عرّف أبراهام لينكولن الديمقراطية بأنها "حكم الشعب من قِبل الشعب من أجل الشعب"، الديمقراطية ليست مجرد كلمة تستخدمها الأنظمة الحاكمة لتنفي من خلالها مزاعم الاستبداد وتظهر بشكل متحضر أمام المجتمع الدولي، هي أفكار يجب أن تطبق من خلال ممارسات عدة والدليل على ذلك أن العالم أجمع يعلم مدى ديكتاتورية النظام الحاكم بكوريا الشمالية على الرغم من أن اسمها الرسمي "جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية فالكلمات والألقاب لا تمنح المصداقية، ولا تغيّر الواقع، ويعدّ حق التظاهر والتعبير عن الرأي أحد أهم مظاهر الحياة الديمقراطية، لذا فإنّ أي نظام يحاول منع التظاهرات والتجمعات السلمية ويقوم بنشر اخبار كاذبة وملفقة ضد المتظاهرين السلميين بغرض تشويهم أمام المواطن العادي لخلق ذريعة تمكنه من قمعهم والقبض عليهم، يجب تصنيفه كنظام قمعي.
على الرغم من أن للشعب المصري تاريخًا كبيرًا مع الاحتجاجات والتظاهرات، حيث قدمت مصر القديمة عام 1970 قبل الميلاد أول تظاهرة عمالية شهدها العالم، ومن يومها لم يمر عام دون رصد تظاهرات لمصريين يفرغون بها غضبهم ويعبرون عن ارائهم السياسية و غير السياسية، ينبهون بها الحكومات والجالسين على رأس السلطة بمعاناة الشعب ويقومون بالضغط على القابضين على الحكم لاتخاذ قرارات لصالح البلاد، فالاحتجاجات بكل انواعها "مظاهرات - مسيرات – وتجمعات – إضرابات – اعتصامات" أيّا كانت أهدافها، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، هي للاشارة الى الخلل او الخطأ الموجود جراء سياسات حكومية غير حكيمة.
في ظل ما تقدّم تطرح مجموعة من الأسئلة نفسها: هل من الطبيعي أن يمر أكثر من عامين على اخر تظاهرة خرجت في المحروسة في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدل الجريمة، وعدم توافر فرص عمل ؟
هل يمتلك الرئيس عبد الفتاح السيسي والحكومة والمجالس النيابية ثقة الشعب المصري بكل أطيافه ومثقفيه لكي لا يكون هناك معارض واحد في الشارع يرفع لافتة ضد سياسة الحكومة أو الرئيس ؟
هناك حالة من عدم الارتياح في الشارع، وأصبحت عبارة ضحوا من أجل مصر تشعر المواطنين بعدم الرضا، لم تعد تجدي معهم نفعًا امام كل هذا الكم من الأزمات المعيشية والعجز المالي، ولا يدور فى ذهني سوى تفسير واحد لعدم ممارسة الشعب المصري حقه في الاحتجاج السلمي وهو "فعل الفاعل" قوة أمنية تقف في طريقه بشكل "شرعي"، حزمة من القوانين قد شُرّعت بحجة تنظيم التظاهر ولكن في الحقيقة هي شُرّعت لقمعه.
التظاهر وممارسة والاحتجاج السلمي ليس مجرد حق من حقوق الانسان بل هو اكثر من ذلك بكثير،إنه ضرورة ملحة للنهوض بالدولة، وعلى الحكومة المصرية أن تضع آليات وإجراءات تحمي الحق في الاحتجاج والتظاهر وليس قمعه وفي مقدمة تلك الإجراءات الغاء قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية رقم 107 لسنة 2013 والذي فرض قيودًا كبيرة على حق الاحتجاج السلمي، واعطى سلطات واسعة لقوات الامن في استخدام القوة ضد المتظاهرين وفي المقابل وضع شروطًا فضفاضةً يمكن أن يُتهم المتظاهرون بناءً عليها بانتهاك القانون، ويتيح لقوات الامن التدخل، حيث حذرت المادة 7 من القانون المتظاهرين من السلوك الذي من شأنه، تشكيل تهديدٍ للأمن وتعطيلٍ لمصالح المواطنين أو التأثير على سير العدالة دون تقديم تعريف واضح لتلك المصطلحات، كما اتاح لقوات الامن حضور الاجتماعات العامة والتي اشترط لتنظيمها اخطار قوات الامن قبلها بثلاثة ايام على الاقل، واعطاء الحق لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص، في حال حصول جهات الأمن، وقبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة، وبناء على معلومات جدية أو دلائل، عن وجود ما يهدد الأمن والسلم، يحق للسلطات الأمنية التقدم بطلب إلى قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية المختصة، لإلغاء أو إرجاء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو نقلها إلى مكان آخر أو تغيير مسارها ايضا دون تقديم تحديد وتعريف واضح لكلمة "معلومات جدية".
على الدولة المصرية السعي لتسهيل وحماية التجمعات العمومية بدلا من منعها، وفتح المجال العام والكف عن تفتيش الهواتف المحمولة والأجهزة في الميادين العامة وإجبار الموقوفين على تمكين قوات الأمن من الإطلاع على الصور الشخصية وغير الشخصية في هواتفهم، وغير ذلك من الإجراءات التقييدية والقمعية التي تهدد كل من يسعى لنيل حقه في الاحتجاج وتحول دون تعبير المواطن عن رأيه و توجهاته.