ظاهرة تهدد مستقبل الشباب في لبنان… من ينقذهم من ظلمة الانحراف و السجون؟

مايا عدنان شعيب- خاص وكالة انباء اسيا

2023.02.10 - 12:39
Facebook Share
طباعة

تكاد لا تخلو الأخبار الأمنية التي تتواردها وسائل الإعلام و التواصل الاجتماعي اللبنانية يومياً من توقيف مطلوبين للقضاء بتهم جرائم مختلفة معظمهم من فئة الشباب و المراهقين احياناً !


ما هي اسباب تلك الظاهرة الخطيرة التي باتت مسيطرة على يوميات اللبنانيين و كيف السبيل الى انقاذ هؤلاء من واقعهم المظلم و مستقبلهم الجهنمي؟


بداية لا بد لنا من القاء نظرة على الواقع الاجتماعي في لبنان و خاصة في الآونة الاخيرة التي القت بظلالها على فئاته كافة و انعكست سلباً على مفاصله الحياتية على رأسها الوضع الاقتصادي المتردي بعد تدهور العملة الوطنية وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين الامر الذي جعل السواد الاعظم منهم يرزحون تحت خط الفقر و العَوَز، مما دفع بأفراد الأسرة الى اللجوء للعمل و الانتاج لتأمين احتياجاتهم الضرورية، هذا ان وجد هؤلاء فرصة للعمل في بلد عمّت فيه البطالة و باتت فرص العمل شبه مستحيلة.


في مقابلة خاصة لوكالة انباء اسيا كان للمرشدة الاجتماعية السيدة صابرين غندور تصريحاً قالت فيه أنه لا يخفى على أحد الانتشار الواسع لظاهرة السرقة التي صارت تجتاح مجتمعنا لا سيما في الفترة الأخيرة، ومن يطّلع على الإحصاءات يلحظ ارتفاعاً كبيراً في عدد حالات السرقة مقارنةً بالسنوات الأخيرة، مع ازدياد أيضاً في حالات تعاطي و تجارة المخدرات وانتشارها بين الشباب والمراهقين. ويمكننا ربط ما يحصل سواء على صعيد السرقة أو المخدرات بالوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدهور وما ينتج عنه من حالات فقر وعوز ، وارتفاع في عدد العاطلين عن العمل، وفي المستوى المعيشي المتردّي لغالبية الأسر.. كما وأنّ الشخص الذي يتعاطى المخدرات يلجأ في أحيان كثيرة للسرقة من أجل تأمين ثمن المواد المخدّرة.. أما أبرز أسباب التعاطي فهي الهروب من الواقع، الفراغ الفكري والاجتماعي، الظروف الأسرية القاسية ، حالات الإحباط والفشل المتكرّرة التي يعيشها هؤلاء..


وعن كيفية الحدّ من هذه الظواهر والتوعية لتفادي وقوع الشباب و المراهقين في مهالكها أشارت المرشدة لوكالتنا


أن من أبرز الأمور التي ننصح بها للوقاية من مشكلة المخدرات وغيرها من المشاكل التي يمكن أن تواجه الشباب تكمن في:

 

-تمتين العلاقات داخل الأسرة الواحدة ( أهل - أبناء) وذلك من خلال الجلسات العائلية المتكرّرة، خاصة بعد أن ساهمت وسائل التواصل المختلفة في تراجع هذه العلاقات وخلقت حالة من البُعد واللاتواصل داخل الأسر..
- أن يحرص الأهل قدر الإمكان على معرفة الأماكن التي يذهب إليها أبناؤهم ، أو على الأقل أن يكونوا على اطّلاع ومعرفة بنوعية صداقاتهم.
- التشجيع على اكتشاف هوايات الأبناء والاهتمام بتنميتها وذلك تجنّباً للوقوع في فخ الفراغ القاتل والذي يدفعهم للقيام بأي شيء..


أما على صعيد تزايد عمليات السرقة و الاتجار بالمخدرات و تعاطيها فقد علمت وكالتنا من مصادر أمنية في منطقة النبطية أن هذه الظاهرة قد تفشّت بشكل سريع و مخيف في الآونة الاخيرة و من يطلع على محاضر الضبط و التوقيف بحق الأفراد الملاحقين بتهم السرقة و غيرها يصدم بالفئات العمرية التي تتورط فيها اذ أن معظمهم تتراوح أعمارهم بين ١٦ و ٢٣ عاماً وهم من المفترض ان يكونوا على مقاعد الدراسة في المدارس أو الجامعات و جيل يعوّل عليه في بناء مستقبل البلد وقد عزت هذه المصادر ذلك الى الاهمال الذي يبدأ من العائلة الحاضنة لهؤلاء و لا ينتهي باهمال حقوقهم من قبل الدولة بعيش كريم و تأمين فرص علم و عمل لهم تحميهم من دروب السوء و الفتنة.


