يسود التوتّر العالم جرّاء تهاوي السيطرة الأمريكيّة المطلقة على السياسة العالميّة، وصعود قوى مجتهدة استطاعت أن تتجاوز مراحل الهيمنة الأمريكيّة، والعقوبات المستمرّة، وأثبتت نفسها بجدارة على الساحة الدوليّة، وعلى رأس هذه القوى تأتي الصين التي تراقب الوضع في أوكرانيا عن كثب، متحيّنةً الفرصة المواتية للانقضاض على جزيرة تايوان، التي تعتبر امتداداً شرعيّاً لجمهوريّة لصين الشعبيّة.
في هذا الصدد، يتوقع الخبراء في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) ومشروع الطاقة الصيني، وغيره من مؤسسات الفكر والرأي احتمالًا أكبر للغزو الصيني، أو الحصار على تايوان بعد الانتخابات الرئاسية هذا العام، ومع حلول الذكرى المئوية لعام 2027 لتأسيس جيش التحرير الشعبي (PLA). النهج.
كما وتعتقد السلطات اليابانيّة أنّه على الرغم من احتفاظها رسميًا بالغموض الاستراتيجي، فمن المرجح أن تتدخل الولايات المتحدة إذا تعرضت تايوان للهجوم، وأشار الأدميرال (المتقاعد) توموهيسا تاكي، في بحث نُشر في مايو 2024، إلى ثقة اليابان في الدعم العسكري الأمريكي، لكنّه أعرب عن شكوكه حول اتساق الدعم من حلفاء الولايات المتحدة الآخرين.
وقال رئيس الوزراء الياباني السابق شينزو آبي: إن الغزو الصيني من المرجح أن ينتهك المجال الجوي والبحري الياباني، مما يشكل فعليًا هجومًا على اليابان، ويتماشى هذا مع استراتيجية الأمن القومي اليابانية لعام 2022، والتي تؤكد على أهمية تايوان كحليف ديمقراطي و"عنصر لا غنى عنه لأمن وازدهار المجتمع الدولي".
وتسلط هذه الدراسة الاستراتيجية الضوء أيضًا على المخاوف بشأن الأنشطة العسكرية الصينيّة في محيط تايوان، بما في ذلك إطلاق الصواريخ الباليستية على المياه القريبة من اليابان، إن غزو جمهورية الصين الشعبية، أو حصارها لتايوان من شأنه أن يقيد بشدة وصول اليابان إلى البحر المفتوح، وخاصةً عبر مضيق تايوان، مما يهدد حرية الملاحة ويعزل اليابان بشكل شبه كلّي. ونتيجة لهذا فإن كثيرين داخل الحكومة اليابانية والمؤسسة العسكرية اليابانية ينظرون إلى الاستعداد لصراع محتمل بشأن تايوان باعتباره ضرورة أساسية لحماية الأمن القومي الياباني والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة.
وتعتبر طوكيو بحسب البيان المشترك بين اليابان والصين في عام 1972، والذي يعترف بتايوان كجزء من جمهورية الصين الشعبيّة، إنّما يؤكد البيان على أن التوحيد يجب أن يتم سلميّاً.
يفسر الأدميرال (المتقاعد) توموهيسا تاكي موقف طوكيو على أنه الحفاظ على المرونة الاستراتيجية، مما يسمح لليابان باختيار ما إذا كانت ستتدخل أم لا في سيناريو غزو جمهورية الصين الشعبية، ويشير تاكي إلى أن التغيير في سياسة الولايات المتحدة، مثل تصريح الرئيس السابق ترامب بأنه منفتح على فكرة التدخل العسكري المباشر وتصريحات الرئيس بايدن المتكررة بأن الولايات المتحدة ستقاتل من أجل تايوان (على الرغم من تراجع البيت الأبيض عن هذه التصريحات على الفور)، يمكن أن التأثير على رد فعل اليابان.
ووفقاً للمبادئ التوجيهية للتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة واليابان، يتم تشجيع واشنطن على التشاور مع طوكيو قبل استخدام القواعد اليابانية للقيام بعمل عسكري، وفي مثل هذا الصراع، من المرجح أن تقدم اليابان الدعم اللوجستي، وإشراكها بشكل فعلي في الأعمال العدائيّة.
في عام 2022، أصدرت الحكومة اليابانية ثلاث وثائق استراتيجية: استراتيجية الأمن القومي (NSS)، واستراتيجية الدفاع الوطني (NDS)، وبرنامج تعزيز الدفاع، وتهدف هذه الوثائق معًا إلى تعزيز قدرات قوات الدفاع الذاتي اليابانية (JSDF) بشكل كبير لمواجهة التهديدات الإقليمية الناشئة، وخاصة من الصين وكوريا الشمالية.
ويبرر برنامج تعزيز الدفاع التوسع العسكري باعتباره ضروريًا لمواجهة "التغييرات الأحادية الجانب المحتملة في الوضع الراهن بالقوة". ورغم أن تايوان لم تُذكر صراحة، فإن عبارة "الوضع الراهن" تعني ضمناً القليل من التفسيرات المعقولة الأخرى.
وتركز الوثائق على سبع مجالات حاسمة: كإنشاء قدرات الضربة الاستباقيّة، وتعزيز الدفاعات الجويّة والصاروخيّة المتكاملة، بناء التحصينات والدشم، وتحسين العمليّات والمناورات الحربيّة، وتطوير أنظمة القيادة والسيطرة، وتفعيل حركة القوات والدفاع المدني، وزيادة الاستدامة العامة ومقوّمات الصمود، ويسعى البرنامج أيضاً إلى مضاعفة الإنفاق الدفاعي في اليابان إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات، وهو ما يمثل تحولاً كبيراً بالنسبة لدولة تركز تقليدياً على الحد الأدنى من المواقف الدفاعية.
ورغم أن هذه التعزيزات الدفاعية تعالج التهديدات القادمة من الصين وكوريا الشمالية، إلا أن اليابان لم تلتزم صراحة بالدفاع عن تايوان.
ومع ذلك، ونظراً لاعتماد اليابان على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأمن والمخاطر المحتملة على أراضيها في صراع تايوان، فقد تجد اليابان نفسها في نهاية المطاف متورطة في سيناريو الحرب بين الولايات المتحدة والصين، وخاصة إذا كان الحصار أو الضربات الصينية المضادة تهدد أمن اليابان.
ومع ذلك، يشير المعهد البحري الأمريكي إلى أنه في حين عززت قوات الدفاع الذاتي اليابانية قدراتها بشكل كبير على مدى السنوات العشرين الماضية، فإن هذا كان مدفوعا إلى حد كبير بالتهديد المباشر الذي تشكله جمهورية الصين الشعبية، وخاصة حول جزر سينكاكو.
ويشير المعهد أيضًا إلى أن معاهدة التعاون والأمن المتبادل بين اليابان والولايات المتحدة الأمريكية ليست ميثاقًا للدفاع المشترك: فهي تلزم الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان ولكنها لا تلزم اليابان بالدفاع عن الولايات المتحدة أو المشاركة في الصراعات الأمريكية.
ولكن إلى أن تراجع طوكيو موقفها رسمياً، فإن الغموض الاستراتيجي فيما يتعلق بالدفاع عن تايوان يظل هو السياسة السائدة.