قرار تركيع الشعب اللبناني وتجويعه الذي اتخذته الادراة الاميركية قبل ثلاث سنوات، لا يزال يُنفذ بحذافيره عبر أدواتها وأذرعتها في لبنان، فالحصار الاقتصادي الذي انسحب انهياراً على مؤسسات الدولة، يتم تغليفة داخلياً "بجنون" الدولار الذي يواصل في الارتفاع حتى تخطى عتبة 70 الف ليرة، الامر الذي انعكس ارتفاعاً جنونياً على مختلف السلع في السوق اللبنانية، ومهد الطريق امام اصحاب فكرة الدولرة الشاملة للبدء بتنفيذها، حيث يؤكد خبراء الاقتصاد ان الدولرة الشاملة لم تعد خياراً بل مسألة مسار، والتقدم واضح خطوة خطوة وفق خارطة الطريق التي تعكس الآلية الدولية للتجارب المشابهة.
الفوضى في طريقة التسعير، دفعت بالتجار وأصحاب السوبرماركت للمطالبة بالسماح لهم بعرض أسعار المنتجات بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة اللبنانية، وهو قرار تم التحضير له منذ قرابة الثلاثة أشهر، بحسب رئيس لجنة الاقتصاد النيابية في البرلمان النائب فريد البستاني، مشيراً الى أن لجنة الاقتصاد النيابية في البرلمان هي التي سعت مع وزارة الاقتصاد لتبني هذا القرار.
الدولرة ايضا لم تقف عند المواد الاستهلاكية والمحال التجارية، فقد بدأت الاصوات تعلو لدولرة الفاكهة والخضار، حتى انه تفاجأ بعض المواطنين بتسعير الخضار والفاكهة بالدولار، فمثلا الموز بـ30 سنتا، والبصل بدولار واحد، فيما سعر الحامض بنصف دولار.
اما عن سبب ارتفاع سعر كيلو البصل الى 70 الف ليرة، وفي هذا الإطار، يشير رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع ابراهيم ترشيشي، إلى أن الحاجة خارج لبنان إلى البصل دفعت بالتجار الليبيين إلى شراء كل كميات البصل المتوافرة في لبنان، ودفعوا سعرها 400 دولاراً للطن، موضحا أن أكثر من ألفي طن بصل حُمّل إلى ليبيا خلال الأسبوعين الماضيين، مشيراً الى ان شح كميات البصل في السوق اللبناني، أدى إلى ارتفاع السعر إلى دولار واحد أو ما يعادله في السوق السوداء.
الامر نفسه ينسحب على اسعار المحروقات، حيث ينادي أصحاب المحطات وموزعي المحروقات بضرورة التسعير بالدولار للحاق بإرتفاع سعر صرف الدولار يوميا، فيما زاد الحديث اليوم عن امكانية التصعيد واقفال المحطات ابوابها بوجه المواطنين بعد إصدار وزير المال في حكومة تصريف الاعمال يوسف خليل قراراً يقضي باستيفاء جزء من الضرائب والرسوم الجمركية، بما فيها الرسوم النسبية والرسوم النوعية والحد الأدنى ورسم الاستهلاك ورسم الـ3 في المئة والضريبة على القيمة المضافة TVA، نقداً، بنسبة 75 في المئة بالحد الأدنى، مقابل 25 في المئة بموجب شيك مصرفي كحد أقصى.
ومن بين السلع التي شملها القرار، المحروقات بكافة أنواعها (بنزين ومازوت وغاز) والسيارات السياحية الجديدة والمستعملة والأجهزة الخلوية.
ويتخوف البعض من أن ينقلب القرار على المستهلكين، كما جرى مع قرار مماثل كان قد أصدره وزير المال سابقاً، وشمل أصحاب السوبرماركت والتجار والمستوردين، ما دفعهم إلى اتخاذ المستهلكين رهينة إلى حين تراجع وزارة المال عن القرار.
وتتركز المخاوف اليوم حول احتمال توقف الشركات المستوردة للنفط عن تسليم البضائع إلا نقداً بالدولار، ما يمكن أن يدفع بمحطات المحروقات إلى إغلاق أبوابها.
في موازاة ذلك، وبعدما أنفق لبنان نحو 8 مليار دولار في السنوات الأخيرة على دعم أدوية كان معظمها يخزّن أو يُهرّب الى خارج لبنان، بحسب نقيب الصيادلة جو سلوم، بدأ الحديث عن امكانية تسعير الادوية بالدولار وهو ما يرفضه سلوم.
في غضون ذلك، ومع تحول معظم المعاملات التجارية الى الدولار فضلاً عن رواتب وأجور القطاع الخاص، بالاضافة الى السماح بدولرة رواتب القطاع العام عبر منصة "صيرفة"، من الواضح ان لبنان يسير على خطى الاكوادور وفنزويلا وايسلندا وغيرها من الدول المتعثرة والتي اعتمدت على الدولرة الشاملة، فهل يتخلى لبنان عن عملته الرسمية عاجلاً أم آجلاً ويعمل بنصيحة صندوق النقد الدولي التي قدمها له عام 1994 في دراسة تدعوه لاعتماد الدولرة الشاملة؟ ام سيبقى هناك من يقاوم هذا الطرح؟ خصوصا ان تخلي الدولة عن عملتها المحلية لصالح أي عملة أخرى، بحسب اقتصاديين، يعني ربط مصير العملة بالمصرف المركزي الأميركي وما ينجم عن ذلك بالتحكم بمعدلات الفائدة وسواها.
وعلى الرغم من ارتفاع شعبية "الدولرة الشاملة" بين اللبنانيين، وسعي العديد من القطاعات والغرف التجارية والمؤسسات إلى الاستحصال على أذونات تسعير بالدولار من قبل وزارة الاقتصاد، يبقى لهذا الواقع المستجد تأثيرات اقتصادية كبيرة على اللبنانيين والدولة العاجزة اليوم عن دفع الرواتب القطاع العام بالدولار اضافة الى كل النفقات المتوجبة عليها، فهي تلجأ إلى مصرف لبنان وتقترض منه بالليرة. ولا يمكنها عند الدولرة الاقتراض من أي جهة أجنبية لأنها متعثرة وعاجزة عن سداد استحقاقاتها السابقة، بحسب خبراء الاقتصاد.