بين جدال الدين و القانون حقٌ في الميراث للمرأة أخذ حيزاً كبيراً وجهداً لا يستهان به في صروح القانون و المحاكم الدينية، بين اجتهاد فقيه و قانوني شوطٌ كبير من التغيير والتقدم قطعته المرأة في معركتها المستمرة لتحصيل حقها في الميراث، فبعد ان حرمتها الجاهلية من حقها و انتقصت من كل ما يمكن ان يعزز كيانها ووجودها بل انتزعته بالكامل منها، جاءت رسالة النبي محمد المبشرة بالدين الحنيف لتعيد الحقوق و المكانة و القيمة لتلك التي شاطرت آدم الجنة و أكملت رحلة البشرية معه على الأرض فكانت النصف الذي لا غنى عنه لاستمرار رسالة الخالق بل و كانت وصية الرسول ان "استوصوا بالنساء خيراً" و بشارة رب العالمين لنبيه في قوله" إنا أعطيناك الكوثر".
كانت المرأةُ في الجاهلية محرومةً من الإرث، حيث كان الذكرُ فقط هو الوارثُ الوحيد، وفي حال انعدم الذكورُ فإن الميراث يذهب إلى الأعمام. كان أهل الجاهلية لا يعطون النساء حق الميراث حتى قسم الله لهن ما قسم.
وكان العرب في الجاهلية يحرمون من الميراث المستضعفين من النساء والولدان، لأنهم ليسوا من أهل القتال بل أكثر من ذلك كانت المرأة نفسها تُورَّث. ولم يعدوا الزوجية سبباً من أسباب الميراث، فغضوا النظر عن الحقوق المتقابلة للزوجين.
وتعد القرابة سبباً من أسباب الميراث عند عرب الجاهلية إلا أنه يجب أن تتحقق فيها شروط، لكي يستحق القريب الميراث من قريبه وهي كما يأتي:
* الذكورة: فيشترط في الوارث ان يكون ذكراً، أما إذا كانت انثى فإنها لا ترث شيئاً من تركة الميت، بل ربما الأنثى نفسها تورث كباقي تركة المتوفى.
* البلوغ: فيشترط أن يكون الذكر بالغاً، فإن كان صغيراً لم يبلغ ينتقل الميراث إلى أقرب قريب إلى المتوفى.
* القدرة على القتال: فيشترط في الوارث أن يكون قادراً على حمل السلاح ليدافع عن القبيلة ويحميها من غارات القبائل الأخرى.
* لماذا شرع الاسلام الميراث؟
الإسلام يقوم بتوزيع الميراث بالعدل بين الورثة لتحقيق المساواة بينهم وليس العكس. ترتكز فلسفة الميراث في الإسلام على عدة أمور منها: عدالة الله تعالى: فهو من أعطى كل ذي حقٍّ حقَّه، وهو من جعل لكلِّ مخلوق في هذا الكون حقوقًا، لا يحقُّ لأحد من الناس أن يَسلبَه.

وللوقوف عند الأحكام الشرعية في حقوق المرأة في الميراث كان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع الشيخ المفتي أحمد طالب تناولنا فيها الموضوع المثير للجدل من جوانبه العديدة وكان السؤال الأول و الذي لا بد منه: كيف يقسم الشرع الميراث بين الرجل و المرأة؟
فأجاب الشيخ: إنّ تقسيم الميراث في الشرع مذكور بوضوح أن "للذكر مثل حظ الأنثيين" وقد أتى التقسيم على هذا النحو نظراً لأنه من ناحية حسابية يجب على الزوج ( الذكر) أن ينفق على الزوجة ( الأنثى) نفقة كاملة حتى و ان استطاعت العمل، ولكي يكون قادراً على القيام بمهام الأسرة و تأمين نفقاتها كان التقسيم على النحو المذكور سابقاً، و عليه فستحافظ الفتاة على ميراثها من أهلها مقابل حصول الشاب على حصته التي تسهل أمور النفقة و الحياة الاقتصادية للأسرة، فالزوجة و ان كانت ميسورة الحال او انها ثرية لا يجب عليها الانفاق على أسرتها وإن قامت بذلك فمن باب الإحسان فقط، لذلك هذا يكون نوعاً من التعويض عن الحصة المتروكة من إرث أهلها لأنه في مكان ما يتحمل زوجها النفقة عنها و هذا هو نوع من الحكمة التي نراها نحن كمطّلعين على الأحكام الشرعية إنما الحكمة الإلهية تبقى خفية من وراء تلك الأحكام وهي بعلم الله فقط.
