في تقريرٍ نشرته صحيفة واشنطن بوست، تطرقت الكاتبتان جاكلين أليماني وكات زاكريفسكي إلى تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب الأخيرة حول طموحاته التوسعية، والتي شملت الاستحواذ على غرينلاند، واستعادة السيطرة على قناة بنما، واعتبار كندا الولاية الأمريكية رقم 51.
هذه التصريحات تعكس رؤية ترامب لتعزيز القوة الأمريكية من خلال التوسع الإقليمي، في خطوة تتناقض مع الأعراف الدبلوماسية التقليدية.
وأوضح التقرير أن نهج ترامب غير التقليدي في السياسة الخارجية، والذي يدمج خطابًا توسعيًا وتكتيكات غير متوقعة، قد يؤدي إلى تغيير في العلاقات الدولية للولايات المتحدة، وقال مسؤول في الفريق الانتقالي لإدارة ترامب إن تصريحات الرئيس المنتخب بشأن غرينلاند وبنما وكندا تعكس رغبة ترامب في مواجهة النفوذ الروسي والصيني في هذه المناطق.
ورغم دعم المتحدثة باسم فريق ترامب الانتقالي، كيلي ماكناني، لتصريحات الرئيس ووصفها بأنها استراتيجية تهدف إلى تعزيز قوة الولايات المتحدة، إلا أن هذه التصريحات لاقت معارضة شديدة من عدة دول، فقد رفض القادة الكنديون تصريحاته، وأكد رئيس وزراء غرينلاند على سيادة الجزيرة، بينما نفى رئيس بنما بشدة مزاعم ترامب بشأن وجود جنود صينيين في قناة بنما.
من جهة أخرى، حذر النائب الجمهوري السابق كارلوس كوربيلو من ولاية فلوريدا من أن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى توترات مع الدول المعنية، ورغم أن مستشارين سياسيين مثل ريان بيرغ رأوا في تركيز ترامب على الشؤون الغربية دافعًا لتعزيز النفوذ الأمريكي، إلا أن هناك أيضًا انتقادات للميل إلى الحلول العسكرية خاصة في قضايا المخدرات من المكسيك.
أهمية غرينلاند وقناة بنما
تتزايد أهمية غرينلاند بالنسبة للولايات المتحدة بسبب موقعها الاستراتيجي في القطب الشمالي ومواردها الطبيعية، وكان ترامب قد أبدى اهتمامًا بالغرينلاند منذ عام 2019، حيث كانت محاولة لشراء الجزيرة محل جدل بين الولايات المتحدة والدنمارك، وأوضح دبلوماسيون أن هذا الاهتمام يتماشى مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، خاصة في ظل التوترات المرتبطة بالقدرة على استغلال موارد القطب الشمالي.
أما قناة بنما، فهي تمثل أحد أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم، وتعتبر من أهم الشرايين التجارية العسكرية بالنسبة للولايات المتحدة، منذ إنشائها، ساهمت القناة في تقليص المسافة بين المحيطين الأطلسي والهادئ، مما أدى إلى تقليل التكاليف وتوفير الوقت في النقل التجاري، ورغم أن القناة تخضع الآن للسيادة البنمية، إلا أن واشنطن تولي أهمية كبيرة لتأمين السيطرة عليها من أجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.
نفوذ الصين في قناة بنما
أشار ترامب في تصريحاته إلى المخاوف من النفوذ الصيني في قناة بنما، رغم أن الصين لا تسيطر عليها بشكل مباشر، في السنوات الأخيرة، قامت الصين بتوسيع وجودها في أمريكا اللاتينية عبر استثمارات كبيرة في موانئ المنطقة، ومن بينها موانئ قريبة من مدخلي القناة، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة بشأن تأثير هذا النفوذ على العمليات العسكرية في حال حدوث أزمات.
خلفية تاريخية عن قناة بنما
تعد قناة بنما واحدة من أعظم الإنجازات الهندسية في القرن العشرين، وكان المشروع قد بدأ في القرن السادس عشر، ولكن لم يتم تنفيذه بسبب تحديات فنية، وعادت الولايات المتحدة لتولي بناء القناة في أوائل القرن العشرين بعد فشل فرنسا في إتمام المشروع، وقامت واشنطن بإدارة القناة حتى تسليمها بشكل تدريجي إلى بنما في عام 1999 بعد معاهدة تاريخية مع بنما.
ورغم هذا التسليم، شهدت القناة توترات جيوسياسية بارزة، حيث شهدت العديد من الأحداث المؤلمة مثل غزو الولايات المتحدة لبنما في عام 1989 في عملية "القضية العادلة" التي استهدفت الإطاحة بالجنرال مانويل نورييغا.
ختامًا
تكشف تصريحات ترامب عن تحول محتمل في السياسة الخارجية الأمريكية، إذ يبدو أن الإدارة القادمة قد تسعى لتوسيع نفوذها في مناطق ذات أهمية استراتيجية، وهو ما قد يؤدي إلى إعادة ترتيب التحالفات الدولية.