زيادة في الأجور… هل تخفف قرارات الحماية الاجتماعية من معاناة المصريين

اعداد: فريدة جابر

2023.09.20 - 08:32
Facebook Share
طباعة

 لجأ العديد من المصريين إلى صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي" فيسبوك وإكس (تويتر سابقًا)" للتعبير عن غضبهم من حالة التدهور المعيشي التي تعاني منها البلاد على إثر الأزمة الاقتصادية التي اشتدت خلال السنوات الأخيرة.


وخلال الأيام القليلة الماضية انتشرت تدوينة عبر موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، تلخص واقع الأزمة التي يعيشها المصريون، فقد نشرت صاحبة أحد الحسابات في موقع “فيسبوك” صورة لوجبة غذاء ضمت “بيض وأرز وطماطم”، معلقة:"لسة راجعة من برة.. لاقيت أمي عملالي العظمة دي..سيبك إنت ربنا بيحلي للفقير لقمتة”.


ورغم بساطة الوجبة الموجودة بالصورة، صاحبة الصورة والتدوين، لم تسلم من مختلف الآراء التي نظرت إلى تلك الوجبة البسيطة باعتبارها وجبة “مُكلفة” في ظل أزمة اقتصادية يعاني منها كثير من المواطنين، فقد تداول المعلقون على الصورة سعر كيلو الأرز وثمن البيضة الواحدة، ما يعني تكلفة مرتفعة في نظرهم.م


جسدت حالة الجدل التي أثارتها الصورة معاناة المصريين، والتي جاءت في أغلبها إن لم يكن جميعها، مؤسفة وتؤشر إلى عمق الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد.


فوفقًا لمسح  أعده المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، لعينة من ٦ آلاف أسرة فقيرة في مصر عن كيفية تعامل المصريين مع الأزمة وتغيير أنماط الاستهلاك، بعد تخفيض قيمة الجنيه المصري في مارس/آذار ٢٠٢٢، فإن ٨٥٪ من الأسر  المصرية قل استهلاكها من اللحوم، و٧٥٪ من الأسر قللوا استهلاك البيض، والدواجن ٧٣٪ من الأسر، والأسماك ٦١٪، والألبان ٦٠٪. كما أشار المسح إلى توجه الفقراء لاستبدال العناصر الغذائية مرتفعة القيمة بأقل تكلفة، في مقابل زيادة استهلاك المكرونة والبطاطس.


خلال أغسطس/أب الماضي، أعلن عن معدل التضخم السنوي في مصر والذي وصل إلى مستوى غير مسبوق، حيث  بلغ 37.4 بالمائة، مقابل 36.5 بالمائة في يوليو/تموز، وهو ما جاء مدفوعا بالزيادة الكبيرة في أسعار الغذاء والتي بلغت 71.4 بالمائة على أساس سنوي، بحسب ما أظهرته بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.


وبالإضافة إلى ارتفاع مستوى التضخم إلى مستويات غير مسبوقة، انخفضت قيمة العملة المصرية  ثلاث مرات منذ مارس/أذار 2022  وهو ما تسبب في تراجع  القوة الشرائية للمواطنين.


ومع حالة التدهور المعيشي وغلاء الأسعار غير المسبوق، قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اليومين الماضيين مجموعة من قرارات الحماية الاجتماعية، والتي شملت رفع الحد الأدنى للدخل للموظفين العاملين في الدولة في الدرجة السادسة من 3500 جنيه إلى 4000 جنيه، بالإضافة لزيادة علاوة غلاء المعيشة من 300 جنيه إلى 600 جنيه، ورفع الحد الأدنى للإعفاء الضريبي من 36 ألف جنيه إلى 45 ألف جنيه.م


إلى جانب زيادة العلاوة الاستثنائية لأصحاب المعاشات من 300 إلى 600 جنيه، وزيادة الفئات المالية لأصحاب المعاشات في برنامج تكافل وكرامة بنسبة 15%.


ويرى خبراء اقتصاد أن زيادة الأجور الأخيرة التي أقرها السيسي خاصة بالقطاع العام، بينما العاملين في القطاع الخاص، وعددهم أكثر من ضعف العاملين في القطاع الحكومي، ما زال الحد الأدنى للأجور بالنسبة لهم 3000 جنيه، وإن كان العاملين بالحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص من المفترض إنهم سيستفيدون من الإعفاء الضريبي الأخير والذي سيشمل جميع من كانت رواتبهم 3500 جنيه أو أقل.


