تلعبُ المشروعات الصغيرة دوراً هاماً في دعمِ الاقتصاد السوري، حَيثُ تُعدُ محركاً رئيسياً للنمو والتَنمية. فبالإضافةِ إلى دورها في توفيرِ فرص العمل وتَحسين الدخل، فإن المشاريع الصغيرة تساهمُ في تحسين الإنتاجية وتنويع الاقتصاد السوري، وتساعدُ في تعزيزِ التنافسية وتقليل الاعتماد على القطاع العام.
ويعود ذلك إلى أن المشاريع الصغيرة تتميزُ بالمرونةِ والقدرة على التكيف مع التغييرات في السوق، وبالتالي يمكنها تلبية احتياجات المستهلكين بشكل أفضل وأسرع من الشركات الكبيرة. كما أن المشروعات الصغيرة تعمل على تعزيز الابتكار والإبداع، وبالتالي تطوير منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات السوق وتساهم في تحسين الاقتصاد السوري.
ولمعرفة التحديات وكيفية التعامل مع التغييرات في السوق، كان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع الباحثة الاقتصادية ووزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي حيث قالت:" نظراً لطبيعةِ المشاريع الصغيرة والمُتناهية الصغر والمتوسطة المُتمثلة في محدوديةِ قُدراتها المادية , فإن التحديات التي تواجهها كثيرة وتتعلق بشكلٍ أساسي بالإجراءاتِ الإداريةِ والبيروقراطية من جهة، ووصولها إلى رأسِ المال من جهةٍ أُخرى. فحتى الآن لم تُحل مشكلة القروض للمشاريع الصغيرة، لأن البنوك تحتاجُ إلى ضَمانات على الأغلب عقارية، ولكن تلك المشاريع لا تمتلك الضمانات الكافية لتحصل على القروض التي تحتاجها, وضعف قدرتها على التشبيك مع الموردين الزبائن , إضافة الى عدمِ قُدرتها على امتلاك الأجهزةِ أو الآلات المُساعدة في الإنتاج ."

وأضافت د. عاصي:" بشكلٍ عام فإن التغييرات التي تحصلُ في الأسواق مختلفة الطبيعة والمنشأ، هُناك تغيرات حادة تحصلُ بسببِ ظهور تقنيات جديدة تتغيرُ معها المُنتجات وأذواق المستهلكين, هذا النوع من التغييرات التي تفرضها ظهور تقنيات تحتاج لاستثمارات كبيرة , لا تتوفر عادة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة, وبسبب قدراتها المالية المحدودة تحتاج لبعض الوقت حتى تستطيع تسوية أوضاعها, كذلك التغيرات التي تحدثها الظروف والأزمات الاقتصادية الناتجة عن الأزمات المالية الكبرى , مثل أزمة 2008, فإن الإحصائيات أثبتت بأن الدول التي لديها نسب أعلى من المشاريع الصغيرة والمتوسطة كانت أسرع في بلوغ التعافي الاقتصادي , أما إذا كان التغير الحاصل له علاقة بذوق المُستهلك أو تغير موضة المنتج فإن المشاريع الصغيرة قادرة على التكيف بسرعة لأنها لا تنتج بكميات كبيرة وليس لديها مخزون ضخم"َ
وعن تحويل التحديات لمشروع مبدع أوضحت:" لا تستطيع المشاريع الصغيرة والمتوسطة تحويل التحديات الى فرص للابتكار والابداع الا بمساندة ورعاية حكومية وتشريعات تساهم في حل المشاكل والعراقيل الكبيرة التي تواجهها تلك المشاريع، مثلاً, التحدي المتمثل بقدرة تلك المشاريع على الوصول الى سوق المال والاقتراض من أجل تمكين هذه المشاريع , في الهند على سبيل المثال , هناك تشريع يلزم البنوك الهندية بتخصيص نسبة 30% من حجم الإقراض لديها للمشاريع الصغيرة والمتوسطة, لذلك استطاعت تلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة تحقيق نسبة نمو اقتصادي بالناتج المحلي الإجمالي وانعكس ذلك إيجابياً على حجمِ الصادرات في كل الصناعات ,وخصوصاً في مجالِ صناعة البرمجيات , وكذلك في مجالِ الأزياء والصناعات والحرف اليدوية "
وبالإضافة إلى ذلك، فإن المشاريع الصغيرة تساهم في تحسين مستوى المعيشة لدى الفئات الأكثر فقراً وحتى للجميع ككل، حيث توفر فرص عمل وتحسن الدخل وتحافظ على القدرة الشرائية للمجتمع.
.jpg)
ومن أحد المشاريع الصغيرة التي أثبتت قدرتها على تحويل التحديات إلى إبداع، كان مشروع الغابة الاستوائية الفريد من نوعه الذي قام بابتكاره الصحفي حسن محمد الذي صرّح لوكالة أنباء آسيا أن:"مشروعي كان عبارة عن فكرة بدأت من تدوينها مُباشرة حيث أنشأتُ لها صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي،دون وجود شيء على أرض الواقع. الفكرة وليدة ظرفين أساسين الظرف الأول عملي، أي مهنتي كصحافي، والجانب الآخر هو دخول الحرب ذروتها في سورية، حيث بدأ الوضع المعيشي يسوء وتحديداً الوضع المادي. وعملنا كصحفيين بات قاسياً ووجودنا أمام الكاميرا حينها كان يُشكلُ لنا عبئًا
.jpg)
فبدأت بالبحث عن شيء آخر ، وكان المحفز الأكبر أنني من بيئة زراعية ومن ناحية ثانية المزروعات التي كانت بالأرض جداً تقليدية ومردودها الاقتصادي رديء جداً وبالتالي نحن في مرحلة سيئة في العمل الزراعي ايضاً و بحاجة إلى تغيير. اجتمعت العوامل كافة لتكوين الفكرة لكن بمعالم مجهولة. استحوذت تفكيري .و قمت بعرضها على بعض الجهات ، لكن تم رفضها لأنه لايوجد شيء اسمه غابة استوائية في سورية، ولعدم وجود دراية بإمكانية زرع أو إنتاج مثل هذه الفواكه ومع ازدياد الوضع سوءاً كان لابد من الاعتماد على إمكاناتي الشخصية. واجه المشروع تحديات استمرت فترة طويلة امتدت بين العامين 2013 وال 2018 الى أن وصلت إلى مشروع الغابة الإستوائية واعمل جاهداً لجعله غابة إستوائية متكاملة."
.jpg)
إذاً تشكلُ المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية فرصاً للابتكار والتنويع والتكيف مع التغيرات في السوق.ومع ذلك، فقد أدى النزاع المسلح إلى تغييرات جذرية في السوق السورية، مما فرض على المشاريع الصغيرة والمتوسطة التكيف مع هذه التغييرات والبحث عن فرص جديدة للنمو والتوسع.
.jpg)