تبقى المنطقة الجنوبية من سورية في عين الحدث، إذ لا يبدو إنها منطقة قابلة للهدوء الميداني طالما بقيت «مجموعات التسوية»، موجودة فيها، وهو المسمى الذي يطلق على الفصائل المسلحة التي قبلت باتفاقيات وقف إطلاق النار والمصالحة في صيف العام 2018 الذي سيطرت فيه الحكومة السورية على محافظتي درعا والقنيطرة، وتقول فصائل
عسكرية سورية في حديث لـ وكالة أنباء آسيا إمكانية إشعال الجنوب السوري من قبل الفصائل المسلحة معدومة، وإن حدثت معارك ستكون محدودة وضمن بقعة جغرافية محددة، لا يمكن أن تمتد لكامل المنطقة، وذلك بفعل أن التموضع الحالي للجيش السوري يأخذ في حساباته أمرين، الأول المواجهة مع هذه الفصائل وتطويق أي مواجهة بشكل سريع
وفاعل، والثاني احتمالية المواجهة مع الكيان الإسرائيلي.
يشير المصدر إلى أن التعامل بعقلانية مع المنطقة الجنوبية من قبل دمشق لا يعني عدم قدرة وحدات الجيش السوري على الرد على الإشكالات أو محاولات التصعيد التي تشهدها محافظة درعا بين الحين والآخر، على غرار ما شهدته بلدة "داعل"، قبل أسبوع، ومن قبلها منطقة «اللجاة» بريف درعا الشمالي الشرقي، قطع للطرقات أو محاولات لاستهداف
بعض النقاط العسكرية السورية، فالأمر هنا مرهون برغبة الحكومة السورية الإبقاء على المنطقة ضمن خارطة المناطق الهادئة نسبياً، وإفساح المجال للحوار لإخلاء المنطقة من المسلحين بدون الحاجة لعمليات أمنية واسعة، إلا أن خيار المواجهة قائم في حال لم تلتزم «المجموعات المسلحة»، بما ينتج عن جلسات الحوار.
وفيما كانت الأسابيع الماضية قد شهدت حديثا عن اتفاق تسوية جديد في مدينة "جاسم"، بريف درعا الغربي بشروط صارمة من قبل الدولة السورية، يقول أحد أعضاء اللجنة المركزية الممثلة لفصائل المعارضة في حديثه لـ وكالة أنباء آسيا أن عناصر المجموعات المسلحة من أبناء درعا والقنيطرة سيكونون أمام احتمالات قليلة، فإما تسوية أوضاعهم
بتسليم السلاح والعودة إلى الحياة الطبيعية، أو الخروج نهائياً إلى الشمال السوري، بينما المسلحين المتحدرين من مناطق أخرى والذين يعرفون باسم «الغرباء»، لن يكون أمامهم سوى خيار مغادرة الجنوب السوري نهائيا نحو الشمال، في مشهد يستحضر قوافل المسلحين الذين خرجوا في صيف العام 2018، على أن الهدف النهائي هو إفراغ الجنوب
السوري من السلاح غير الشرعي بشكل نهائي، وألا يبقى في المنطقة أي جهة غير الجيش السوري والقوى الداعمة له، وبحسب المصدر ذاته فإن هذه الخطوات تتسق مع المزاج الشعبي الذي يميل إلى تفكيك مجموعات التسوية والعودة إلى الحياة الطبيعية وممارسة الأعمال الزراعية بوصف الجنوب السلة الغذائية الأكبر في الداخل السوري لجهة الإنتاج
الزراعي والحيواني فيها، وإلى حين الذهاب نحو فتح باب التسوية من جديد يبقى الواقع الأمني في درعا على وجه الخصوص مضطرب لجهة كثرة جرائم القتل التي تسجلها.
الاقتتال الفصائلي هو الحالة الأكثر إثارة للقلق في الجنوب، إذ تعد مدن مثل «جاسم - طفس - نوى»، من المناطق التي تشهد بين الحين والآخر عمليات اقتتال بين الأطراف المسلحة نتيجة لأسباب تبدو غير منطقة، وآخر هذه المواجهات سجل في مدينة «نوى»، القريبة من شريط الفصل مع الأراضي المحتلة بريف درعا الغربي، بين مجموعتين من
فصائل التسوية دون أسباب واضحة وأفضى لمقتل ثلاثة مسلحين على الأقل وسقوط جرحى من الطرفين، فيما كانت مدينة «جاسم»، بريف المحافظة الشمالي الأوسط قد شهدت قبل أسبوعين من الآن عملية اقتتال بين مجموعتين اتهمت إحداهما الأخرى بموالاة تنظيم «جبهة النصرة»، ما أفضى لسقوط قتلى من الطرفين، إضافة لجرحى من المدنيين مع
فرض الطرفين المقتتلين لـ «حظر التجوال» استمر لعدة أيام، الأمر الذي انعكس على حياة السكان سلبا، وبحسب ما علمت «وكالة انباء آسيا»، فإن مدينة «جاسم»، ستكون أولى المناطق التي يطبق فيها اتفاق التسوية بشكله الجديد، على أن تكون طفس ونوى خطوتين تاليتين، وهكذا حتى إنهاء الوجود المسلح.
تشير إحصائية خاصة بـ وكالة أنباء آسيا إلى تسجيل 203 حادثة استهداف مباشر في محافظتي درعا والقنيطرة منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر تموز الماضي، وتقول المعلومات أن محافظة درعا شهدت 190 حادثة استهداف بالرصاص أو العبوات الناسفة خلال هذه الفترة راح ضحيتها 186 شخص، إضافة إلى 36 جريحاً خلال الفترة عينها،
بينما شهدت محافظة القنيطرة 13 حادثة استهداف مماثلة، سجل فيها مقتل 10 أشخاص وإصابة 7 آخرين، وتشير المعطيات إلى أن «الاقتتال الفصائلي»، هو أحد أهم أسباب جرائم القتل في الجنوب السوري، فيما تأتي أسباب مثل «الثأر - المشاجرات التي يكون أحد طرفيها من مجموعات التسوية - الخلافات العشائرية»، كأسباب إضافية لكنها ثانوية.