انتشار السلاح العشوائي في سوريا.. قنبلة موقوتة تهدد الأمن والاستقرار

سامر الخطيب

2025.03.03 - 02:55
Facebook Share
طباعة

 مقدمة: السلاح في متناول الجميع
لا يكاد يمر يوم في سوريا دون تسجيل حادثة قتل أو اشتباك مسلح، حيث بات انتشار الأسلحة بين المدنيين والفصائل المسلحة مشكلة مزمنة تهدد استقرار المجتمع، فمع غياب الرقابة وضعف سلطة القانون، أصبح امتلاك السلاح أمرًا شائعًا، حتى بين الأفراد غير المنخرطين في أي صراعات عسكرية.


هذه الظاهرة التي تفاقمت نتيجة الفوضى الأمنية خلال سنوات الحرب الطويلة، لم تعد تقتصر على مناطق النزاع المباشر، بل امتدت إلى المدن والقرى، وأصبح السلاح وسيلة لحسم الخلافات الشخصية والعائلية، بدلًا من الحوار والقانون.


ووفقًا لمنظمات حقوقية، فإن انتشار الأسلحة العشوائي أدى إلى مقتل العشرات خلال الأشهر الأخيرة، بينهم نساء وأطفال، بسبب النزاعات المسلحة والانفلات الأمني، ويرى حقوقيون أن استمرار هذا الوضع دون ضبط حقيقي سيؤدي إلى تفاقم معدلات الجريمة، ويفتح الباب أمام مزيد من الفوضى والاقتتال الداخلي.


حياة تحت التهديد الدائم.. شهادات من الواقع
يشعر المواطنون في مختلف المحافظات السورية بعدم الأمان بسبب تزايد ظاهرة حمل السلاح دون أي ضوابط قانونية أو اجتماعية. الشاب (م.ح) من محافظة حمص يروي تجربته اليومية مع هذه الفوضى الأمنية، قائلًا: "لم نعد نشعر بالأمان حتى في منازلنا. أصبحت المشاجرات البسيطة تتحول إلى مواجهات مسلحة، وكأن الحل الوحيد لكل نزاع هو السلاح." ويضيف: "حتى الأطفال باتوا يرون الأسلحة كجزء من حياتهم اليومية، وهذا ينذر بمستقبل مخيف إذا لم يتم وضع حد لهذه الظاهرة."


وفي حالات كثيرة، تقع حوادث القتل العشوائية نتيجة سوء استخدام السلاح، كإطلاق الرصاص العشوائي في المناسبات، أو وقوع الأسلحة في أيدي الأطفال، مما يؤدي إلى كوارث إنسانية مروعة.


أسباب الانتشار وموقف الحكومة
يرى المحامي والحقوقي حسن الحريري أن الأسباب الرئيسية لانتشار السلاح العشوائي تعود إلى الفوضى الأمنية التي أعقبت سقوط النظام في ديسمبر 2024، حيث تركت كميات كبيرة من الأسلحة في الشوارع والمستودعات غير المحمية، مما أتاح للمدنيين والجماعات المسلحة الاستيلاء عليها بسهولة.


وأضاف أن الحكومة تحاول الآن فرض سيطرتها من خلال تعزيز وجود قوى الأمن الداخلي، ومحاولة ضبط الأسلحة المنتشرة بين المدنيين، إلا أن العملية لا تزال تواجه تحديات كبيرة، لا سيما مع انتشار المجموعات المسلحة غير النظامية التي ترفض التخلي عن أسلحتها.


وفي العديد من المناطق، لا تزال هناك فصائل عسكرية محلية تحتفظ بكميات كبيرة من الأسلحة، بحجة الدفاع عن النفس أو حماية مناطقها من أي تهديدات محتملة، وهذا الأمر يعرقل أي جهود حكومية لجمع السلاح، خاصةً مع عدم وجود بدائل أمنية موثوقة توفر الحماية للمجتمعات المحلية.


القوانين والعقوبات.. غياب الردع الكافي
وعن مسألة تجريم حيازة السلاح، أوضح المحامي حسن الحريري أن إصدار قوانين صارمة في ظل الوضع الأمني الحالي قد يكون غير مجدٍ، إذ لا تزال الدولة غير قادرة على فرض سيطرتها بالكامل. وأشار إلى أن العقوبات الحالية على تجارة السلاح تعتمد على قانون العقوبات السوري، لكنه يرى ضرورة تشديدها مستقبلًا عندما يصبح الوضع الأمني أكثر استقرارًا.


