيزات أمنية، واستخدام الطيران المروحي لاستهداف المسلحين المتحصنين في المنطقة.
التوتر في الساحل السوري ليس جديدًا، بل يأتي ضمن سلسلة من المواجهات التي تشهدها المنطقة منذ سقوط النظام. فبعدما كانت هذه المناطق تشكل قاعدة دعم قوية للنظام السابق، بدأت تشهد اضطرابات متزايدة نتيجة تصفية الحسابات، وانتشار مجموعات مسلحة مرتبطة بالنظام السابق، تسعى للحفاظ على نفوذها.
أبعاد التدخل الروسي والغموض المحيط بالطيران الحربي
تزامنت المواجهات العسكرية مع تحليق طائرات مروحية وأخرى حربية في أجواء المنطقة، وبينما أكدت بعض المصادر أن الطيران الحربي يتبع للقوات الروسية، أشار آخرون إلى أنه تابع لسلاح الجو السوري. هذا الغموض يفتح باب التساؤل حول مدى التنسيق بين الحكومة السورية وروسيا في التعامل مع هذه التحديات الأمنية.
التدخل الروسي في سوريا لم ينتهِ بسقوط النظام، بل لا يزال يشكل عاملًا رئيسيًا في تحديد مسار الأحداث.
ردود الفعل المحلية ودعوات الاحتجاج
في ظل التصعيد الأمني، أصدر "المجلس الإسلامي العلوي الأعلى في سوريا والمهجر" بيانًا دعا فيه إلى احتجاجات سلمية ضد الحملة الأمنية في الساحل السوري. واعتبر المجلس أن التجاوزات الأمنية طالت المدنيين، مطالبًا بوقف الانتهاكات والسماح للوجهاء المحليين بالتدخل لحل النزاعات.
هذه الدعوات تعكس تحولًا في المزاج العام لأبناء الطائفة العلوية، الذين كانوا يشكلون القاعدة الأساسية للنظام السابق. فبعد سقوط النظام، بات العديد منهم يرون في الحملات الأمنية تهديدًا لمجتمعاتهم، وليس مجرد عمليات لضبط الأمن.
هل تنجح الحكومة في فرض الاستقرار؟
مع استمرار الحملة الأمنية، تبقى الأسئلة مفتوحة حول مدى قدرة الحكومة السورية على تحقيق الاستقرار الفعلي في الساحل السوري. فبين المواجهات العسكرية، والتدخلات الخارجية، والانقسامات المحلية، تواجه دمشق تحديًا حقيقيًا في إحكام قبضتها على المنطقة دون تأجيج المزيد من الاضطرابات.
المرحلة المقبلة ستعتمد بشكل كبير على كيفية إدارة الحكومة لهذه التوترات، وإيجاد حلول سياسية واجتماعية إلى جانب الحلول العسكرية، لضمان عدم تحول هذه المناطق إلى بؤر دائمة للصراع.