مع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر 2024 وتشكيل حكومة تسيير أعمال جديدة في سوريا، ظهرت اختلافات واضحة في مواقف حليفي دمشق التقليديين، روسيا وإيران، وهو ما يعكس تعقيدات المرحلة المقبلة في المنطقة، هذه الفوارق تثير تساؤلات حول توجهات كل من موسكو وطهران في ظل الواقع الجديد في سوريا، وأثر ذلك على مستقبل العلاقات الدولية في المنطقة.
التوجه الروسي: pragmatism وتقديم الدعم
منذ الإطاحة بنظام الأسد، سارعت روسيا إلى تبني نهج براغماتي، حيث أظهرت استعدادها للتواصل مع السلطة الجديدة في دمشق من خلال رسائل إيجابية وزيارات دبلوماسية. كان أبرز هذه الزيارات تلك التي قام بها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في يناير 2025، حيث التقى الرئيس السوري أحمد الشرع وأكد على دعم روسيا لسيادة سوريا ووحدتها.
موسكو أكدت أيضا من خلال محادثة هاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والشرع في فبراير 2025 أنها تسعى إلى تعزيز العلاقة التاريخية مع سوريا، حيث أكد البيان الروسي التزام موسكو بسيادة سوريا وسلامة أراضيها.
ويرى باحثون أن موسكو تحاول الحفاظ على علاقة إيجابية مع دمشق رغم التحولات الكبيرة التي شهدتها سوريا، وهذا ما يظهر من خلال التصريحات الرسمية واللقاءات المستمرة بين الطرفين، لكن في الوقت ذاته، يظل موضوع الوجود العسكري الروسي في سوريا موضع تساؤل، حيث لم يتم حسم مصير القواعد الروسية في البلاد بعد.
التوجه الإيراني: الحذر والتحفظ
في المقابل، تبنت إيران موقفا أكثر تحفظا تجاه الحكومة السورية الجديدة، إذ لم تعترف بها رسميا ولم تتخذ خطوات عملية نحو التعاون المباشر معها. هذا التحفظ يعكس قلق طهران من تأثير سقوط الأسد على مصالحها الإستراتيجية في سوريا والمنطقة.
المواقف الإيرانية شابها نوع من التصعيد أحيانا، كما أشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى أن الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا وراء إسقاط الأسد بهدف إخراج إيران من سوريا. وفي تصريح آخر لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أكد على أن إيران تبذل جهودا لتحقيق السلام في سوريا، مع التأكيد على ضرورة عدم تدخل الدول الأخرى في شؤونها الداخلية.
ويشير الباحثون إلى أن هناك انقساما داخل إيران حول كيفية التعامل مع الواقع السوري الجديد، حيث يعبر الجناح المتشدد عن رفضه للتحول الحاصل، في حين يفضل الجناح الدبلوماسي التعاطي مع الحكومة الجديدة في دمشق لإيجاد أرضية مشتركة.
التباين في المصالح والتأثيرات على العلاقات المستقبلية
المصالح الروسية والإيرانية في سوريا تختلف جوهرياً. روسيا تسعى للحفاظ على نفوذها الجيوسياسي في الشرق الأوسط، مستفيدة من موقع سوريا الاستراتيجي، سواء من خلال قواعدها العسكرية أو عبر تعزيز وجودها في البحر الأبيض المتوسط. أما إيران فترى في سوريا جزءا أساسيا من مشروعها الإقليمي المبني على محور "المقاومة" الذي يربطها بحزب الله اللبناني وبقية الحركات في المنطقة.
وتعكس هذه الاختلافات في المصالح التباين في استراتيجيات التعامل مع الوضع السوري بعد الأسد، حيث يرى باحثون أن روسيا ستسعى للحفاظ على وجودها العسكري في سوريا من خلال التفاوض مع الحكومة الجديدة، بينما قد تسعى إيران إلى استغلال الفراغ السياسي لتحقيق توسع عقائدي.
ما بعد الأسد: مستقبل العلاقات مع الغرب
في المستقبل، يتوقع مراقبون أن العلاقة بين سوريا والدول الغربية قد تشهد تحسنا إذا استمر الانفتاح الغربي على الحكومة السورية الجديدة، وهو ما سيؤثر حتما على مواقف كل من موسكو وطهران. في هذا السياق، يرى البعض أن موسكو قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة في حال رغبت دمشق في إعادة علاقاتها مع الغرب على حساب التوجهات الروسية.
من جهة أخرى، تتوقع المصادر أن إدارة دمشق الجديدة ستظل حريصة على تجنب استفزاز الغرب في علاقتها مع طهران، خاصة في ظل الإرث السلبي للتدخل الإيراني في سوريا وما سببه من انقسام داخلي وصراعات إقليمية.