وكان لوكالة أنباء آسيا سؤال للمفتي الشيخ أحمد طالب ان ما كان تطبيق الأحكام يتم بعدل على أرض الواقع لا سيما و أننا نشهد في الفترة الأخيرة حالات تعنيف للمرأة زوجة كانت أم أختاً على خلفية مشاكل في الميراث، فقد كان لسماحة المفتي رأياً أنه و"بحسب ما نعاينه على أرض الواقع أن لا عدالة في موضوع التوريث، إذ أن الأهل في الكثير من الأحيان لا يطبقون حتى الآية الواضحة التي قسمت للذكر مثل حظ الأنثيين، فالكثير منهم يفضلون الذكر على الأنثى، إن من ناحية الإنفاق عليه لتعليمه و تأمين عمله أم من ناحية حرصهم أن يرث منهم أفضل قطعة أرض مثلاً أو منزل العائلة بينما تهمّش حصة الفتاة و تعطى من الميراث ما هو غير أساسي أو مهم.
والفكرة السيئة السائدة و التي هي من أخطر الأفكار التي لا تمت للمنطق أو الدين أو الأخلاق بصلة مقولة البعض أنهم بتوريثهم الفتاة يورثون الصهر بينما لا يطبقون القول ذاته على الذكر في حال توريثه ف"الكنة" ترث فيهم! مع أن العقل يقول بأنّ من تأتمنه على بنتك و عرضك و شرفك لا ضير في أن يؤتمن على ماديات لا تعادل الحد الأدنى من القِيم الآنفة الذكر، هذه الذهنية غير العادلة و عير المنصفة و البعيدة عن القرآن و الأحكام الشرعية على حد قول المفتي الشيخ أحمد طالب هي التي تحول دون حصول المرأة على ميراثها الذي أوصى به الله سبحانه و تعالى في القرآن و السنة النبوية الشريفة، والغريب في ذلك أن الكثيرين ممن يدعون الالتزام الديني ويعرفون الأحكام الشرعية و الإلهية يحرمون الفتاة من حقها الذي هو نصف حق الذكر متذرعين بالأفكار الرجعية التي هي أقرب للجاهلية."
وجواباً عن كيفية معالجة الثغرات التي تلحق الظلم بحق المرأة في ميراثها؟ أجاب الشيخ أحمد طالب أنه
"لمعالجة الثغرات التي تؤدي إلى ظلم يلحق بالمرأة سواء في الميراث أم في غيره من الأمور لا بدّ من وجود خطاب ديني و ثقافي موجه للأهل ليكونوا منصفين لئلا يورثون أولادهم الفرقة و الأحقاد بدل توريثهم المحبة و العدالة و الألفة نتيجة التمييز في العطاء و القسمة و عدم الالتزام بالمنطق القرآني لذا علينا التوجيه دائماً نحو الإلتزام بالمنطق القرآني الواضح خاصة في مسألة الميراث، كما يجب ضبط هذا الأمر عبر القوانين النشريعية المتعلقة بالمحاكم الدينية و القانونية كما تجري العادة في الكثير من الدول التي تمنع الأهل من التمييز أو الحرمان في الإرث و تلزمهم بقوانين محددة تضمن للورثة حقوقهم، بمكانٍ ما هناك قيود شرعية تتعلق بالوصايا حيث لا يستطيع الإنسان في الوصية أن يحرم أحداً لكن تلك القيود غير كافية للحد من التجاوزات اذا صح التعبير او المخالفات والظلم في تقسيم الميراث ورأي المفتي الشيخ أحمد طالب أنه لا بد من إنتاجية في القوانين التشريعية التي من المفترض أن تكون مرعية الإجراء في المحاكم الجعفرية، كما نحن بحاجة إلى توجيه ديني لأجل حث الناس للإلتزام في النص القرآني في موضوع توزيع او تقسيم الإرث."
أخيراً و بعد ما تقدم به الشيخ من رأي الدين و الشرع في هذه المسألة لا بدّ من صرخة في ظلّ ما نشهده من تعنيف للمرأة ( زوجة- أخت أو بنت) وخاصة الحادثة الأخيرة التي ضجت بها مواقع التواصل الإجتماعي لفتاة تعنفت على يد أخيها بسبب الميراث، لا تجبروا نساءكم أن يلجأن إلى القضاء لانصافهن، بل كونوا أنتم من ينصفهن ويحق لهن الحق قبل أن يطالبنكم به.
ارجو أن تصل سطوري هذه لكل رجل اخذته العزة بالإثم، وامتنع عن اعطاء أهله حقهن في الميراث وندعوه لأن يكون كريما" مع أهله وهو فوق الثرى قبل أن يوارى فيها.