المشهد السياسي في سوريا: تحولات مجلس الأمن والمسارات المستقبلية

رزان الحاج

2025.02.05 - 08:51
Facebook Share
طباعة

 أدرج مجلس الأمن الدولي في جدول أعماله لشهر شباط/ فبراير 2025 جلستين مخصصتين لمناقشة تطورات الوضع السياسي في سوريا. وبهذا يكون المجلس قد عقد خمس جلسات تتعلق بالشأن السوري منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، وكانت آخرها جلسة مغلقة في نهاية كانون الثاني/ يناير 2025، التي انعقدت بناءً على طلب من الجزائر وبدفع من المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، الذي قدَّم إحاطته مباشرة من دمشق.


خلفية تاريخية وسياسية
تعتبر القضية السورية واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في النظام الدولي، حيث تداخلت فيها مصالح قوى كبرى وإقليمية على مدار سنوات النزاع المستمر منذ عام 2011. وبعد أكثر من عقد من الصراع، شهدت الساحة السورية تحولات جوهرية، أبرزها انهيار نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024، مما أدى إلى إعادة خلط الأوراق السياسية والعسكرية في المنطقة.


قرارات مجلس الأمن السابقة بشأن سوريا
على مدى السنوات الماضية، أصدر مجلس الأمن عدة قرارات رئيسية تتعلق بالملف السوري، كان أبرزها:
القرار 2254 (2015): الذي وضع خارطة طريق لحل سياسي يتضمن تشكيل هيئة حكم انتقالي وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة.
القرار 2118 (2013): الذي تناول إزالة الأسلحة الكيميائية السورية عقب الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية.
القرار 2401 (2018): الذي دعا إلى وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا لإيصال المساعدات الإنسانية.


مستجدات المشهد السياسي
في الجلسة التي عُقدت بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024، توافق مجلس الأمن على إصدار بيان صحفي دعا فيه الأعضاء إلى تنفيذ عملية سياسية شاملة تستند إلى المبادئ الأساسية الواردة في القرار 2254 برعاية الأمم المتحدة، مع التأكيد على دعم جهود المبعوث الخاص للمساهمة في تيسير هذه العملية. شدد البيان على أهمية أن تلبي العملية السياسية تطلعات جميع السوريين المشروعة، وتوفر الحماية لهم، وتضمن لهم حق تقرير مستقبلهم بطريقة سلمية ومستقلة وديمقراطية. كما أكد على ضرورة مكافحة الإرهاب داخل سوريا، وحرمان الجماعات الإرهابية من فرصة إعادة بناء قدراتها أو استخدام سوريا كملاذ آمن، إضافة إلى التأكيد على التزام سوريا بجميع قرارات المجلس المتعلقة بالأسلحة غير التقليدية.


اللافت في هذا البيان هو أنه للمرة الأولى لم يتضمن أي إشارة إلى هيئة تحرير الشام أو وصفها كمنظمة إرهابية مدرجة على قوائم المجلس، وهو ما يعكس تحولاً جذرياً في موقف كل من روسيا والصين تجاهها بعد سقوط نظام الأسد.


الجلسة المقبلة لمجلس الأمن
من المتوقع أن تكون الجلسة القادمة لمجلس الأمن، والمقررة في 8 شباط/ فبراير 2025، مخصصة لبحث قضية إنشاء هيكل حكم غير طائفي وتمثيلي، وضمان عملية سياسية ذات مصداقية تستند إلى مبادئ القرار 2254، وتعطي الأولوية لمصالح وتطلعات جميع السوريين، وتمنع تفكك البلاد، وتحافظ على مؤسسات الدولة.


وفقاً للمداولات الحالية، سيتناول مجلس الأمن في هذه الجلسة مسارين رئيسيين:
المسار الأول: مؤتمر دولي حول سوريا
يتمثل المسار الأول في إمكانية عقد اجتماع خاص يضم أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين لمناقشة سبل تكييف العملية السياسية مع الواقع الجديد على الأرض. سيهدف الاجتماع إلى الاستماع لوجهات النظر حول الإستراتيجية المناسبة للمضي قدماً. يختلف هذا الاجتماع المقترح عن لقاءات العقبة والرياض، وكذلك عن الاجتماع المزمع عقده في باريس في 13 شباط/ فبراير 2025، من حيث أنه قد يضم دولاً مثل روسيا والصين. ومن المتوقع أن يتناول الاجتماع قضايا سياسية وإنسانية ملحّة، بما في ذلك تلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، وضمان الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين، والتطرق إلى قضايا رئيسية مثل التنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار.


