يشهد حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية وأحد أقدم التنظيمات السياسية في البلاد، انقسامات داخلية متصاعدة وصراعاً بين قياداته، ما يضعه أمام تحديات كبرى تهدد مستقبله السياسي، وبينما يسعى زعيمه الحالي أوزغور أوزال إلى فرض سيطرته وسط خلافات متزايدة، يعيد أنصار الزعيم السابق كمال كليجدار أوغلو ترتيب صفوفهم في محاولة لاستعادة القيادة.
حزب الشعب الجمهوري: تاريخ ودور بارز
تأسس حزب الشعب الجمهوري في عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك كأول حزب سياسي في تركيا الحديثة، ولعب الحزب دوراً محورياً في بناء الجمهورية ومثل لفترات طويلة التيار العلماني في السياسة التركية، ومع ذلك، شهد الحزب على مدار العقود الأخيرة تحديات عديدة، أبرزها تراجع شعبيته أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة رجب طيب أردوغان.
أزمة القيادة والتصعيد الداخلي
أطاح أوزغور أوزال بكمال كليجدار أوغلو من قيادة الحزب في أواخر 2023، بعد مؤتمر سنوي شهد صراعاً حاداً بين التيارات المختلفة داخل الحزب، لكن فترة أوزال القصيرة في القيادة لم تخلو من أزمات، حيث قاد أنصار كليجدار أوغلو تحركات مناهضة تمثلت في نشر بيانات مشتركة وصور على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى نيتهم استعادة زمام المبادرة.
وفي مواجهة هذه التحركات، صعد أوزال من لهجته، ملمحاً إلى إمكانية اتخاذ إجراءات صارمة ضد المعارضين داخل الحزب، بما في ذلك فصل أعضاء بارزين وإحالتهم إلى لجان الانضباط.
جبهات الصراع الأربعة داخل الحزب: وفقاً للمحللين، ينقسم الحزب إلى أربع تيارات رئيسة:
مؤيدو أوزغور أوزال، الذين يسيطرون حالياً على القيادة المركزية.
أنصار كمال كليجدار أوغلو، الذين يسعون لاستعادة القيادة.
مؤيدو أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول وأحد أبرز المرشحين المحتملين للرئاسة.
داعمو منصور يافاش، رئيس بلدية أنقرة الذي يحظى بشعبية واسعة.
انعكاسات الأزمة على الانتخابات المقبلة
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، تزداد المخاوف من تأثير هذه الانقسامات على قدرة الحزب على تقديم مرشح قوي يمثل المعارضة، وبينما يواجه إمام أوغلو تحديات قانونية قد تمنعه من الترشح، تبرز تساؤلات حول قدرة الحزب على توحيد صفوفه واختيار مرشح يحظى بإجماع داخلي.
انتقادات حول ضعف المعارضة
انتقد العديد من المحللين ضعف أداء المعارضة التركية، مشيرين إلى أن الانقسامات الداخلية في حزب الشعب الجمهوري هي انعكاس لغياب رؤية موحدة، وأشار بدري أغاج، الرئيس السابق لفرع الحزب في ولاية غوموشهانة، إلى أن المؤتمرات الاستثنائية قد تكون فرصة لإعادة ترتيب أولويات الحزب وتوحيد صفوفه.
آفاق المستقبل
يرى البعض أن هذه التفاعلات الداخلية ليست بالضرورة سلبية، بل تمثل فرصة لإعادة تقييم سياسات الحزب وهياكله التنظيمية، ومع ذلك، إذا لم تُدر هذه الخلافات بحكمة، فقد تؤدي إلى تراجع الحزب وفقدانه لموقعه كأكبر قوة معارضة في تركيا.
ختاماً، يواجه حزب الشعب الجمهوري مرحلة حرجة تتطلب قيادة حكيمة قادرة على تجاوز الصراعات الداخلية وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات السياسية المقبلة.