تصدر موضوع قناة بنما الأنباء في الولايات المتحدة مؤخرًا، خاصة بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول رغبته في استعادة السيطرة على القناة، إلى جانب اتهام الصين بالتحكم فيها وإدارة شؤونها، ولكن هذا الصراع حول القناة الاستراتيجية يعود إلى أكثر من 100 عام من التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وهو موضوع شهد العديد من الأحداث الهامة التي شكلت مسار هذه القضية.
بداية الصراع: بناء القناة عام 1903
في أواخر القرن التاسع عشر، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في منطقتي البحر الكاريبي والمحيط الهادئ، وبرزت الحاجة إلى ربط هذه المناطق بالتراب الأميركي. وفي عام 1903، قام الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت بتوجيه دعم عسكري لحركة انفصالية في بنما، التي كانت في ذلك الوقت تابعة لكولومبيا، وقد نجح في توقيع اتفاق مع الحكومة البنمية الجديدة لإنشاء قناة تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وتم بناء القناة التي اعتُبرت إنجازًا هندسيًا عظيمًا.
القناة مصدر اقتصادي رئيسي
في عشرينيات القرن العشرين، أصبحت قناة بنما أحد أهم المصادر الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث ساعدت بشكل كبير في تقليل تكاليف نقل النفط من كاليفورنيا إلى المدن الشرقية، ومع ذلك، كانت بنما نفسها لا تستفيد بشكل كبير من القناة، وهو ما أثار احتجاجات داخلية في البلاد، خاصة بعد الحادثة الدموية في يناير 1964، عندما حاول المتظاهرون البنميون رفع علم بلادهم في منطقة القناة، ما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص.
تسليم القناة إلى بنما
بالتزامن مع موجة التحرر من الاستعمار في الخمسينيات والستينيات، بدأ التوتر بين الولايات المتحدة وبنما في التصاعد، وفي عام 1977، تم التوصل إلى اتفاق بين الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وزعيم بنما الفعلي عمر توريخوس، قضى بتسليم القناة إلى بنما بحلول نهاية القرن، مع منح الولايات المتحدة الحق في التدخل العسكري لحماية القناة، ومع ذلك، في عام 1989، غزت الولايات المتحدة بنما للإطاحة بنورييجا، وهو ما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين، قبل أن تهدأ الأزمة بعد استسلام نورييجا.
خصخصة القناة وتزايد التوترات الصينية
مع اقتراب موعد تسليم القناة في عام 1997، بدأت بنما في خصخصة بعض أصولها المتعلقة بالقناة، مثل الموانئ التي تقع على طرفيها، فازت شركة هاتشيسون وامبوا، المملوكة لرجل الأعمال لي كا شينغ، بعقد لإدارة هذه الموانئ، مما أثار مخاوف من أن الصين قد تحظى بنفوذ في هذه المنطقة الاستراتيجية، خاصة مع اقتراب تسليم هونغ كونغ للصين في نفس العام.
اتهامات ترامب والزعم الصيني
في الوقت الذي يدير فيه هيئة قناة بنما العملية اليومية للقناة، اتهم الرئيس ترامب الصين بشكل غير دقيق بالتحكم في القناة عبر شركتين صينيتين تديران موانئها، وأشار إلى أن الصين قد تكون وراء تهديدات محتملة للممر المائي. إلا أن هذا الادعاء غير دقيق، حيث أن الصين لا تملك السيطرة المباشرة على القناة نفسها، بل تدير الموانئ فقط. كما أن الرسوم التي تدفعها البحرية الأميركية لاستخدام القناة منخفضة نسبيًا مقارنة بما يدفعه القطاع التجاري.
دور الصين في أمريكا اللاتينية
على الرغم من عدم وجود سيطرة مباشرة من الصين على القناة، فإن تزايد الاستثمارات الصينية في مشاريع البنية التحتية في أمريكا اللاتينية، مثل مبادرة "الحزام والطريق"، يثير القلق، وفي نوفمبر 2024، افتتح الرئيس الصيني شي جين بينغ ميناء ضخمًا في بيرو، مما يعزز الوجود الصيني في المنطقة ويزيد من تعقيد المنافسة على النفوذ في القارة.
وفي النهاية، تظل قناة بنما محط اهتمام عالمي، حيث تشكل شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، ويبقى مستقبلها في صراع مستمر بين القوى الكبرى التي تسعى لضمان السيطرة على هذه الممر المائي الحيوي.