صداع، غثيان، خوف والكثير من الأعراض والتبعات الصحية الغير متوقعة في مرحلة ما بعد الزلزال. وصدَق المثل القائل "عيش كتير، بتسمع كتير"! من كان يتوقع أن حدوث الزلزال سيؤثر على البشر لاحقاً ويسبب أضرار نفسية مستمرة قد تصيب الإنسان بدرجات مختلفة بين شخصٍ وآخر؟
للوقوف عند الأعراض النفسية التي يعاني منها الناس بعد كارثة الزلزال ومعاينتها على أرض الواقع وعلى ألسنة مواطنين عايشوا الأوقات العصيبة، كان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع رائدة الأعمال السورية نسرين حسن التي أدلت بالتالي :"عندما حدث الزلزال الأول كنتُ نائمة، فالوقت كان منتصف الليل، أذكر حينها أني ركضت نحو الشارع دون وعي غير مدركة بالذي يحدث. بقيت ثلاث ساعات تحت المطر، ومنذ ذلك اليوم وأنا اشعر أن كل شيء تحت قدميّ يهتز سواء كنت واقفة أو جالسة. وكون الزلزال الأول حدثَ ليلاً، فلم يعد باستطاعتي النوم حتى في سريري. استبدلت سريري بأقرب أريكة إلى الباب. متربصة لأي صوت يصدر. بالإضافة إلى الكوابيس المستمرة، ازدادت الحالة عند حدوث الزلزال الثاني بسبب ما شاهدناه من دمار ومقاطع فيديو تظهر مدى الأذى الذي لحق بالبشر و فظاعة المشاهد لمن قضى منهم تحت الأنقاض. بتّ اتخيل نفسي تحت الأنقاض، وتفاقمت حالة الخوف خصوصاً بعد تزايد الشائعات التي انتشرت على السوشيال ميديا، وجعلتنا نعيش حرباً نفسية حقيقة بأن الزلزال حتماً سيعود ويدمر ماتبقى من حجر و بشر…الزلزال جعلني اكتشف أن الرهاب الذي قد يُصيب الإنسان لاعلاقة له بمدى ثقافته أو وعيه. فهو خوف من نوع مختلف، لايُمكن لأحد أن يتحكم به سوى ربُّ العالمين. "

كما تحدثت لوكالة أنباء آسيا الكاتبة والمذيعة رشا النقري عن ردة فعلها أثناء الزلزال فقالت: "عندما حدثَ الزلزال كنتُ نائمة ولم أشعر إلا أني على بساط الريح، الأرضُ تتأرجح بي قليلاً. إستفقت وبكل هدوء تقبلت الموضوع حتى رأيت الناس في الشوارع، ينزحون من مناطق الى مناطق أخرى، شعرت بالريبة تجاه الأمر. ودخلت بحالة حزن عند رؤيتي صور الضحايا والركام.تسلحت بالهدوء والإيمان لكن تكرار الهزات الإرتدادية والخوف عند الناس وردات فعلهم جعلتني أشعر ببعض الأعراض كالقلق والشعور باللاثبات زرت طبيباً، وأكد لي أن الأمر يتعلق بالحالة العامة، ولا حاجة لأدوية بل للعقلانية والإيمان المطلق بالله".

