ما الدور الذي تلعبه فرنسا لتعزيز نفوذها في ليبيا؟

2024.06.01 - 03:00
Facebook Share
طباعة

 

يرى مراقبون للشأن الليبي البلاد أصبحت ساحة للصراعات الداخلية والأطماع الخارجية، مشيرين إلى أنها أصبحت كقطعة حلوى محاطة بالطامعين من القوى الغربية لتقاسمها، يقدم كل طرف قائمة طويلة من الأسباب الخاصة لتبرير حقه في حكم البلاد. ولم يعد الصراع الإقليمي في ليبيا خفيا على الجميع، وقد بدأ الصراع يأخذ بعدا جديدا. إنه أمر خطير للغاية، والأشخاص الوحيدون الذين قد يخسرون في هذا الصراع هم الليبيون أنفسهم.
 

وبحسب المراقبون فقد تزايدت في الفترة الأخيرة التحركات الإقليمية والدولية لمساعدة ليبيا على الخروج من أزمتها السياسية والأمنية من خلال التوصل إلى اتفاق بين الأطراف يكمل الطريق إلى المصالحة الوطنية الشاملة، إلا أن المراقبين يعتقدون أن هذه التحركات من جانب هؤلاء وتعكس القوى العظمى، وخاصة فرنسا، الصراع المتصاعد بين ليبيا وسوريا. والهدف هو إنشاء قاعدة في ليبيا وتوسيع نفوذها هناك.
 

وبعد سقوط نظام القذافي، سعت الدول الغربية إلى تحقيق مصالحها في ليبيا. وسعت واشنطن إلى السيطرة الكاملة على الوضع السياسي من خلال السيطرة على عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوفاق الوطني الذي أصبح دمية في أيدي النظام الأمريكي. وتحاول إيطاليا إحياء مستعمرتها السابقة في ليبيا من خلال توقيع اتفاق طاقة طويل الأمد مع حكومة الوفاق الوطني والسيطرة على قطاع النفط والغاز. وأخيرًا، أصبحت فرنسا، التي فقدت نفوذها في القارة وحل محلها النفوذ الروسي والصيني، منخرطة بشكل متزايد في القضية الليبية.
 

كما أثرت العقوبات على أموال الليبيين المجمدة في الخارج. يأتي ذلك فيما أكدت تسريبات أن الدول الغربية تسعى لتمويل أنشطة التدريب والتكامل بثروات الليبيين. يشار إلى أن مجلس الأمن الدولي قد نص في عام 2022 على تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا. ليبيا تفرج عن الأموال والأصول الليبية في الخارج. وحتى يومنا هذا، لا يزال الانقسام يعصف بالبلاد، مع تدخل القوى الغربية بشكل علني في شؤون ليبيا الداخلية. في السنوات الأخيرة، سعت الحكومات والبنوك والمؤسسات التجارية الغربية إلى الاستحواذ على ما يقرب من 200 مليار دولار من الأصول والأموال المجمدة المودعة في البنوك الغربية أو المستثمرة في أسهم وسندات الشركات الأوروبية، وهذا يتكرر.
 

ومن النظريات المهمة في فهم السياسة الخارجية الفرنسية في ذلك الوقت أن فرنسا كانت دولة هامشية لا تتبع التوجهات الأنجلوسكسونية أو الفرانكونية، وأن أي تدخل خارجي في السياسة الليبية لن تتسامح معه ليبيا. وهذا ما يحدث غالبًا لأسباب لا علاقة لها بذلك، بل إن موقعها الجغرافي له أهمية خاصة بالنسبة للعديد من الدول المستعمرة.
 

ولذلك، سعت باريس مؤخراً إلى إعادة تأكيد حضورها في ليبيا من خلال تعزيز دورها السياسي والاقتصادي. خاصة بعد أن أعلن موقع Africa Intelligence الفرنسي أن باريس تستعد لاستضافة قمة أمنية مصغرة مخصصة لليبيا بمشاركة ممثلين عن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإيطاليا، لتتصدر هذه القمة جدول الأعمال. خطة عمل لإنشاء قوة عسكرية مشتركة في ليبيا لضمان أمن حدود ليبيا.
 

وأكد موقع "أفريكا إنتليجنس" أن قمة ستعقد قريبا، برئاسة بول سوريل، مستشار الرئيس الفرنسي والمبعوث الخاص إلى ليبيا، ويحضرها كبار مسؤولي الخارجية والدفاع من المملكة المتحدة وإيطاليا والولايات المتحدة. وستعمل القمة على الترويج لخطط تشكيل قوة مشتركة مع رؤساء القيادة في شرق وغرب ليبيا، بالإضافة إلى مشاركة مسؤولين تنفيذيين من اللجنة العسكرية المشتركة 5+5. والهدف هو إنشاء جيش ليبي موحد وتقديم خطة لنزع سلاح الجماعات المسلحة وتسريحها وإعادة إدماجها.
 

