لم يعتاد الشارع اللبناني ولا حتى النواب، على هذه الخطوة التي قام بها نواب "التغيير" والاعتصام داخل مجلس النواب للضغط في ملف الانتخابات الرئاسية، والمطالبة بعقد جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس.
خطوة قد تُعد سابقة في الحياة السياسية اللبنانية، ولذلك وصفها بعض اللبنانيين على مواقع التواصل الاجتماعي بـ"المسرحية الهزلية"، لجذب الاضواء نحو هؤلاء النواب، والايحاء امام الرأي العام انهم يسعون الى خرق الجدار السياسي المقفل في الملف الرئاسي.
اما المدافعين والمتحمسين لهذه الخطوة، فشددوا على ان الاعتصام حرّك الجمود السائد بعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، واعطى انطباعا للرأي العام بالداخل وللدول الصديقة، بأن هناك نواباً وقوى يرفضون الانصياع للأمر الواقع، بإمعان بعض القوى بتعطيل عملية انتخاب رئيس الجمهورية، في محاولة لفرض مرشحها المرفوض من المعارضة، مشددين على وجوب دعم هذا التحرك سياسيا وشعبيا، ليصل إلى هدفه بتسريع خطى انتخاب الرئيس العتيد.
في المقابل، شككت مصادر نيابية بالغاية التي يسعى اليها النواب من خلال الاعتصام، معتبرة انه كان الأجدى لو كان العنوان هو للضغط على الاطراف للتوافق على انتخاب رئيس الجمهورية، كان سينظر اليه حينها بعين البراءة، ولكن ان يكون العنوان هو للضغط لعقد جلسات مفتوحة لانتخاب الرئيس، والإيحاء وكأنّ رئيس المجلس هو من يعطل انتخاب رئيس الجمهورية فهنا يجب التوقف مطولاً امام اهداف الاعتصام والنظر اليه بعين الشك، بحسب المصادر.
وقبل أن تنطلق موجة التساؤلات عما يمكن ان يقوم به الرئيس نبيه بري رداً على خطوة الإعتصام، فلم يدعُ إلى جلسة انتخاب الخميس المقبل، كردّ أولي على خطوة الاعتصام بحسب مصادر نيابية، مؤكدة انه أقل ما يمكن القيام به هو تجميد الدعوات الى جلسات الانتخاب رفضاً من رئيس المجلس لهذه الخطوة الضاغطة، كما وجّه دعوة الى جلسة مشتركة للجان النيابية الخميس المقبل، لدرس مشروع القانون الوارد في المرسوم رقم 13760 الرامي الى تعديل بعض احكام قانون الضمان الإجتماعي وإنشاء نظام التقاعد والحماية الاجتماعية.
إنزعاج الرئيس بري من خطوة نواب التغيير بدت واضحة في جلسة الخميس الماضي، حيث سارع الى رفع الجلسة بعد تطيير النصاب، ولم يرد على الاسئلة التي وجهت اليه من قبل النواب، وتشير المصادر الى ان انزعاج بري نابع من محاولة النواب المعتصمين تحميله مسؤولية عدم انتخاب الرئيس وانه لا يمارس واجباته منذ بدء المهلة القانونية لانتخاب الرئيس، لافتة الى ان الرئيس بري كان اول المبادرين لكسر حالة الجمود عبر دعوته مرتين الى الحوار الذي يؤمّن الحد الأدنى من التفاهم، إلا ان مبادرته اصطدمت بحائط مسدود، بفعل تحفظات واعتراضات لم يكن المعتصمون بعيدين عنها.
وفي وقت يواجه فيه بعض النواب الجدد إنتقادات بأن الشعبوية تتحكم بالعديد من تصرفاتهم، برزت تساؤلات عن الغاية من اثارة الشارع عبر دعوات النواب المعتصمين الى ملاقاتهم في الشارع للضغط من اجل انتخاب الرئيس، فالشارع اللبناني بحالة غليان بحسب المصادر وهناك مخاوف امنية من إنفلات الشارع، خصوصاً أن التوترات الاجتماعية تكبر يوماً بعد يوم، الى جانب تسريبات جهات محلية وخارجية عن احتمال انفجار كبير ينجم عن اغتيالات سياسية.
وتؤكد المصادر أن دور هؤلاء النواب لم يعُد الهتاف في الشارع، إذ إن ثورة 17 تشرين نقلتهم من الموقع الشعبي الى الموقع الرسمي وادخلتهم الندوة البرلمانية، التي يستطيعون من خلالها لعب دور أساسي أكثر جدية وواقعية، متسائلة الى اين ستوصلهم "الوسادات" و"البطانيات"، والمبيت داخل قاعات المجلس؟ خصوصا ان التحركات غير منسقة مع بعضهم البعض، فعلى سبيل المثال، فقد شاركت النائب نجاة صليبا في الإعتصام بلا قرار من حزب "تقدم" الذي يضمّ النائب مارك ضو، في حين أن هؤلاء النواب التغييريين غير متفقين على رؤية واحدة للإستحقاق الإنتخابي: فمنهم من يصوّت للدكتور عصام خليفة وآخرون لميشال معوّض، ومنهم من يضع ورقة بيضاء ونائب آخر يتمايز بوضعه ورقة بيضاء ممزقة، وبالتالي يختلفون على جوهر الإستحقاق الرئاسي بحسب المصادر.
ومع دخول اعتصامهم يومه الثالث، أكد النائب فراس حمدان من داخل مجلس النواب أن لا إمكانية لاي إجراء إصلاحي أو خطة إنقاذية إلا من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، فيما شددت النائب حليمة قعقور على أنه على كل جهة سياسية أن تطرح اسم الرئيس التي تراه مناسبا والقيام بدورها وتقريب وجهات النظر.
بدورها، أوضحت النائب نجاة صليبا أن المجلس النيابي في حالة انتخابية فقط ومن يأتي ليقف معنا يقف إلى جانب الدستور، مؤكدة أن الهدف ليس الإسم بل تطبيق الدستور.
اما "القوات اللبنانية"، فرأت ان اعتصام النواب غير كاف، حيث اشار عضو تكتل الجمهورية القوية النائب جورج عقيص الى انهم ابلغوا نواب "التغيير" المعتصمين داخل مجلس النواب وجهاً لوجه انتقادهم للخطوة، لافتاً الى انها "بحد ذاتها حركة نبيلة ولكن ماذا بعد؟ إلى أين تتجهون من هذا الاعتصام؟ انتخبوا ميشال معوض".