في الجانب النفسي للكارثة الطبيعية أصبح من الضروري جداً أن نَعي تبعاته وآثاره وطرق الوقاية والعلاج. حيث أن معظم السوريين بقوا في حالة تأهب دائم خصوصاً في تلك المناطق المنكوبة. لكن بالمجمل جميع المحافظات التي شعرت بالهزة بتاريخ السادس من شباط اعتمدت الإجراءات الاحترازية، من تحضير حقيبة تضم الأوراق الثبوتية والمهمة المصاغ والأموال إن وُجدت والقليل من الإسعافات الأولية حتى أطلقوا عليها اسم "حقيبة الزلزال" ومكانها في كل منزل سوري بجانب الباب حصراًِ لسهولة التقاطها أثناء الهروب من الزلزال. أضف إلى ذلك النوم في العتاد الكامل من الثياب المريحة والتي تعطي الدفء كون الزلزال حصل في فصل الشتاء، لأنه وكما نذكر أن معظم السوريين خرجوا إلى الشوارع خوفاً من الهزات لكن المطر والرعد وحبات البَرد كانت في انتظارهم.. إلا أنّ سقوط المطر أرحم من سقوط الحجر. وعن الجانب النفسي وانتشار الأعراض المرضية كان لوكالة أنباء آسيا لقاء مع الدكتور منذر محمد الأخصائي في الأمراض العصبية فصرّح بما يلي: "الزلزال حدث عظيم يؤدي لأذى ورعب وارتباك شديدين. وبعيداً عن آثاره الجسدية، فهو يتسبب بمجموعة أعراض نفسية بها أثر عضوي، فهناك ما يطلق عليها "متلازمة الزلزال" وهي حالة تصيب الأشخاص بنسب متفاوتة، َذلك تبعاً لطبيعة الشخص ولوجود آثار الأذى الجسدية المرافقة للشخص ذاته، أو أحد المقربين. وبالنسبة للأعراض، هناك الأعراض العامة والتي تبدأ منذ الحادث وتستمر لأسابيع وربما أكثر. سببها المرض النفسي الشديد وارتفاع الأدرينالين الحاد. تتجلى هذه الأعراض بشعور بالقبض، صعوبة بالتنفس مع تنفس سريع، وعدم القدرة على أخذ نفس عميق، إحساس بالتعب وعدم الراحة، الغثيان أو الإزعاج المعدي واضطراب حركية الأمعاء.أما بالنسبة لطريقة العلاج و السيطرة على هذه الأعراض فتكون بالراحة والتوعية واستخدام أدوية علاجية بالحالات الشديدة. الشكل الثاني للأعراض والأكثر شيوعاً هو مايسمى الدوار بعد الزلزال.ويكون على شكل إما حالة من الشعور الوهمي بتأرجح الجسم يستمر لأقل من دقيقة، ويتكرر تباعاً لمدة قد تصل إلى٣ أشهر. أو يكون على شكل دوار لايترافق مع اضطراب توازن حقيقي بل يشبه دوار الوضعية السليم. هذه الحالات تحتاج الراحة والاستلقاء والإكثار من السوائل وتمارين حركات الرأس والنظر بعين واحدة بعيداً في الأفق. قد تحتاج لعلاج دوائي بمضادات الهستامين والمهدئات.

القسم الثالث من الأعراض هي الأعراض النفسية. وقد تكون خفيفة مثل قلق بسيط واضطرابات النوم لفترة قصيرة. وقد تحدث حالات شبح الزلزال وهي الشعور بحدوث إهتزاز وزلزال دون وجود زلزال حقيقي. وقد تتطور الأعراض عند البعض لتظهر على شكل قلق شديد ومزمن، عصاب اكتئابي، أو عصاب الوسواس القهري. وهذه الحالات يجب أن تعالج بشكل جدي من قبل أطباء وأخصائيين نفسيين. أخيراً علينا أن ندرك أن هذا الحدث هو جديد في ثقافتنا وخبرتنا. وهناك الكثير من الكلام واللغط حوله، لكن ماعلينا سوى أن نتعامل مع الحدث بالكثير من الوعي والكثير من الإيمان. هذه الكوارث حدثت لشعوب كثيرة وعانت منها أجيال لكن في النهاية لا بدّ أن تنتصر إرادة الحياة. "
حديث الزلزال وأعراضه المرضية هو حديث الشارع السوري في هذه المرحلة. ما بعد الكارثة الطبيعية كوارث نفسية. كان المواطن السوري وسيبقى يتحدى كل أشكال الحروب والأوبئة والكوارث . وتبقى إرادة الإنسان وتعلقه بالحياة هي العلاج لكل الكوارث سواء كانت بفعل الطبيعة أم البشر…