هل تستغل اسرائيل علاقاتها بالسودان لاختراق مصر؟

2023.02.07 - 04:51
Facebook Share
طباعة

 في خطوة تستهدف تسريع عملية التطبيع التي بدت بوادرها في عام 2020، اجتمع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في الخرطوم في الثاني من فبراير/شباط، مع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين لبحث "تعزيز آفاق التعاون المشترك بين الخرطوم وتل أبيب"

وللمرة الأولى تعترف الخرطوم بوجود زيارة لمسؤول إسرائيلي رفيع رغم تكرار زيارات متبادلة بين مسؤولين من البلدين في السنوات الماضية. إذ أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن المباحثات السودانية الإسرائيلية توصلت إلى "اتفاق على المضي في سبيل تطبيع علاقات البلدين".  فيما أعلن كوهين عقب اللقاء أن السودان وإسرائيل سيوقعان على اتفاق تطبيع العلاقات بينهما خلال العام الجاري يستند إلى مبدأ "السلام مقابل السلام".

ورغم وجود اتفاق ثلاثي برعاية أمريكية يقضي برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل التطبيع مع إسرائيل منذ عام 2020، لم تنخرط السودان في التطبيع بقوة خلال العامين الماضيين، نظراً للضغوط التي تعاني منها القيادة السودانية واستمرار عملية الاحتجاجات وعدم وجود استقرار سياسي، تزامناً مع استمرار رفض عدد من القوى السياسية للتطبيع واستمرار المجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد.

وأثر التطبيع المرتقب لن يكون على السودان فقط وإنما سيلقي بظلاله بالتأكيد على القاهرة، إذ للسودان أهمية استراتيجية للأمن القومي المصري نظرا لمواقعها الجغرافي وقربها من مصر.

تقع دولة السودان في نطاق الأمن القومي المباشر لمصر حيث الحدود المشتركة بين البلدين والموقع الجغرافي المشترك ووحدة المصير، تمتد الحدود المصرية السودانية نحو 1273كم، ويمثل السودان العمق الإستراتيجي الجنوبي لمصر، لذا فإن أمن السودان واستقراره يمثلان جزءًا من الأمن القومي المصري.

وهو ما دفع الكثير من السياسيين والكتاب والدبلوماسيين المصريين الى إطلاق التحذيرات جراء التطبيع بين مصر والسودان.

وأبرز تلك التحذيرات ما قاله الكاتب الصحفي عبد الله السناوي، عن إعادة صياغة الشرق الأوسط من جديد بموازين قوى مختلفة، وتحكّم إسرائيل في مفاصل العالم العربي وتفاعلاته الاقتصادية والإستراتيجية.

وأوضح السناوي، إن الهدف من إغواء السودان بالتكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية، والاستثمار في أزمة سد النهضة هو وضع قدم على النيل لمناكفة مصر في أمنها القومي، لعلها تحصل مستقبلا على حصة من مياه النيل. متوقعاً أن ينذر ذلك بأزمات متفاقمة تعمل على تعميق أية خلافات بين مصر والسودان، كالنزاع الحدودي بشأن حلايب وشلاتين.

ويطالب السودان بمثلث حلايب وشلاتين منذ عام 1958 وتقول القاهرة إنه أرض مصرية وتقع تحت السيادة المصرية،  ورفضت السودان في 2016 بدء مفاوضات لتحديد الحق في السيادة على المنطقة أو اللجوء إلى التحكيم الدولي بشأنها. وفي يناير 2018، طلبت حكومة السودان من مجلس الأمن الدولي بشكل رسمي، إبقاء قضية النزاع حول مثلث حلايب في جدول أعمال المجلس لهذا العام.

ويتوقع سياسيون وكتاب، أن تسعى اسرائيل عقب التطبيع  مع السودان الى استغلال النزاع حول حلايب وشلاتين واثارة خلافات كامنة بين مصر والسودان، وابرازها الى السطح في سبيل استكمال أهدافها لتجزئة وتقسيم الدول العربية.

في السياق ذاته، دعا أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق عبد الله الأشعل حكومة بلاده للانتباه من هذا التطبيع وآثاره. مشيراً إلى أن النظام السوداني ينتظر مقابل هذا التطبيع الآتي " استمرار المجلس العسكري في الحكم بدعم أمريكي اسرائيلي، ومنحه حلايب وشلاتين التي هي محل خلاف بين مصر والسودان.