المسار الثاني: إصدار بيان رئاسي لدعم الحكومة السورية الجديدة
يتمثل المسار الثاني في دراسة إصدار بيان رئاسي يعبر عن دعم مجلس الأمن للحكومة السورية الجديدة، ويحثها على تنفيذ الأحكام الأساسية للقرار 2254، بما في ذلك صياغة الدستور وإجراء الانتخابات. ومن شأن هذا البيان الرئاسي، في حال صدوره، أن يمثل أعلى مستوى من الإجراءات التي يمكن أن يتخذها المجلس، ما قد يغني عن الحاجة إلى إصدار قرار جديد. فالخطوات التالية بعد تشكيل الحكومة التمثيلية، مثل صياغة الدستور وإجراء الانتخابات، ستكون مسؤولية هذه الحكومة نفسها، ولن تتدخل فيها الأمم المتحدة إلا في حال طلبت الحكومة السورية ذلك. وقد أشار الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، إلى أن الوصول إلى مرحلة إقرار الدستور وإجراء الانتخابات قد يستغرق ما بين أربع إلى خمس سنوات، وهو ما يجعل من غير الواقعي بقاء مهمة المبعوث الأممي في سوريا طوال هذه الفترة، خاصة في قضية لن يكون له دور مباشر فيها.


موقف الحكومة السورية الجديدة
تسعى الحكومة السورية الجديدة إلى إنهاء التداول السياسي للشأن السوري داخل مجلس الأمن، معتبرةً أن القرار 2254 قد تم تطبيقه فعلياً في الجزء الذي كانت الأمم المتحدة تيسر التفاوض بشأنه، والمتمثل في تشكيل الحكم الانتقالي. وتبعاً لهذه الرؤية، فإن إنهاء مهمة المبعوث الخاص وسحب أي صفة تمثيلية عن المنصات المعارضة المذكورة في القرار يعد أمراً ضرورياً. في المقابل، يُتوقع أن تدعم الحكومة الجديدة استمرار مناقشة قضايا أخرى داخل مجلس الأمن، مثل القرار 2118 (2013) المتعلق بالأسلحة الكيميائية، ولجان التحقيق الدولية الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان، وملفات المفقودين، وإعادة الإعمار.


السيناريوهات المستقبلية
السبيل إلى إخراج الشأن السياسي السوري من مجلس الأمن، وبالتالي وقف أي تدخل دولي في الشؤون الداخلية لسوريا، يكمن في الإسراع بتشكيل حكومة "أوسع وأكثر تنوعاً، بمشاركة جميع فئات المجتمع"، وفقاً لما صرح به الرئيس الشرع لصحيفة "إيكونوميست". لذلك، فإن الإسراع بهذه الخطوة يعد أمراً بالغ الأهمية، خاصة أن بعض أعضاء مجلس الأمن قد يميلون إلى تأخير صدور البيان الرئاسي إلى ما بعد تشكيل الحكومة القادمة، وهو ما قد يؤخر تحقيق إجماع دولي على الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، ويترك الباب مفتوحاً أمام التدخل في الشأن السوري الداخلي.


خلاصة
إن المسار السياسي في سوريا يشهد تطورات سريعة منذ سقوط نظام الأسد، وقد أصبح مجلس الأمن الدولي لاعبًا رئيسيًا في تحديد مستقبل البلاد. وبينما تسعى الحكومة الجديدة إلى تأمين اعتراف دولي واسع والحد من التدخلات الخارجية، يبقى السؤال حول مدى نجاحها في تحقيق هذه الأهداف، ومدى توافق القوى الدولية على رؤية موحدة لمستقبل سوريا. الأيام القادمة ستكشف مدى قدرة الأطراف المختلفة على تحقيق تسوية دائمة ومستقرة لهذا النزاع المعقد.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 8