وقد لفتت تلك المصادر لوكالة آسيا أن معظم المتورطين في جرائم السرقة تبين في التحقيق معهم تورطهم ايضاً بتعاطي او ترويج المخدرات الأمر الذي يستدعي دق ناقوس الخطر و التنبه لما يستتبعه ذلك من خطر على المجتمع حيث اظهرت اخر التحقيقات في منطقة النبطية لجريمة قتل حصلت مؤخراً تبين ان خلفياتها تتعلق بالمخدرات، كذلك الامر ينسحب على المتورطين بالسرقة من فئة الاحداث ( المراهقين) بعد "موجة" التعدي على الاملاك العامة الاخيرة التي تمثلت بسرقة اسلاك الكهرباء عن الطرقات الفرعية و الانهار و غيرها لبيعها خردة في "البور" المخصصة لذلك، تبين خلال التحقيق مع اكثر المتورطين منهم ان الدافع لقيامهم بتلك السرقات كان الحصول على المال لتأمين المخدرات!


وللوقوف عند رأي القانون بأحكامه و عقوباته كان لوكالة أنباء آسيا مقابلة مع المحامية الاستاذة لميس قبيسي التي أكدت أن السرقة و تعاطي و اتجار و ترويج المخدرات هي جرائم يعاقب عليها القانون اللبناني، ففي مواده ٦٣٥ الى ٦٤٨من قانون العقوبات اللبناني تتضمن احكاماً لجرم السرقة وانطلاقاً من مبدأ المساواة في العقوبة بين جميع المواطنين الا ان هذه الأحكام قد تختلف تبعاً لمعايير كأن يكون المتهم قاصراً او راشداً او طبيعة الجرم ففي جرم السرقة مثلاً هناك "سرقة جناحية" عقوبتها السجن حتى ٣ سنوات و هناك العقوبات الجنائية التي تطبق على "السرقة الموصوفة" التي تحصل عن طريق الكسر و الخلع او في الليل وعن طريق العنف الى ما هنالك…


اما عن تعاطي المخدرات فقد نص قانون العقوبات عليها في مواد قانون المخدرات ٦٧٣/٩٨، وتكلم عن تعريفها وتصنيفها والمحظورات والترخيص بزراعتها واستعمالها وكما عن الجرائم والعقوبات المتعلقة بها اضافة الى نصه في المواد ١٨٢ الى ٢٠٤ منه على مكافحة الادمان على تعاطي المخدرات، وهناك الكثير من الاجتهادات لمحاكم التمييز التي تطالب بعدم معاقبة المتعاطي و عدم ادراج تهمته على السجل العدلي لاعتباره مريضاً يحتاج الى علاج، اما الترويج والتجارة فهو جناية تتخطى عقوبتها الثلاث سنوات سجناً و تتشدد على التاجر اكثر من المروّج .


وبالنسبة للقاصر فإن قانون حماية الاحداث الصادر يخفف العقوبات عنهم فيطلب منهم القيام باعمال تطوعية او انتساب الى جمعيات كالدفاع المدني او شركات حراسة كي لا يطاله الضرر اكثر مترافقاً ذلك مع عقوبة السجن بالتأكيد. و على الرغم من ان الحاجة و العوَز كانا دافعين اساسيين للسرقة مؤخراً الا انه لا يبرر القيام بالجرم و لا يخفف من العقوبة بالمبدأ، باستثناء بعض الحالات كتلك التي استثناها القاضي شادي قردوحي وإحدى القضاة في طرابلس مؤخراً حيث خففوا الاحكام عن بعض المتهمين بالسرقة بعد ان تبيّن ان الحاجة هي التي دفعتهم لذلك في ظل الفقر المدقع و الحرمان الذي تعيشه منطقة طرابلس في الازمة الاخيرة، و قد أبدت الاستاذة قبيسي تخوفها من زيادة نسبة المتورطين من الشباب و المراهقين في الجرائم في الفترة الأخيرة لاسيما في السرقة و المخدرات سواء في التعاطي او الترويج او التجارة، و ما يثير الخوف اكثر هو رصد حالات من المتورطين هم من طلاب جامعات الذين تورطوا عن طريق رفاق سوء و محيط متفلت في ظل عدم متابعة من قبل الأهل، وقد شددت قبيسي في حديثها لوكالتنا الى ضرورة الانتباه جيداً لجيل الناشئين من وسائل التواصل الاجتماعي التي تفتح امامهم ابواباً للفتنة و الانحراف ففي الكثير من القضايا التي تتابع التحقيق و الحكم فيها تعود أولى خيوط الجرم الى تعرف المتورط على الطرف الذي غرر به عن طريق الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك يجب على الأهل و المدرسة و الجامعة و المحيط التشديد على الرقابة و المتابعة الحثيثة للأبناء و الأفراد كي لا يقعوا ضحية للمجرمين الذين يصطادوهم عبر هذه المواقع بسهولة.


أخيراً لا يمكننا الا دق ناقوس الخطر و توعية المسؤولين عن مستقبل هؤلاء الشباب من أهل و محيط الى ضرورة التنبه من مخاطر هذه الآفات التي تطيح بجيل بكامله وتزيد من الانهيار الذي يفتك بالمنظومة الاجتماعية للوطن في وقت نحن في أمس الحاجة لهؤلاء ليكونوا دعامة و ركيزة يقوم عليها السلم الاهلي و الاجتماعي و الاقتصادي في زمن الانهيارات. 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 9 + 2