صعّدت الولايات المتحدة من عملياتها العسكرية الجوية ضد قادة تنظيم "حراس الدين"، الفرع السوري لتنظيم "القاعدة"، وذلك بعد أيام من إعلان التنظيم حل نفسه نتيجة الضغوط المتزايدة والتغيرات السياسية والعسكرية التي شهدتها البلاد عقب إسقاط نظام بشار الأسد.
تصعيد عسكري أمريكي في الشمال السوري
شهدت محافظة إدلب، شمالي سوريا، في 21 من شباط الحالي، أحدث ضربات التحالف الدولي، حيث استهدف طيران مسيّر تابع للقوات الأمريكية شخصًا في محيط مدينة الدانا. ووفقًا لمصدر في المنطقة، فإن الطيران المسيّر استهدف سيارة من نوع "هونداي/ سنتافيه"، ما أسفر عن مقتل شخص كان على متنها. فيما أكّد المرصد العسكري "80" (أبو أمين) أن الطائرة المستخدمة في الاستهداف كانت من طراز "MQ9"، وهي طائرة مسيّرة متطورة تُستخدم في عمليات الاستهداف الدقيقة.
في أعقاب العملية، نعَى الباحث محمد منير الفقير وسيم بيرقدار، شقيق مدير أوقاف دمشق، سامر بيرقدار، معتبرًا أنه كان أحد الشخصيات الفاعلة في "حراك دمشق". كما قدّم المتحدث باسم "المجلس الإسلامي السوري"، مطيع البطين، التعازي لعائلة بيرقدار.
القيادة المركزية الأمريكية تتبنى العملية
في اليوم التالي، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم) مسؤوليتها عن العملية، مؤكدة أن المستهدف هو وسيم تحسين بيرقدار، الذي وصفته بأنه "أحد كبار القادة في تنظيم (حراس الدين) الإرهابي، التابع لتنظيم (القاعدة)". وأضافت "سينتكوم" في بيان لها عبر منصة "إكس"، أن هذه الغارة تأتي ضمن التزامها المستمر بتقليص وتعطيل قدرة الجماعات الإرهابية على التخطيط وتنفيذ الهجمات ضد المدنيين والعسكريين في المنطقة وخارجها.
وأكد قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال مايكل كوريلا، أن الولايات المتحدة ستواصل ملاحقة التهديدات الإرهابية والقضاء عليها، أينما وُجدت، لضمان حماية أمنها القومي وأمن حلفائها.
تنظيم "حراس الدين".. النشأة والمصير
ظهر تنظيم "حراس الدين" في سوريا عام 2018 كفرع لتنظيم "القاعدة"، وذلك بعد فك "جبهة النصرة" ارتباطها بالتنظيم الأم. وضم التنظيم العديد من الفصائل المتشددة، مثل "جيش الملاحم" و"جيش الساحل" و"جيش البادية" و"سرايا الساحل"، إلى جانب مجموعات أخرى. كما استقطب عددًا من المقاتلين الأجانب، خصوصًا من أوروبا.
واجه "حراس الدين" تضييقًا داخليًا من قبل "هيئة تحرير الشام"، التي سعت إلى احتكار النفوذ في الشمال السوري، فضلًا عن الضربات الجوية المتكررة من قبل التحالف الدولي. وفي 28 من كانون الثاني الماضي، أعلن التنظيم حل نفسه رسميًا، في خطوة عكست حجم الضغوط التي تعرض لها من عدة أطراف.
واشنطن وتعاملها الجاد مع الاستهدافات
لم يكن استهداف وسيم بيرقدار الأول من نوعه، بل جاء بعد سلسلة عمليات نفذتها الولايات المتحدة ضد شخصيات بارزة في "حراس الدين". ففي 16 من شباط، أعلنت "سينتكوم" استهداف قيادي بارز مسؤول عن الشؤون المالية واللوجستية في التنظيم عبر ضربة جوية دقيقة شمال غربي سوريا.
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، علق على هذه العمليات عبر منصة "تروث"، مشيدًا بالقوات الأمريكية وقيادة "سينتكوم"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لن تتهاون مع الجماعات الإرهابية.
مستقبل الضربات الأمريكية والمخاطر المحتملة
رغم إعلان "حراس الدين" حل نفسه، تواصل الولايات المتحدة تنفيذ عملياتها ضد قادته، وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل هذه الضربات. ويرى الباحث في الشأن السياسي وجماعات ما دون الدولة، عمار فرهود، أن استمرار هذه العمليات يعود إلى رغبة واشنطن في منع عودة هذه الشخصيات إلى الساحة، خصوصًا في ظل هشاشة الوضع الأمني في سوريا.
كما أن هذه العمليات تعكس رسالة أمريكية مفادها أن الولايات المتحدة لن تسمح بوجود تهديدات إرهابية، حتى على مستوى الأفراد، وليس فقط التنظيمات.
الخلاصة
تمثل الضربات الجوية الأمريكية ضد "حراس الدين" جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقليص نفوذ الجماعات المتشددة في سوريا. ورغم تفكيك التنظيم، فإن المخاوف من ظهور جماعات مشابهة لا تزال قائمة، خصوصًا مع استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد. ويبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الضربات ستنجح في القضاء نهائيًا على تهديد "القاعدة" في سوريا، أم أنها ستؤدي إلى ولادة تنظيمات جديدة بأسماء مختلفة ولكن بعقيدة مشابهة.