عقب ثورة يناير، ظهر التيار الإسلامي في مصر من الإخوان والسلفيين على الساحة السياسية بشكل ملحوظ، وفي الأعوام من 2011 وحتى 2013، ظهر السلفيون كجزء رئيسي من الساحة السياسية بمواقف وتصريحات قياداته، بالإضافة إلى الأدوار السياسية التي لعبوها.
ومنذ يناير انقسم موقف السلفيون، إذ رفض قطاع كبير من شيوخ السلفية – خاصة الذين سمح لهم النظام بالظهور في القنوات الفضائية – ما سموه بـ «الفوضى»، لكن قطاعًا آخر مثل محمد عبد المقصود ونشأت أحمد وفوزي السعيد وشباب الجبهة السلفية، كان مؤيدًا للثورة على نظام مبارك لكن مشاركتهم جاءت متأخرة.
وعقب ثورة يناير بأشهر قليلة أسس حزب النور السلفي وفرض نفسه منذ ترخيصه كرقم مهم في الحياة الحزبية مستثمرا الزخم الثوري آنذاك، غير أنه واجه بوتيرة متسارعة تراجعا في مكتسباته السياسية والاجتماعية في السنوات الأخيرة.
وبذلت محاولات من قيادات سلفية وإخوانية لتوحيد الموقف السياسي بين التيار الإسلامي، لكن لم تحقق هذه المساعي، إلا توافقًا مؤقتًا بين الإسلاميين في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والحفاظ على المادة الثانية من الدستور، ومعركة هوية مصر الإسلامية، وما سمي بالمبادئ فوق الدستورية، والانتخابات الرئاسية 2012، ووضع الدستور، لتأتي أول انتخابات برلمانية، وتظهر معها صعوبة التوافق بين الإخوان والسلفيين، ليفشل الإسلاميون في تشكيل تحالف انتخابي واحد يجمع أحزابهم.
وفضّل «حرية وعدالة الإخوان» الانضمام للتحالف الديمقراطي بجانب عدد من القوى والأحزاب المدنية، بينما خاض السلفيون المعركة بتحالف من أجل مصر، الذي ضم أحزاب «النور، والأصالة، والبناء والتنمية، والإصلاح»، وجميعها أحزاب من داخل العباءة السلفية.
وعندما حان وقت الانتخابات الرئاسية أيّد السلفيون مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي ضد مرشح النظام أحمد شفيق، مع أنّ عدداً قليلاً من السلفيين دعم حازم أبو إسماعيل المنتمي بالأساس للتيار السلفي.
ومنذ الوهلة الأولى لتولي مرسي الحكم بدأ حزب النور السلفي في اختلاق الأزمات، فبعد شهر تقريبًا من دخول قصر الاتحادية أصدر الحزب السلفي بيانًا استنكر فيه عدم اختيار رئيس وزراء ومحافظين من بين صفوفه، وهو ما دفع مرسي آنذاك إلى اختيار رئيس الحزب، عماد عبد الغفور، والقيادين بسام الزرقا وخالد علم الدين، ضمن الفريق الاستشاري له.
وصل الخلاف قمته بتحالف التيار السلفي ممثلاً في حزب النور مع جبهة الإنقاذ، وهي الكيان المعارض الذي ضم عدداً من الأحزاب المدنية في مواجهة الرئيس وحزبه السياسي.
خلال أشهر قليلة دعم حزب النور جبهة الإنقاذ، وهو ما رفضه قطاع واسع من مؤيدي الحزب، وأدى هذا السلوك وما شابهه إلى استقالة مؤسس الحزب عماد عبد الغفور مع عدد كبير من الأعضاء المؤسسين ليشكلوا حزب الوطن، في اعتراض واضح على السياسيات التي قادها داخل الحزب جناح الشيخ ياسر برهامي القيادي البارز في الدعوة السلفية.
ومع عزل الرئيس محمد مرسي على خلفية احتجاجات 30 يونيو، انضم بعض السلفيين إلى ميدان رابعة العدوية، وحضر على المنصة العديد من شيوخ التيار المشهورين، كما أن نسبة كبيرة من المعتصمين في ميدان النهضة كانوا من التيار السلفي.
لكن في المقابل كان أمين عام حزب النور، جلال مُرة، أبرز الحاضرين أثناء إلقاء بيان عزل مرسي في3 يوليو 2013 من وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي. إذ توهم حزب النور السلفي أنه بالإطاحة بالإخوان سيكون الطريق ممهدًا نحو الريادة والقيادة، لكن ما حدث كان عكس ذلك.
فمع أول انتخابات برلمانية بعد أحداث 30 يونيو، لم يحصل حزب النور في هذه الانتخابات سوى على عدد قليل جدًا من المقاعد بعد أن انفض معظم أعضائه عنه وفقد شعبيته، رغم أنه لم ينافسه أحد من التيار الإسلامي في هذه الانتخابات.
ففي انتخابات مجلس النواب 2015، خسر السلفيون 80% من حصتهم البرلمانية التي حصلوا عليها في 2012، حيث تراجعت أعداد المقاعد التي فازوا بها من 96 إلى 12 مقعدًا فقط، ثم تأتي انتخابات 2020 لتحمل شهادة وفاة التيار السلفي سياسياَ.
إن التنازلات التي قدمها السلفيون ووصلت إلى حد الوئام مع القيادة العسكرية في مواجهة الإخوان، لم تشفع لهم لدى النظام المصري الذي يرى في التيار الإسلامي منافساً يريد السيطرة السياسية من أجله اقامة مشروعه الخاص( الخلافة).
ومن الواضح أن حزب النور أضحى سياسيا ومجتمعيا "ميتا إكلينيكيا" بعد استخدامه من قبل النظام، وما يعزز ذلك هو تأكيدات قادة الحزب تعرّض مرشحي النور لمضايقات وتضييقات خلال الانتخابات الأخيرة، بخلاف رفض انضمامه من قبل التكتلات الحزبية ذات الثقل، من بينها التي أعدتها الأجهزة الأمنية.
وخلال السنوات الأخيرة، اتخذت الحكومة المصرية خطوات متصاعدة ضد رموز السلفيين، إذ منعت هذه الرموز من الدعوة، وبالتالي فقد التيار أحد أبرز ركائزه الشعبية.
فمنذ الثورة إلى الآن اتخذ وجود السلفيين على الساحة السياسية مراحل عدة، حيث برز تواجدهم حتى عام 2013، ليعاد تهميشهم سياسياَ تدريجياً حتى وصل الأمر إلى حد الاختفاء.