"آرون بوشنيل" قربان "الأمّة النائمة

2024.03.07 - 07:26
Facebook Share
طباعة

ما زلنا نقف عند عتبات الخجل والجبن من أن نقول للمسيء منا أسأت، أن ننتقد سياساتنا وحكوماتنا المتواطئة مع المحتل الصهيوني، والذين يفتحون له الطرق والسماء والبحر والأحضان، ويزودونه بطاقة الغطرسة والافتراس، ويحولون شلالات الدم لسجادات حمراء تدوسها أقدام العسكر والمسؤولين!

ننتظر من يفرج عن كربتنا وضيق صدورنا، وأن يفعل ما لا يمكننا التجرؤ على فعله، نرى حكام أمريكا اللاتينية ووزراء جنوب افريقيا، وممثلين أجانب وغيرهم ليهم من الرجولة والكرامة ما نفتقدها جميعا، نادرا ما يأتينا خبر عن أبناء جلدتنا من كانت لهم شجاعة القول، أضعف الايمان، إلا نادرا.

 

انتشرت صورة الطيار الأمريكي الشاب آرون بوشنل والتعليقات حوله على وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، الممجدة لما أقدم عليه الجندي الأمريكي الشجاع وليس بدافع ديني أو عرقي أو قومي، بل للتكفير عن ذنوب حكومته الرعناء، عرابة الصهاينة، ومن منطلق إنسانيته، التي منعته من أن يكون طرفا في إبادة الإنسان في غزة.

 

هذا هو الجندي الأمريكي الذي سمع كل العالم صوته، حينما حرق نفسه من أجل أن يعيش أبناء فلسطين،
وانتشرت صورة الجندي الشاب أرون بوشنل، البالغ من العمر 25 عاما وبسمة عريضة على محياه، لم يحرق جسده وكفى، بل ترك «صدقة جارية» خلفه «حيث خصص مدخراته لأطفال فلسطين، قبل أن يضرم النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، احتجاجا على ما يقوم به الكيان الاسرائيلي من «إبادة جماعية» في قطاع غزة.



وأنه كما ذكر الصحافي الأمريكي كويل لورانس للإذاعة الوطنية العامة أن «بوشنل» قد خطّط لوصيته بعناية فائقة مع منظمة خيرية عمل معها، وأنه أعد وصيته وطلب التبرع بمدخراته لصندوق مساعدة أطفال فلسطين، وأضاف أنه رتب كل شيء قبل إقدامه على حرق نفسه، حتى أنه أوصى جاره بالاعتناء بقطته، فمن يرأف بالقطط لا يمكنه إلا أن يكون إنسانا شفافا، وليس من يتكسبون وراء إظهار مزاعم إنسانية وما أكثرهم.

 

وحين كانت النيران تلتهم جسده كان يصرخ «الحرية لفلسطين»، مرارا وتكرارا، حتى انقطاع النفَس.

 

سمعنا عن عمليات حرق الذات، منذ البوعزيزي، كحركة احتجاجية عن مظلومية قاهرة، لكن المفارقة هنا أنها كانت تعبيرًا عن مظلومية حلت بالذات وليس بالآخر. أما «بوشنيل» فحالة مختلفة كليا.

 

هذا الشاب هو جندي في المقام الأول، بمعنى أن ضميره لم يستنكف عن العمل العسكري، أي أن لديه تصورا ما عن العدالة لا يتناقض وشرعية الحرب، كدفاع عن النفس في أبسط تقدير. هذا الشاب لا تربطه أي قرابة مع الغزاويين، من حيث العرق أو الدين أو اللغة أو الجغرافيا أو المصلحة المشتركة. إنه يصنع معضلة لعلم النفس التطوري. على مستوى أخلاقياته، واضح جدا أن هذا الشاب لا تنضبط أخلاقه على نفعية جيرمي بنتام وجون ستوارت ميل، فلا مصلحة مكتسبة عنده أو عند مقربيه من دائرته الضيقة بما فعل، ولا حتى أخلاق الواجب "الكانطية" هذه المغرقة في الإيثار لا ترقى تنظيريا لما فعله الرجل، ففي النهاية حتى «كانط» لا يرى ضرورة لما حدث،إن "آرون بوشنيل" لا ينضبط للإنسانية التي نعرفها، تنظيرا قبل أن تكون ممارسة، إنه حالة منفردة جدا، لا يسعنا اللحظة أن نقول فيه إلا أنّه كان أمة.

 

بالفعل لا مجال للكلام والمقارنة مع من يواجه بإعدام جسده لتحيا ذكراه الطيبة ومع من يعلّف جسده بأشلاء ودماء أطفال غزة ويسمن أبقاره ويموت ميتة الجيفة. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 7 + 3