وأكد الأشعل على أن  مصر هي الخاسر الأكبر من عملية التطبيع. محذراً من أن "إسرائيل ستحوّل السودان إلى شوكة في حلق الأمن القومي المصري، وستشجّع على انفصال كردفان ودارفور، وستساند مطالب السودان في سد النهضة شكليًا ضد إثيوبيا".

من جانبه يرى سياسي مصري فضل عدم ذكر اسمه، أن هناك توجهاً اسرائيلياً لإضعاف دور مصر في السودان وأن تكون اسرائيل الداعم الأول للنظام، وبالتالي فان اتفاقية التطبيع بين السودان واسرائيل قد يكون لها عدد من التداعيات الجيواستراتيجية على الأمن القومي المصري سواء على المدى القصير أو البعيد.

وأشار إلى أن هذا التطبيع إذا انتقل من مستواه الجزئي الى المستوى الكلي، وأدى الى مزيد من التعاون بين السودان واسرائيل، فإنه من المحتمل أن يؤدي الى تداعيات قد تضر بالأمن القومي المصري.

وأوضح السياسي المصري، أن هناك حالة من التباين في الموقف السوداني تجاه أزمة سد النهضة فالبعض يرى أن السودان سيستفيد من هذا السد وآخرون متضامنون مع الموقف المصري، وبالتالي تطبيع العلاقات بين اسرائيل والسودان قد يجعل اسرائيل تستغل الوضع غير المستقر سياسياً واقتصادياً في السودان لتهديد أمن مصر المائي والتأثير في توجهات السودان المتضامن مع مصر ازاء السد، وبالتالي تحاول اسرائيل أن تستثمر في أزمة سد النهضة، وتطرح نفسها طرفا رابعا بجوار مصر والسودان وإثيوبيا، لعلها تحصل مستقبلاً على حصة من مياه النيل.

وتجدر الاشارة الى هناك دراسة من معهد دراسات الامن القومي بجامعة تل أبيب عام 2018 ترى في التعنت الإثيوبي فرصة كبيرة لإسرائيل لإيصال المياه لها عبر مصر من خلال اجبار دولتي المصب.

إلى جانب هذا، يرى السياسي المصري أن اسرائيل تسعى إلى تعزيز نفوذها في القارة السمراء التي لها أهمية استراتيجية، وذلك قد يهدد الأمن القومي العربي وبالأخص المصري، فمن الممكن أن ينتج عن التطبيع بين السودان واسرائيل، اتفاقيات في المجال العسكري والاستخباراتي.

وتابع؛ من المتوقع أن تحاول اسرائيل اقناع السودان عقب التطبيع الكامل بالحصول على تسهيلات عسكرية من السودان على شكل قواعد عسكرية أو تواجد عسكري وأمني من خلال تقديم الاستشارات العسكرية من جانب العسكريين المتقاعدين في الجيش الاسرائيلي وتقديم الخبرات العسكرية او الاستشارات الاستخباراتية وكلها تسهيلات قد تجعل لها موطئ قدم في السودان وهذا قد يؤثر على الأمن القومي المصري لموقع مصر الجغرافي المشترك مع السودان.

واختتم حديثه قائلاً؛ أن إسرائيل تبحث عن المشاركة في "نظام إقليمي أمني جديد في منطقة البحر الأحمر"، وهو ما يجعل للتطبيع مع السودان أهمية كبيرة في أن تكون تل أبيب جزءاً من هذا النظام، وذلك للأهمية الاستراتيجية للسودان بسواحله الشاسعة على هذا البحر.

ولازال نظام الحكم في إسرائيل يتذكرون الخرطوم  باحتضانها للقمة العربية التي تلت حرب 1967"، ويحيل هنا على اتخاذ الجامعة العربية حينها شعار "اللاءات الثلاث" في العلاقة مع إسرائيل، أي: لا اعتراف ولا سلام ولا مفاوضات.

وتريد إسرائيل بناء واقع جديد مع السودانيين تتحول فيه "اللاءات الثلاث" إلى "نعم ثلاث مرات"، أي نعم للتفاوض وللاعتراف وللسلام بين الجانبين، وهو ما تسعى إليه إسرائيل الآن بالتعاون مع المجلس العسكري السوداني الحالي.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 6 + 8