تواجه سورية تحديات كبيرة في مجال الأمن الغذائي، حيث تعاني البلاد من نقص في الإنتاج الزراعي وتدهور في البنية التحتية لهذا القطاع ، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتدهور القيمة الشرائية للعملة السورية. تؤثر هذه العوامل سلباً على قدرة الناس في سورية على توفير الغذاء الكافي لأسرهم، وخاصة الأسر الفقيرة والمتضررة من الحروب. وللحديث عن الأمن الغذائي لسورية قبل وبعد الحرب كان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع الدكتور نور الدين منى مسؤول أممي سابق لمنظمة الأغذية والزراعة الفاو الذي تحدث متأسفًا على ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية لاسيما على صعيد القطاع الزراعي،فسورية التي كانت بالأمس قبل 2011 ؛ تتفرَّد بين الدول العربية بتصدير القمح.أصبحت الآن تستورده. وأصبح الرغيف السوري بحد ذاته مهدداً،ويصعب الحصول عليه، ويباع عن طريق البطاقة الذكية . بالتأكيد؛ هذا ناتج عن الظروف الاستثنائية وحرب سورية التي بدأت منذ عام 2011؛ ولاتزال تداعياتها تنعكس على الاقتصاد السوري حتى الآن توازيًا مع عدم الاستقرار الأمني في البلاد.
ونظراً للظروف الاستثنائية التي سادت في سورية منذ عام 2011؛ لم يتساوَ إنتاج الغذاء داخلياً مع الطلب عليه، لذلك انخفض مستوى الاكتفاء الذاتي؛ بالإضافة إلى صعوبة الاستيراد؛ نتيجة العقوبات الاقتصادية الخانقة التي انعكست سلبًا على هذا القطاع ما أدى الى تراجعه بشكل كبير.
فالأمن الغذائي مصطلح، يشير إلى توفر الغذاء للأفراد دون أي نقص. ويتحقق عندما لا يخشى الفرد من الجوع. ومن أهم عقبات تحقيق الأمن الغذائي السوري كانت الحرب والجفاف بالإضافة الى تفشي الفساد كثقافة بين أفراد المجتمع. إضافة إلى أزمة المياه وعدم توفر الأمن المائي. وإهمال إدارة الأراضي الزراعية وغيرها الكثير، ولا ننسى الأثر السلبي لانعدام الأمن حيث اهملت مساحات زراعية كبيرة بسببه.
.كل تلك المسببات حالت دون وجود "أمن غذائي" يحمي المواطن من الجوع، وترافق ذلك مع ارتفاع كبير في أسعار اللحوم الحمراء. فالمواطنون ذوو الدخل المحدود لا يستطيعون استهلاك اللحوم الحمراء والبيضاء في نظامهم الغذائي! ونتيجة لهذا الوضع؛ أصبح أكثر من ٩٠ بالمائة من السوريين يعيشون على خط الفقر.
.jpg)
وذكر د. نورالدين أن تراجع مؤشر الاكتفاء الذاتي بشكل كبير في عدد من المحاصيل وأشجار الفاكهة. و للأسباب سابقة الذكر؛ جعل من سورية بلدًا مستوردًا لهذا الانتاج بعد أن كانت في طليعة الدول المصدرة له.
حيث كانت سورية تنتج قبل عام 2011 ما يعادل 4 مليون طن من القمح وسطياً مما كان يكفي الاستهلاك الذاتي إضافة لتخزين المخزون الاستراتيجي .وكانت الحكومة تشتري 2.5 مليون طن لتوزيعها على المخابز ونتيجة للحرب انخفض الإنتاج لأكثر من النصف وأنه لمؤسف أن نسمع أن هناك مناقصة لاستيراد 200 ألف طن من قمح الطحين لصناعة الخبز من روسيا وهي حقيقة محزنة .
وهذا ينطبق على الأجبان و الألبان و غيرها من مشتقات الحليب، والحمضيات ؛وحتى الزيت والزيتون؛ وكثير من الخضروات.
والمشكلة أحياناً ليس بتوفر السلعة محلياً؛ وإنما عدم قدرة المستهلك على شرائها لضعف القوة الشرائية وتدني الدخل.
ولذا يصنف المجتمع السوري بأن 80 % وأكثر لا يقدرون على تأمين احتياجاتهم الغذائية."
وعن الإجراءات لتحسين الإنتاجية لفت نورالدين الى أن عمليات التخطيط التأشيري والإشراف الفعلي كانت ضعيفة خلال الأزمة، مما فاقم في مشكلة الأمن الغذائي أثناء المأساة السورية.كان دور وزارة الزراعة غائباً كلياً بما يخص عمليات القطع الجائر؛ وإعادة ترميم الآبار؛ وتأمين مستلزمات مواد الإنتاج والأعلاف.. مما أدى إلى التدني في الكميات المنتجة. يمكن لوزارة الزراعة الإسراع بتطبيق الحزم التكنولوجية المتكاملة ( المكافحة المتكاملة – المكافحة الحيوية- تقنيات الهندسة الوراثية ). عبر إدخال نظم التكامل في الإنتاج الزراعي، وتطبيق معايير الاختيار للكفاءات والخبرات.
وعن الاقتراحات الممكنة تحت ظروف الحصار فهناك خطوات يجب العمل على تنفيذها لانقاذ الأمن الغذائي منها الإسراع في إعادة تأهيل البنى التحتية الزراعية التي طالها الخراب والدمار نتيجة الحرب، إعادة الفلاحين لأراضيهم التي أصبحت محررة من خلال تقديم محفزات مالية، الدعم المالي للمزارعين والفلاحين وخاصة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية وغير الاستراتيجية؛ تخفيض أسعار المحروقات؛ تأمين تسهيلات للحصول على الأعلاف، والتسويق الزراعي وتصريف الإنتاج يعتبر مشكلة اقتصادية تنموية.. يساهم حلها ايضًا في تحسين وضع الأمن الغذائي، اضافة الى وجوب تفعيل التنسيق مع منظمات دولية ومراكز بحوث زراعية؛ لدفع عجلة التنمية. وتشجيع الاستثمار الزراعي. "
تبقى الأزمة الإنسانية والغذائية واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها البلد. على الرغم من جهود المنظمات الإنسانية والحكومية لتوفير المساعدات الغذائية وإعادة تأهيل البنية التحتية للزراعة، إلا أن الوضع الغذائي لا يزال متأرجحاً ويعاني الكثير من السوريين صعوبة في تأمين الاحتياجات الأساسية ونقصًا في التغذية السليمة.