ازدادت في الآونة الأخيرة السلوكيات غير المألوفة للآباء، بغض النظر عن مستوى تحصيلهم العلمي. منها إدمان المخدرات والكحول، تعنيف الأطفال بمساعدة الزوجة، أو الدخول في علاقات متعددة، وصولاً لأفعال تتنافى مع الأخلاق، وذلك في ظل وجود الأبناء.
كانت تُعتبر مثل هذه الحالات استثنائية، أما اليوم فهي في ازدياد ملحوظ، و ساعد في ازديادها وانتشارها اليوم وسائل التواصل الاجتماعي. حيث بات الجميع على علمٍ بأية حادثة تقع في أي مكان كان.
نطرح اليوم فكرة مدى تأثر الطفل بسلوكيات الأب غير السوية. لأن تأثير التربية لا يقتصر على مرحلة الطفولة، بل يمتد تأثيرها طوال العمر. فكما أن التربية السليمة للطفل تؤثر على مستقبله إيجاباً، فإن وجود أخطاء في تربية الأطفال له تأثير سلبي على حياتهم المستقبلية.و لابد من الاستفسار عن هذا الجانب من أهل الاختصاص، فكان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع المختص في علم النفس الدكتور جبران عاقل حيث قال :"البيئة التي يتربى فيها الطفل لها تأثير كبير وفعّال في حياته وتكوين شخصيته، فالإنسان منذ طفولته يتأثر وينفعل بكل ما يحدث حوله من أعمال وممارسات، والأطفال يكتسبون أخلاقهم وسلوكياتهم من البيئة والأشخاص المحيطين بهم.
فالأسرة هي المحيط الاجتماعي الأول الذي يفتح الطفل فيه عينيه على الحياة، فيكبر ويتربى في وسطه، ويتأثّر الطفل بأخلاق وسلوكيات المجتمع الذي يعيش فيه، حيث أنّ الطفل يكتسب القيم والعادات والتقاليد من المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يرى في والديه وخصوصاً والده القدوة الحسنة في كل شيء لذلك تكون علاقة الطفل مع والده علاقة تقدير وإعجاب وحبّ مع المحافظة على احترامه.
فأول خمس سنوات من حياة الطفل هي الأهم، حيث"يولد الطفل وعقله صفحة بيضاء نستطيع أن نطبع عليها ما نشاء"، فنحن كأهل ومربين قادرين أن نصنع منه إنسانًا سويًا أو غير سوي، وذلك من خلال أساليبنا التربوية وأنماط تعاملنا معه، ومن خلال النموذج او القدوة، الذي يقوم الطفل بتقمصه او تقليديه.
أطفالنا في الغالب يقومون بتقليد تصرفاتنا وافعالنا وقد يتماهون معها سواء كانت إيجابية ام سلبية، وقد تصبح جزءا من حياتهم اليومية او نمط حياة يترسخ في شخصياتهم، الأمثلة على ذلك كثيرة… كتقديم المساعدة للآخرين او النصيحة أو حب الغير أو التعاون او الكذب او السرقة او الانحراف والشذوذ الجنسي او التنمر وغيرها… فالحديث _قد يطول_ عن آلية التأثير في شخصية الطفل،
لكن من المؤكد أن سلوك الأب الخاطئ سيؤثر في سلوك الطفل وقد يمتد هذا التأثير إلى مراحل عمرية متقدمة (المراهقة أو الرشد).
لذا ينصح باتباع أفضل السبل العلمية التربوية والوقائية والإرشادية والعلاجية، لتفادي تدهور سلوكيات الأطفال،
كاستخدام أساليب العقاب والثواب والتعزيز، والعلاج المعرفي والسلوكي وغيرها من التقنيات المستخدمة في العلاج النفسي والتي تحتاج إلى متخصصين في هذا المجال.
.jpg)
الإنجاب مسؤولية والتربية الحسنة واجب، فنجد بعض الآباء قد تخلوا عن مسؤولياتهم وبعضهم الآخر اساء لأبنائه من خلال سلوكياتهم المنحرفة. فكان لابد من معرفة مسؤولية الآباء في تربية أبنائهم من وجهة نظر الدين وأهمية وجود أب ذو خلقٌ حسن، فكان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع الشيخ المهندس محمد ميهوب حيث قال : "نظر الدين الحنيف إلى ميل المرأة إلى الرجل، وميل الرجل إلى المرأة إلى أنه أمر غرائزي متأصل في النفس الآدمية، وجاء الدين ليوجه هذا الميل في سياقه الأخلاقي وبما يخدم الهدف الأسمى وهو استخلاف الإنسان في الأرض، ونواته الأسرة. ومن هنا حدد الدين حقوقاً عظيمة للوالدين على أبنائهم لسنا في مقام الحديث عنها الآن. بالمقابل حدد حقوقاً عظيمة للأبناء على آبائهم.
.jpg)
الأبناء هم وديعة الله جل جلاله عند آبائهم، والآباء في تعاملهم مع أبنائهم أمام مفترق طرق كبير في تحديد اتجاههم السلوكي في ثمرة استمرار الحياة هذه. فالأبناء إما فتنة.. إذا كان الآباء قد انحرفوا عن ذكر الله في وديعته العظيمة هذه بين أيديهم
يقول الحق سبحانه وتعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ). أو هم ثمرة ونجاح وعز، يقول الله تعالى:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ
وفي موضع آخر قول الحق جل جلاله: { ذُرِّیَّةَۢ بَعۡضُهَا مِنۢ بَعۡضࣲۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ }.
وهذه الثمرة الكبيرة تستوجب مجموعة من الحقوق لا يجب أن يضيعها الآباء في مسار تربية أبنائهم منها: اختيار الاسم الحسن، التربية الإيمانية، النفقة، الاهتمام بتعليمهم، الإعانة على الخير، المساواة بين الأبناء.
بالنظر إلى جملةِ هذه الحقوق نجد أنها تتطلب من الآباء أن يكونوا القدوة في حياة أبنائهم. فلا يمكن لأب أن يربي أبناءه على الإيمان والأخلاق كلاماً وتوجيهاً وإرشاداً.. ثم يمارس معهم أو أمامهم أو من خلالهم أي أخلاق ذميمة لأن نتيجة ذلك سيكون تضييعاً لوديعة الحق جلّ وعلا وانحرافاً بالأبناء نحو الهاوية. لذلك ممارسة الآباء الأخلاق الذميمة أمام أبنائهم سلوكاً وعملاً سيطبع في نفوسهم نسخة أشد سوءاً من تلك الممارسات السيئة ويطفئ فيهم جذوة الضمير التي أوقدها الخالق في خلقه فطرةً وخلقاً.ومسؤولية الآباء تجاه أبنائهم في أن يكونوا القدوة وأن يمثلوا أمامهم صفوة القيم في الممارسة نهجاً وسلوكاً يمثلها قول رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى صحبه: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته."
تفردنا هنا في ذكر تبعات وجود أب سَوّي الخُلق والخَلق قبل الثقافة والعلم. لما له من تأثير شديد الأهمية على سلوك الأطفال. ولاسيما أن هذا التأثير سيظهر عند بلوغ الطفل في مرحلة النضج. وبالتالي هذا الراشد سَيُكَّون أُسرة. يكون هو ربان السفينة .ومن هنا كان التساؤل: هل سيكون رب أسرةٍ ناجح أو رب أسرةٍ فاشل؟ وهذا جزء من الإجابة بناءً على معطيات التربية في الصغر.