أعلن رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، هرتسي هليفي، يوم الثلاثاء، أنه سيغادر منصبه رسميًا في غضون شهر ونصف، وتحديدًا في السادس من مارس 2025. وفي خطاب استقالته، أقر هليفي بمسؤوليته عن الإخفاقات التي تعرض لها جيش الاحتلال في السابع من أكتوبر، وهو الحدث الذي أثار تداعيات واسعة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية.
خلفية الاستقالة وأسبابها
وبعد إعلان استقالة هليفي، قدم قائد القيادة الجنوبية في جيش الاحتلال، يارون فينكلمان، استقالته أيضًا. ووفقًا لمصادر عسكرية، يُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من الاستقالات بين كبار قادة الجيش، ومن بينهم رئيس قسم الاستراتيجية وإيران إليعازر توليدانو، ومنسق أنشطة حكومة الاحتلال في الأراضي المحتلة غسان عليان، ورئيس قسم العمليات عوديد بسيك، بالإضافة إلى قائد القوات الجوية تومر بار، وقائد البحرية ديفيد سلامي.
وأفادت تقارير إعلامية عبرية بوجود قلق متزايد داخل القيادة العليا للجيش الإسرائيلي، حيث يُخشى أن تؤدي نتائج التحقيقات الجارية بشأن الحرب إلى استقالات إضافية بين المسؤولين العسكريين. ومن المتوقع أن يكون التحدي الأول لرئيس الأركان الجديد هو إعادة الاستقرار إلى المنظومة العسكرية، خصوصًا في ظل الأوضاع الأمنية المتوترة. وأشارت المصادر إلى أن وزير حرب الاحتلال قرر تعليق جميع التعيينات في المناصب القيادية العليا حتى الانتهاء من التحقيقات.
تصريحات هليفي وتداعيات استقالته
وفي بيان رسمي، قال هليفي: "أبلغت وزير الحرب اليوم بقراري إنهاء مهامي العسكرية في السادس من مارس 2025، وذلك من منطلق مسؤوليتي عن الإخفاقات التي وقعت في السابع من أكتوبر. ومع تحقيق الجيش لإنجازات ميدانية كبيرة في هذه الفترة، ورغم استمرار الجهود لإطلاق الأسرى، أرى أنه من المناسب أن أتنحى عن منصبي". وأضاف: "سأستغل الوقت المتبقي لإكمال التحقيقات وتعزيز جاهزية الجيش لمواجهة التحديات الأمنية المستقبلية، وسأعمل على تسليم القيادة لمن سيخلفني بشكل سلس ومنظم".
وخلال تصريحاته، أقر هليفي بشكل واضح بفشل الجيش في أداء واجباته يوم السابع من أكتوبر، قائلاً: "في صباح ذلك اليوم، فشل الجيش، تحت قيادتي، في حماية الإسرائيليين، مما أدى إلى وقوع خسائر فادحة في الأرواح، بالإضافة إلى الأسرى والمصابين. هذا الفشل الجسيم يلازمني كل لحظة وسيظل محفورًا في ذاكرتي مدى الحياة".
وحول مجريات التحقيق، أوضح هليفي أن الجيش الإسرائيلي أجرى عمليات تحقيق واسعة وغير مسبوقة خلال فترة الحرب، بهدف استخلاص الدروس وتعزيز قدراته. واختتم تصريحاته قائلاً: "من منطلق تحملي المسؤولية، وفي ظل الإنجازات التي حققها الجيش، أطلب إنهاء مهامي في مارس 2025".
السياق التاريخي والعسكري
جدير بالذكر أن هرتسي هليفي، الذي بدأ مسيرته العسكرية في لواء المظليين، تولى قيادة عدد من الوحدات العسكرية البارزة على مدار خدمته. كما يحمل شهادات أكاديمية في الفلسفة وإدارة الأعمال من الجامعة العبرية، إلى جانب شهادة في إدارة الموارد الوطنية من جامعة الأمن الوطني في واشنطن.
وفي أعقاب إعلان استقالة هليفي، أعلن قائد القيادة الجنوبية اللواء يارون فينكلمان أيضًا تنحيه عن منصبه، معترفًا بمسؤوليته عن الإخفاقات التي وقعت في السابع من أكتوبر. وقال فينكلمان في بيان مقتضب: "في ذلك اليوم، فشلت في حماية سكان النقب الغربي. هذا الفشل سيظل يرافقني طوال حياتي".
ردود الأفعال السياسية والإعلامية
وقد أثارت استقالة هليفي وفينكلمان تفاعلات واسعة داخل الساحة السياسية الإسرائيلية، حيث تباينت ردود الأفعال بين الترحيب بالقرار والمطالبة بمحاسبة القيادة السياسية أيضًا.
من جانبه، وصف وزير الأمن القومي السابق في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، الاستقالة بأنها كانت متوقعة بغض النظر عن مسار الحرب، قائلاً: "ينبغي الترحيب برحيله". فيما أصدر مكتب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بيانًا جاء فيه: "أجرى رئيس الوزراء مكالمة هاتفية مع رئيس الأركان هرتسي هليفي، شكره خلالها على سنوات خدمته الطويلة وقيادته للجيش خلال حرب متعددة الجبهات. واتفق الاثنان على اللقاء في الأيام المقبلة".
أما رئيس الاحتلال إسحاق هرتسوغ، فقد علّق على الاستقالة داعيًا إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية، قائلاً: "لقد كرس هرتسي هليفي حياته لأمن إسرائيل لعقود، وقاد الجيش منذ كارثة السابع من أكتوبر بإصرار ومسؤولية. أوضح منذ البداية أنه يتحمل المسؤولية، واليوم مع إعلانه الاستقالة، يستحق كل التقدير". وأضاف: "لقد استمعت إلى مطالب آلاف العائلات الثكلى والجنود الذين طالبوا بتحقيق رسمي حول هذا الفشل الكبير. لذلك، أجدد دعوتي لتشكيل لجنة تحقيق رسمية من أجل استخلاص الدروس وتحقيق المساءلة وتعزيز الثقة في المؤسسة العسكرية".
مستقبل القيادة العسكرية والسياسية
وفي المقابل، اعتبر زعيم المعارضة يائير لبيد أن استقالة هليفي يجب أن تكون بداية لتحمل المسؤولية داخل الحكومة الإسرائيلية، قائلاً: "أحيي رئيس الأركان على قراره، لكن حان الوقت الآن ليقدم رئيس الوزراء وحكومته الكارثية استقالاتهم أيضًا".
أما رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، فقد دعا حكومة الاحتلال بأكملها إلى تقديم استقالتها، مشددًا على أنه "بعد استقالة رئيس الأركان، من الضروري أن يتحمل رئيس الوزراء وأعضاء الكابنيت المسؤولية ويغادروا مناصبهم".
وبينما تزداد الضغوط السياسية والعسكرية على الحكومة الإسرائيلية، تبقى تداعيات هذه الاستقالات مفتوحة على سيناريوهات عديدة، حيث قد تؤدي التحقيقات الجارية إلى مزيد من التغييرات داخل قيادة الجيش، مما يجعل المرحلة القادمة حاسمة لمستقبل القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل.