غالباً ما يتم الاستهتار بمعايير السلامة، ليس فقط في عمليات البناء فهذا ينسحب على الغذاء والدواء وغيرها من الامور، ومع كل كارثة تحصل يستفيق الشعب ومعها المولجين بمتابعة تطبيق هذه المعايير، ليس من بعيد استفاق اللبنانيون على فاجعة مؤلمة إثر وفاة طالبة في المرحلة الثانوية، تبلغ من العمر 16 عاما، وذلك من جراء انهيار جزئي لسقف المدرسة، في حي جبل محسن بمدينة طرابلس، هذه الحادثة دفعت بجميع المسؤولين بضرورة اجراء مسح ميداني للابنية المتصدعة في لبنان،مرّ يوم، يومان، وبعدها انتقل اهتمام اللبنانيين الى موضوع آخر.
ومع تضارب المعلومات حول امكانية حدوث زلزال مدمر في لبنان من عدمه، خصوصا انه يقبع على خط زالزل، بدأت الاسئلة تُطرح هل المباني في لبنان مشيدة وفق المعايير المطلوبة؟ وهل هي مقاومة للزلازل والهزات، وهل ممكن تدعيم الابنية المتصدعة وخصوصاً تلك التي تصدعت جراء انفجار مرفأ بيروت، او جراء الامطار والسيول التي اجتاحت لبنان مؤخراً.
بحسب الأستاذ المحاضر في الترميم بالجامعة اللبنانية والمهندس المختص في ترميم المباني الأثرية، شوقي فتفت، يشير الى ان غالبية المباني التي شُيّدت في الستينيات هي الأكثر عرضة للسقوط، كذلك الامر بالنسبة الى مباني الباطون في الوحدات العشوائية، الموجودة في مناطق في بيروت وطرابلس وبرج حمود، حيث شهدت هذه المناطق فوضى عمرانية.
ويؤكد فتفت انه لا يمكن تحديد فترة لسقوط هذه المباني، فمثلاً، المباني الباطونية، تظهر عليها التصدّعات التي تمثّل الإنذار الأول، وفي أي لحظة، يمكن لبعض منها أن يتدهور لدى وصوله إلى مرحلة ذروة التصدّع والخطورة، وقد لا ينهار بسبب هزة أرضية.
من جهته، يؤكد مهندس الإنشاءات المتخصّص في دراسة الزلازل الدكتور يحيى تمساح أن ما يقارب 80 في المئة إلى 90 في المئة من الابنية التي تمّ إنشاؤها قبل العام 2013، لم تُصمّم وفقاً لأنظمة إنشائيّة مقاومة للزلازل، مما قد يعرضها للتصدّع والانهيارات الجزئيّة أو الكليّة عند وقوع زلزال بشدّة عالية كتلك التي أصابت لبنان عبر تاريخه عدّة مرات، لا سيّما أن هذه المباني لم تخضع منذ إنشائها إلى أي صيانة، ممّا يزيد من المخاطر عند وقوع الزلازل بسبب ضعف بنيتها الإنشائية.
في المقابل، يرى رئيس الجمعية اللبنانية لتخفيف أخطار الزلازل، المهندس راشد جان أن تواريخ إنشاء الأبنية ليست أبداً معياراً للمتانة وقوة احتمال الزلازل، إذ توجد أبنية قديمة متينة ومقاومة للزلازل، علماً أن كثيراً من الأبنية الحديثة لن تتحمّل زلزالاً تفوق قوته 5 درجات على مقياس ريختر، وهذا الكلام ليس للتخويف، بل قول للحقيقة كاملة.
الرقم الوحيد المتداول إعلامياً أو عبر تصريحات بعض المسؤولين لعدد الابنية الايلة للسقوط، هو نحو 16,200 مبنى، القسم الأكبر منها في بيروت من دون إحتساب منطقة المرفأ ومحيطها المتضرر، حيث نجد أكثر من 10460 مبنى، يليها منطقة الشمال وطرابلس 4000 وهذه الأرقام الأعلى نسبة وبقية الأرقام موزعة بين الجنوب وجبل لبنان والبقاع.
وبما انه تغيب الدراسات والمسوحات الرسمية حول هذا الموضوع فمن المؤكد وبحسب المهندسين ان هذه الارقام قد تكون اكبر بكثير، في حال تم دمج ارقام المخيمات والمناطق غير المرخصة التي لم تؤخذ بالاعتبار، والتي لا تطابق حوالى 80 % منها مواصفات السلامة العامة، ولا تصلح للعيش، وفق ما ذكر بيان سابق أصدره البنك الدولي.
ينصّ مرسوم السلامة العامّة الصادر عام 2005، على إلزامية أن تُشيَّد جميع المباني بعد هذا التاريخ بشكل مطابقٍ للسلامة العامة، ومن ضمنها، مقاومة الزلازل. ومن المفترض أن تكون الأبنية الجديدة مقاوِمة للزلازل حتى 6.5 درجات، فعملياً، الزلزال، وفق أستاذ الإنشاءات في كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية المهندس الدكتور خير الدين غلاييني.
وبحسب المرسوم الذي تولّت نقابة الهندسة الإشراف على تطبيقه، تٌقدّر نسبة المباني التي طبقت المرسوم بما يقارب 20 في المئة من العمران في لبنان، بحسب نقيب المقاولين مارون الحلو، لافتا الى انه يمكن اعتبار أن كل العمران بعد عام 2005 محميّ مبدئياً من الزلازل إلى مرحلة معينة.
في عام 2010، تم إنشاء وحدة إدارة مخاطر الكوارث لدى رئاسة مجلس الوزراء بالشراكة ما بين الحكومة اللبنانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. تتولى الإدارة وضع استراتيجيات وطنية للحد من مخاطر الكوارث، وإعداد المعايير الوطنية لقياس التقدم المحرز في مجالات الحد من الكوارث، وتفعيل التواصل بين الأجهزة المختلفة خلال العمليات.
اليوم ومع ما يمر لبنان من هزات ووجود عدد كبير من الابنية المتصدعة، لم تبادر الحكومة إلى تشكيل خليّة أزمة تلحظ أهمية تشكيل فرق هندسية لمعاينة واقع هذه الأبنية، مكتفية بإبلاغ اللبنانيين عبر القرار 30 بأن الدولة لا مال لها لتأمين مسكن بديل لأيّ بيت متصدع، وهو ما انتقده بشدة نقيب المهندسين في بيروت عارف ياسين، معتبراً ان الحكومة رمت المسؤولية من خلال هذا القرار على نقابة المهندسين بحجة أنها لا تملك المال لتوفير البديل للمساكن المتصدعة، بالرغم من أن هذا يصب في خانة واجباتها مع الوزارات المعنية.