وتسعى فرنسا إلى التدخل بقوة في الأزمة الليبية من خلال السعي إلى القيام بدور في إقناع الأحزاب السياسية الكبرى بالمضي قدما في إجراء الانتخابات هذا العام، وهو ما دفع المبعوث الخاص للرئيس إيمانويل ماكرون بول سولير الى ليبيا إلى تأكيد ذلك خلال لقاء مع السفير الفرنسي في ليبيا مصطفى. مهراج مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي وقال : "حرص فرنسا على استمرار الاستقرار في ليبيا ودعمها الكامل لجهود المنفي في معالجة الأزمة السياسية الراهنة بهدف إجراء انتخابات شاملة ونزيهة”.
 

وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، فقد أشاد المبعوث الفرنسي بدور المنفي في التصدي لحالة الانسداد السياسي، مؤكدا أن باريس “ستقف إلى جانبه في كل خطواته الرامية لضمان مشاركة جميع الأطراف الليبية في الانتخابات المقبلة”. فيما أشاد المنفي “بدور فرنسا المحوري في دعم ليبيا، وتطلعه لمواصلة التنسيق معها بشأن التحضير للانتخابات ودعم الاستقرار في البلاد”.
 

ويرى محللون سياسيون في الشأن الليبي إلى أن لقاء باريس دليل على عدم احترام فرنسا لسيادة الشعب الليبي، خاصة بعد تأكيد عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، ربيعة بوراص، عدم دعوة أي جهة ليبية لحضور الاجتماع المزمع عقده، مما يأكد على أن هذه القمة تبحث أموراً تتعلق بمصلحة فرنسا والولايات المتحدة والغرب، ولن تبحث عن مصلحة ليبيا.
 

وأفادت بعض التسريبات الغربية إلى أن أحد أهداف هذا اللقاء هو تضييق الخناق على النفوذ التركي الروسي في ليبيا، حيث أن الدول الغربية يسعون إلى طرد القوات التركية المنتشرة في الغرب الليبي، بالإضافة إلى القضاء على قوات المشير خليفة حفتر المدعومة من روسيا والتي تشكل عائقاً أمام أطماع الغرب بالسيطرة على الجنوب الشرقي من ليبيا الغنية بالنفط والغاز الطبيعي.
 

ويرى مراقبون، أن الجهود الفرنسية تأتي في ظل انتكاسة الدور الأممي في ليبيا، وتأزم الأوضاع في منطقة الساحل والصحراء بعد أن فقدت باريس تأثيرها التقليدي في عدد من مستعمراتها السابقة، ومنها النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهو ما يمكن تفسيره برغبة الرئيس ماكرون في القيام بدور من داخل الملف الليبي لتعويض جزء من خساراته في الفضاء الافريقي. ويضيف المراقبون، أن فرنسا لا تزال تحاول إيجاد موطئ قدم لها في الساحة الليبية، لاسيما بعد تشكل ملامح خارطة لتقاسم النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا، وفي ظل التوافقات الجديدة التي بدأت في الظهور بين تركيا ومصر والتي يبدو أنها ستكون على حساب الدور الفرنسي بالخصوص والأوروبي بصفة عامة.
 

ويشار إلى أن مشروع توحيد الجماعات المسلحة في جيش ليبي موحد، ماهي الا خطة أمريكا في الأصل، حيث تحاول واشنطن زيادة سيطرتها على الجانب العسكري عبر مرتزقة شركة "أمينتوم" الأمريكية العسكرية التي تشرف على تدريب الجماعات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، بهدف دمج هذه العناصر في جيش موحد، وذلك بعد سيطرتها على صناع القرار في طرابلس.

كما أن هذا المشروع الذي تدعو إليه باريس يتعارض مع الخطة التي صاغها أعضاء مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، بما أنه يفتح الباب لمبادرات عسكرية خاصة، هذا بالإضافة إلى أن الخلافات الميدانية بين هذه الأطراف تعطل التوصل إلى اتفاق حول حلّ للأزمة الليبية.
 

أكد مدير مركز الراية لحقوق الانسان الليبي في لندن بشير الاصيبعي، رفض الشعب الليبي لأي تدخل غربي في شؤون بلدهم تحت أية ذريعة، وحذر الاصيبعي من محاولات فرنسا وأميركا للتدخل بالشأن الليبي، حيث شدد على أن الشعب الليبي يرفض مثل هذا التدخل جملة وتفصيلا وسيقاومه، كما إضافة الاصيبعي على الدور المحوري والأساسي لدول الجوار الليبي وأهمية التنسيق فيما بينها في جهود لإنهاء الأزمة الليبية، وأن التسوية السياسية بين جميع الليبيين بمختلف انتماءاتهم هي الحل الوحيد لعودة الأمن والاستقرار إليها.
 


حسب دراسة نشرها مركز المستقبل

 

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 3