من جهته يرى الباحث الاقتصادي إبراهيم الطاهر أن برامج الحماية الاجتماعية التي تقوم بها الحكومة المصرية، مثل "تكافل وكرامة" لم تغطِّ سوى شرائح محدودة من الشعب بأرقام تصل إلى 10 ملايين مستفيد، ما يعني أن ثلثي الفقراء لا يصلهم هذا الدعم إذا تم وضع بعض التقديرات بالحسبان والتي تصل بعدد فقراء بمصر إلى 30 مليون مواطن، بينما تشير الوقائع أنه مع وصول عدد السكان إلى 105 ملايين، فإن نسب التضرر والفقر ستكون أكبر في حال صدور قرارات للتعويم خلال الفترة المقبلة.


من جهتها أعادت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (مؤسسة حقوقية غير حكومية)، نشر ملخص ورقة بعنوان "كيف يعيش الفقراء في ظل الغلاء: أثر ارتفاع الأسعار وتخفيض الجنيه على حقوق المصريين"، والتي تتحدث عن إجراءات الحماية الاجتماعية المحدودة في ظل تخفيضات قيمة الجنيه المصري.


ورصدت الورقة غياب إجراءات حماية اجتماعية حقيقية، وأن اجراءات الدولة لم تختلف منذ مارس/أذار حتى سبتمبر/أيلول، والتي تضمنت رفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات. وأوضحت الورقة أن تلك الاجراءات غير كافية رغم أهميتها. لذلك رصدت الورقة الأثر الكبير لتخفيض قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم على معيشة الفقراء.


واستشهدت الورقة بإعلان السيسي في مارس/أذار الماضي، رفع أجور العاملين بالجهاز الإداري للدولة، وأصحاب الكادرات الخاصة بكل دراجاتهم ورفع حد الإعفاء الضريبي على الدخل السنوي وزيادة التحويلات النقدية للمستفيدين من برامج تكافل وكرامة، وزيادة المجلس القومي للأجور، الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص.م


وقالت الورقة، أن زيادة الأجور الحكومية وصلت نسبتها لـ٤٦٪ خلال سنة مالية واحدة،  لكن هذا لس كافيًا، فيما قارنت الورقة تلك النسبة بانخفاض سعر الجنيه بحوالي ٤٩٪ في نفس الشهر مارس الماضي، والذي اعتبرته ليس دقيق لحساب القيمة الحقيقية للأجر، لكنها اعتبرته دليل على أن قيمة الأجر بتنخفض على مر السنين.


كما أشارت الورقة إلى اقتصار المستفيدين من زيادة الأجور، على العاملين في القطاعات الحكومية والشركات والهيئات التابعة للدولة، خاصة مع عدم وجود آلية واضحة لإلزام القطاع الخاص بتطبيق الحد الأدنى المقرر.


أما رفع حد الإعفاء الضريبي، فأوضحت الورقة أن هذا يزيد من تصاعدية الضرائب، خاصة وإن هيكل الضرائب في مصر تنازلي، وتتحمل العبء الأكبر منه الشرائح الدنيا من الأجور.


واقترحت المبادرة المصرية، ثلاث سياسات مغايرة لسياسات الحكومة التي تتبعها منذ بداية الأزمة. إذ اعتبرت الورقة المدخل الرئيسي لحماية حقوق ملايين المصريين الاقتصادية والاجتماعية، توجيه السياسات لإخراج الاقتصاد من أزمة الديون، وتعديل المسار الاقتصادي، حتى يتجه لنمو معتمد على الإنتاج سواء السلع أو الخدمات الحقيقية، والتي بدونها لا تستطيع أي سياسات سواء دعم أو تحسين أجور حماية المصريين من التدهور في مستوى المعيشة.


كما اقترحت المبادرة إعادة اعتبار الدعم التمويني، وأوضحت أن الدعم العيني على شكل سلع سيكون أقل في التأثر من التضخم الذي يزداد، ولأن الدعم النقدي وزيادات الأجور سوف تتآكل قيمتها مع تراجع الجنيه، خاصة مع تقليص الحكومة ميزانية الدعم في السنين الأخيرة ولما كان فيه زيادة كانت ضعيفة بالمقارنة بالتضخم.


أما المقترح الثالث الذي طرحته الورقة، هو استهداف الدولة لتخفيف الأزمة عن نسبة كبيرة من السكان، من خلال تخفيض الضرائب التي لها علاقة مباشرة بالاستهلاك، مثل ضريبة القيمة المضافة، خاصة وإن الحكومة لديها استعداد للتنازل عن بعض إيراداتها، مثلما يتم تأجيل أو تجميد ضريبة أرباح الرأسمالية، بالرغم من إنها من الشرائح الغنية أو على نشاط ريعي، فبالتالي تستطيع تخفيض ضريبة القيمة المضافة.

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 2 + 8