اتفاق النفط بين "قسد" وحكومة دمشق المؤقتة: بين الضرورة الاقتصادية والحسابات السياسية

سامر الخطيب

2025.02.23 - 10:27
Facebook Share
طباعة

 يشهد قطاع النفط في سوريا تطورات جديدة مع الإعلان عن اتفاق بين حكومة دمشق المؤقتة و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) لاستجرار النفط من مناطق الأخيرة لمدة ثلاثة أشهر. يأتي هذا الاتفاق في وقت حساس، حيث تعاني سوريا من أزمة طاقة خانقة، بينما تسعى "قسد" إلى تأمين وضعها السياسي والاقتصادي وسط محادثات مستمرة مع دمشق حول مستقبل المنطقة الشمالية الشرقية من البلاد.


تفاصيل الاتفاق والكميات المستوردة
بحسب تصريح أحمد السليمان، مسؤول العلاقات العامة في وزارة النفط بحكومة دمشق المؤقتة، فإن استئناف استجرار النفط والغاز من مناطق "قسد" جاء وفق عقد سابق خضع للمراجعة القانونية والتعديلات لضمان توافقه مع القوانين الوطنية ومصلحة الشعب السوري. الاتفاق المبدئي يمتد لثلاثة أشهر، على أن يتم تقييمه لاحقًا.


وتشمل الكميات المستوردة أكثر من 15 ألف برميل نفط يوميًا، إلى جانب 500 ألف إلى مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، حيث يتم نقل هذه الموارد إلى محطات توليد الطاقة والمصافي السورية في حمص وبانياس عبر الصهاريج.


أهمية النفط في المعادلة السورية
لطالما كان النفط أحد العوامل الرئيسية في الصراع السوري، حيث شهدت السيطرة على حقوله تحولات متكررة منذ عام 2011. فبعد أن كانت هذه الحقول تحت سيطرة النظام السابق، انتقلت إلى أيدي المعارضة، ثم سيطر عليها تنظيم "داعش"، وأخيرًا أصبحت خاضعة لسلطة "قسد".


تُقدّر احتياطات النفط في سوريا بحوالي 2.5 مليار برميل، وفقًا لإحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، وتتركز هذه الاحتياطات بشكل أساسي في شمال شرقي البلاد، حيث تسيطر "قسد" على معظم حقول النفط الرئيسية، ومنها:
- حقل العمر النفطي في دير الزور، وكان ينتج نحو 80 ألف برميل يوميًا.
- حقل الرميلان في الحسكة، الذي كان ينتج 90 ألف برميل يوميًا.
- حقل السويدية الذي كان إنتاجه بين 110 و116 ألف برميل يوميًا.


في المقابل، كانت سوريا تنتج قبل عام 2011 حوالي 400 ألف برميل يوميًا، إلا أن الإنتاج الحالي في مناطق "قسد" لا يتجاوز 150 ألف برميل يوميًا، ما يعني أن القطاع النفطي لا يزال يعاني من أضرار كبيرة بسبب الحرب والعمليات العسكرية.


الأبعاد السياسية والاقتصادية للاتفاق
1. أهمية الاتفاق للحكومة السورية الجديدة
يمثل هذا الاتفاق فرصة مهمة لحكومة دمشق المؤقتة في ظل نقص الوقود والطاقة، حيث تسهم الواردات النفطية الجديدة في:
- تحسين أداء محطات توليد الكهرباء، ما قد يؤدي إلى زيادة ساعات التغذية الكهربائية، كما أشار الباحث الاقتصادي مناف قومان، الذي توقع أن تتحسن التغذية إلى 4 ساعات يوميًا بدلاً من ساعتين، مع زيادة تدفق النفط والغاز إلى المحطات الحرارية.
- دعم الاقتصاد المحلي عبر تشغيل المصافي السورية في حمص وبانياس، اللتين تبلغ طاقتهما الإنتاجية 220 ألف برميل يوميًا.
- تقليل الاعتماد على الواردات الخارجية، خاصة في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية التي تعيق استيراد النفط من الأسواق الدولية.


2. دوافع "قسد" وراء الاتفاق
بالنسبة لـ"قسد"، فإن الاتفاق يعكس رغبتها في تعزيز وضعها الاقتصادي والسياسي عبر بيع النفط إلى الحكومة السورية الجديدة، في وقت تواجه فيه ضغوطًا متزايدة، أبرزها:
- العقوبات الأمريكية: رغم أن واشنطن أصدرت إعفاءً مؤقتًا لمدة ستة أشهر في يناير الماضي يسمح ببعض المعاملات في قطاع الطاقة، فإن العقوبات لا تزال تقيّد قدرة "قسد" على بيع النفط بشكل رسمي.
- مفاوضات الانضمام إلى الجيش السوري: يجري حاليًا نقاش حول مستقبل قوات "قسد" وإمكانية دمجها ضمن الجيش السوري الجديد، ما يجعل الاتفاق النفطي جزءًا من التفاهمات الأوسع بين الطرفين.
- الضغوط التركية: تواجه "قسد" تهديدات أمنية من تركيا، التي تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني (PKK)، وقد يكون التعاون مع دمشق إحدى استراتيجياتها لمواجهة هذه التحديات.


التحديات التي تواجه الاتفاق
على الرغم من الفوائد الاقتصادية والسياسية التي قد يحققها هذا الاتفاق، إلا أن هناك عقبات قد تعرقل تنفيذه، من بينها:
- الضغوط الأمريكية: رغم الإعفاءات المؤقتة، تبقى واشنطن معارضة لأي تقارب بين "قسد" والحكومة السورية، ما قد يؤدي إلى إعادة فرض قيود على صادرات النفط.
- انعدام الثقة بين الطرفين: شهدت العلاقة بين دمشق و"قسد" توترات عديدة، ما قد يعرّض الاتفاق لخطر الانهيار في حال تغيّرت المواقف السياسية.
- التحديات اللوجستية: تعتمد عملية نقل النفط على الصهاريج، ما قد يؤدي إلى مشكلات في النقل أو استهداف الطرقات من قبل الجماعات المسلحة، خاصة في المناطق غير المستقرة أمنيًا.
- التنافس على العائدات النفطية: هناك احتمال لحدوث خلافات حول توزيع العائدات، خاصة إذا طالبت الحكومة السورية بإدارة الإيرادات النفطية بشكل كامل، وهو ما قد ترفضه "قسد".


استمرار استجرار النفط من مناطق "قسد" قد يساهم في تحسين الوضع المعيشي داخل سوريا، لكن نجاحه يعتمد على قدرة الحكومة على إدارة الموارد بشكل فعال، بعيدًا عن الفساد والتضييق الإداري.


يعد الاتفاق النفطي بين حكومة دمشق المؤقتة و"قسد" خطوة مهمة تعكس الضرورات الاقتصادية والسياسية للطرفين، لكنه يبقى محاطًا بتحديات كبيرة تتعلق بالوضع الأمني، والعقوبات الدولية، ومدى قدرة الطرفين على التعاون بشكل مستدام.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 10