بعد سنوات من الحرب، وتغيّر خريطة السيطرة العسكرية في سوريا، وما نتج عنها من آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية، تصاعدت حالات الاقتتال والخلافات ذات الطابع العشائري، في مجتمع تشكل العشائرية ركن أساسي في معظم محافظاته.
تشهد مناطق “الإدارة الذاتية” لشمال وشمال شرق سورية، تصاعداً لافتاً في معدل حالات الاقتتال العشائري والعائلي بغرض الثأر وغيرها التي تندرج ضمن إطار الفوضى وانتشار السلاح بشكل عشوائي بين المدنيين، دون وجود رادع قانوني.
وطمح المدنيون بالحد من هذه الاقتتالات مع حلول العام 2023 الجاري بعد أن كان العام الفائت قد شهد تصاعد خطير بمعدل حالات الاقتتال العشائري والعائلي ، إلا أن طموحات المدنيين ذهبت أدراج الرياح، حيث وثقت منظمات حقوقية، 37 اقتتال، أسفر عن مقتل 33 شخص بينهم طفل وسيدتين وإصابة 52 بينهم سيدتان وطفل، منذ مطلع العام وحتى منتصف نيسان، توزعوا على النحو التالي:
– 25 في دير الزور أسفر عن مقتل 17 شخص بينهم طفل و2 سيدة وإصابة 25 آخرين بينهم سيدتان وطفل.
– 5 في الحسكة أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 5 بجراح بينهم سيدة.
– 5 في الرقة، أسفر عن مقتل 8 أشخاص وإصابة 22 بجراح.
– 2 في ريف حلب أسفر عن مقتل 2 شخص.
ومما سبق، يُلاحظ الفوضى الكبيرة بمناطق الإدارة الذاتية في محافظة دير الزور والتي تصدرت المشهد بما لا يقل عن 25 اقتتال تسبب بمقتل وجرح 42 شخص، ومن ثم الحسكة والرقة بخمس حالات اقتتال لكل منها، وأخيراً الريف الحلبي باقتتالين اثنين، بالإضافة للخسائر البشرية الفادحة الناتجة عن تلك الاشتباكات، فإنها تثير ذعر واستياء الأهالي، الرافضين لغلبة السلاح عن القانون، وسط عدم تمكن القوات العسكرية المسيطرة من فرض الأمن والحد من هذه الظاهرة الخطيرة.
وكانت قد وثقت منظمات حقوقية خلال العام الفائت، 109 اقتتال مسلح لأسباب متنوعة ومختلفة، وتسببت حالات الاقتتال بمقتل أكثر من 94 شخص، هم 26 مدنياً بينهم 8 أطفال و8 مواطنات، و81 من المسلحين، بالإضافة لإصابة العشرات إن لم يكن المئات بجراح متفاوتة.
وتصدرت دير الزور المشهد أيضا بأكثر من 68 اقتتال، وبعدها الرقة بنحو 20 اقتتال، ثم الحسكة بما لا يقل عن 12 اقتتال، وأخيراً حلب بتسعة اقتتالات على الأقل.
وتحذر منظمات حقوقية من خطورة ظاهرة الاقتتال العشائري والعائلي، وسطوة السلاح على القانون، في ظل انتشار كبير للسلاح في عموم الأراضي السورية وعدم تمكن القوى العسكرية بإيجاد حلول فعالة ضد هذه الظاهرة.
ورأى مصدر عشائري رفض الكشف عن اسمه لـ"آسيا" أن البعض وجد في الفلتان الأمني خلال سنوات الحرب، وخصوصاً بعد المصالحة، فرصة لأخذ ثأره وتصفية حساباته وتفريغ حقده. مستدلا بحوادث “ثأر”، نفذها شبان مراهقون مستغلين انتشار السلاح في أعقاب اندلاع الحرب السورية، رداً على عمليات قتل “وقعت في وقت لم يكن بعض هؤلاء مولودين أصلاً”، على حد قوله.
وأكد وجود “خلل كبير في مفاصل العشائر، شرق الفرات وغربه، منذ بداية الأحداث، وكان لذلك تأثيراً كبيراً على المجتمع العشائري بشكل عام، "إذ كان يوجد سابقاً “مرجعيات عشائرية كبيرة تتحكم بمفاصل العشيرة، وأي خلاف عشائري يرد إليها ويحل بالطرق المرسومة للعشائر، سواء عن طريق العرف أو الشرع أو التقاليد، لكنها لم تعد موجودة اليوم”.
وأسهم “التقزيم العشائري”، كما وصفه المصدر، في زيادة النزاعات العشائرية، إذ كان “شيوخ ووجهاء عشائر يتحكمون بأفراد العشيرة سابقاً، لكن الآن هناك انفلات في قيادة العشائر”، إضافة إلى “وجود أيادٍ خارجية تلعب بمفاصل العشائر من دول الجوار، وتحاول التحكم بشيوخ العشائر، من أجل زعزعة الاستقرار ومنع التلاحم العشائري”.
ونتيجة لهذا الخلل “صار الثأر العشائري يُؤخذ بطريقة عشوائية وهمجية، وسط غياب السلطة الرادعة بشكل حقيقي، وهو ما أعطى ضوءاً أخضر لفئة الشباب، الذين لا ينصاعون للسلطة أو للعشيرة”.
وتشكل القبائل العربية أغلبية التعداد السكاني شرقي وشمال شرقي سوريا، وتنتشر على طول نهر “الفرات”، وفي الجزيرة السورية ومدن ومناطق أخرى من سوريا، لكن على الرغم من هذا الانتشار، فإنهم لا ينضوون تحت تنظيم عسكري أو زعامة واحدة، إذ تفرق رأيهم خلال سنوات الصراع الماضية في سوريا، في ظل انقسام بالآراء السياسية والمنافع.
وتُعتبر الخلافات وقضايا الثأر وغيرها، مقومات تؤدي إلى الاقتتال العشائري الذي ينشب في مناطق وجود القبائل العربية وخاصة في المنطقة الشرقية بسوريا.