كما أشار إلى أن الملاحقات الأمنية الحالية تركز على كبار تجار السلاح، في حين أن السوق السوداء للأسلحة لا تزال نشطة، ويتم بيع الأسلحة بسهولة عبر الإنترنت أو عبر شبكات التهريب التي تمتد بين مختلف المناطق.


توصيات للحد من الظاهرة
أوصى الخبراء والحقوقيون بعدة إجراءات للحد من انتشار السلاح العشوائي، من بينها:
- إطلاق حملات حكومية لجمع السلاح: يجب على الحكومة تقديم حوافز مالية لمن يسلم سلاحه طوعًا، مع فرض عقوبات رادعة على من يرفض تسليم أسلحته.
- تشديد الرقابة على تجارة السلاح: ينبغي على السلطات فرض رقابة صارمة على بيع وشراء الأسلحة، سواء عبر الأسواق السوداء أو الإنترنت، وإصدار قوانين جديدة تجرّم امتلاك الأسلحة دون ترخيص رسمي.
- تعزيز دور الأجهزة الأمنية: تحتاج الحكومة إلى نشر قوات أمنية مدربة وقادرة على ضبط الأمن في مختلف المناطق، لمنع أي فراغ أمني قد تستغله الجماعات المسلحة.
- توعية المجتمع بمخاطر السلاح: يجب تنظيم حملات توعية حول مخاطر انتشار الأسلحة وتأثيرها السلبي على المجتمع، مع التركيز على المدارس والجامعات لتثقيف الأجيال القادمة حول مخاطر العنف المسلح.
- تعزيز القضاء وضمان المحاكمات العادلة: يجب أن تكون هناك محاكمات سريعة وحازمة لكل من يثبت تورطه في استخدام السلاح بشكل غير قانوني، مع ضمان تنفيذ العقوبات بشكل فعّال.


السلاح بين الفوضى والاستقرار
إن انتشار السلاح العشوائي في سوريا لا يشكل مجرد أزمة أمنية، بل هو عامل رئيسي يعرقل أي جهود لإعادة بناء الدولة واستعادة الاستقرار، وفي ظل استمرار هذه الظاهرة، تزداد احتمالية نشوء ميليشيات محلية مسلحة، مما يجعل من الصعب على أي حكومة مركزية بسط نفوذها الكامل.


كما أن غياب الضوابط القانونية يجعل المواطنين يعيشون في حالة من الخوف الدائم، حيث تتحول النزاعات الصغيرة إلى مواجهات دموية، ويصبح استخدام السلاح هو الخيار الأول لحل الخلافات.


من ناحية أخرى، فإن أي محاولة لحل هذه الأزمة يجب أن تتجاوز الحلول الأمنية التقليدية، إذ لا يكفي فرض حظر على امتلاك السلاح دون وجود خطط بديلة لحماية السكان وتوفير بيئة آمنة للجميع. وهنا يأتي دور الدولة والمجتمع المدني معًا في وضع حلول جذرية تمنع استمرار هذه الظاهرة، وتعيد الأمان إلى الشوارع السورية.


إن إعادة الاستقرار إلى سوريا لن تكون ممكنة دون معالجة أزمة انتشار السلاح العشوائي، فهي العقبة الكبرى أمام أي جهود للمصالحة الوطنية أو إعادة الإعمار، وإذا لم يتم التعامل مع هذا الملف بحزم، فإن الفوضى ستستمر، وسيدفع السوريون الثمن لعقود قادمة.


السلاح العشوائي في سوريا لم يعد مجرد وسيلة للدفاع عن النفس أو لحماية الممتلكات، بل تحول إلى تهديد مباشر للأمن الاجتماعي، حيث أصبح استخدامه أمرًا مألوفًا في كل مكان، وبينما تحاول الحكومة فرض سيطرتها، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن إنهاء هذه الظاهرة في ظل الانقسامات الحالية؟ أم أن السلاح سيظل جزءًا من المشهد السوري لسنوات طويلة قادمة؟

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 9