في ظل استمرار التوترات العسكرية والسياسية جنوب سوريا، قرر مجلس الأمن الدولي تمديد مهمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الجولان، المعروفة باسم قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أوندوف)، لمدة ستة أشهر إضافية، وجاء هذا التمديد وسط تحركات إسرائيلية متزايدة ومخاوف من تصعيد الصراع في المنطقة.
قرار مجلس الأمن ومخاوف التصعيد
في اجتماع عقده مجلس الأمن يوم الجمعة، 20 ديسمبر، أعرب أعضاؤه عن قلقهم بشأن الأنشطة العسكرية الإسرائيلية جنوب سوريا، مؤكدين أن هذه الأنشطة قد تؤدي إلى تصعيد التوترات الأمنية، وطالب المجلس بضرورة الالتزام الصارم باتفاقية "فض الاشتباك بين القوات" لعام 1974 الموقعة بين "إسرائيل" وسوريا، والتي تنص على إقامة منطقة منزوعة السلاح تخضع لرقابة قوات حفظ السلام.
كما أشار المجلس إلى أهمية مراعاة وقف إطلاق النار بين الطرفين والابتعاد عن أي خطوات قد تعرقل جهود الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
غوتيريش يدعو للتهدئة
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على ضرورة احترام بنود اتفاقية فض الاشتباك، مشددًا على أن المنطقة الفاصلة يجب أن تبقى خالية من أي قوات عسكرية باستثناء قوات حفظ السلام.
وأضاف غوتيريش أن الضربات الجوية الإسرائيلية على سوريا، التي تستهدف مواقع مختلفة في جنوب البلاد، تشكل انتهاكًا واضحًا لسيادة سوريا وسلامة أراضيها، داعيًا إلى وقف هذه العمليات العسكرية فورًا للحيلولة دون تفاقم الأوضاع.
قيود على حركة قوات "الأوندوف"
في تقريرها الأخير الصادر في 17 ديسمبر، أكدت قوة "الأوندوف" أن وجود "الجيش" الإسرائيلي في منطقة عملياتها بالجولان يؤثر بشكل كبير على قدرتها على أداء مهامها، وأوضحت القوة أن حركتها باتت مقيدة للغاية، حيث انخفضت عدد المهام اللوجستية والعملياتية اليومية من حوالي 55-60 مهمة إلى ثلاث إلى خمس مهام فقط.
المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أشار خلال مؤتمر صحفي إلى أن هذا التقييد يعوق قدرة القوة على تنفيذ ولايتها المتمثلة في مراقبة وقف إطلاق النار والإبلاغ عن أي انتهاكات، وطالب بالسماح لقوات حفظ السلام بتنفيذ مهامها دون أي عراقيل أو تهديدات لأمنها.
تحركات إسرائيلية في جنوب سوريا
بعد التغيرات السياسية والعسكرية التي شهدتها سوريا مؤخرًا، بما في ذلك سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر الحالي، قامت "إسرائيل" بتحركات عسكرية واسعة في المناطق الحدودية مع الجولان السوري المحتل، واستولت قوات الإحتلال على مناطق استراتيجية مثل قمة جبل الشيخ، وبعض أجزاء محافظة القنيطرة، بالإضافة إلى احتلال منطقة الجزيرة، وهي هضبة مرتفعة تطل على مناطق واسعة في درعا وتمتد تأثيراتها إلى الداخل الأردني.
الضغط على السكان المحليين
لم تقتصر التحركات الإسرائيلية على الجانب العسكري فقط، بل شملت أيضًا تهديد السكان المحليين في القرى الحدودية، وثقت تقارير محلية قيام القوات الإسرائيلية باقتحام منازل وتفتيشها في بلدات مثل معرية، كويا، بيت آراء، جملة، وعابدين، واستخدام مكبرات الصوت لتهديد السكان باتخاذ إجراءات قاسية إذا لم يلتزموا بمطالبها، بما في ذلك مقابلة وجهاء البلدات مع ضباط إسرائيليين.
التوترات الدولية والإقليمية
تمديد مهمة قوات "الأوندوف" يعكس الجهود الدولية لتجنب انزلاق المنطقة إلى صراع أوسع، خاصة في ظل استمرار الأنشطة العسكرية الإسرائيلية، التي تصفها الأمم المتحدة بانتهاك السيادة السورية.
وتستمر "إسرائيل" في تبرير تحركاتها بأنها تهدف لمنع التهديدات الأمنية من الجماعات التي تنشط جنوب سوريا، فيما ترى دمشق وحلفاؤها أن هذه التحركات تأتي ضمن مساعي "إسرائيل" لتوسيع نفوذها في الجولان.
أهمية المنطقة منزوعة السلاح
تعتبر المنطقة الفاصلة بين سوريا و"إسرائيل"، بموجب اتفاقية 1974، ذات أهمية استراتيجية كبيرة، إذ يبلغ حجمها حوالي 400 كيلومتر مربع. يمنع وجود القوات العسكرية للطرفين فيها لضمان تخفيف التوتر ومنع الاحتكاكات المباشرة.
تتمركز قوات "الأوندوف" في هذه المنطقة للإشراف على تنفيذ بنود الاتفاقية، لكن وجود القوات الإسرائيلية داخلها يعقد مهامها ويعرضها للخطر.
التحديات أمام قوات حفظ السلام
رغم تمديد مهامها، تواجه قوات "الأوندوف" تحديات كبيرة، أبرزها:
تقييد حركتها: يؤثر وجود قوات الإحتلال على قدرتها في مراقبة الوضع وتنفيذ عملياتها اليومية.
تصاعد التوترات: استمرار الأنشطة العسكرية في المنطقة يزيد من احتمالية التصعيد العسكري.
غياب الدعم المحلي: يواجه السكان المحليون في القرى الحدودية تهديدات متواصلة من الجانب الإسرائيلي، مما يضع مزيدًا من الضغط على بعثة الأمم المتحدة.
آفاق المستقبل
في ظل استمرار التحركات العسكرية الإسرائيلية وغياب أي مؤشرات لتخفيف التصعيد، يبقى الوضع في الجولان معقدًا، ان قوات "الأوندوف" بحاجة إلى دعم دولي أكبر لتأمين حريتها في العمل وضمان تنفيذ مهامها، كما أن الالتزام باتفاقية "فض الاشتباك" يعد ضرورة ملحة لتجنب أي انزلاق نحو مواجهة مباشرة بين الأطراف.
يبقى مصير الجولان محورًا للصراع الإقليمي والدولي، ما يجعل المنطقة على صفيح ساخن يستدعي تحركًا عاجلًا لتحقيق الاستقرار.