انتهى عام 2022 بتوقيع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على "وثيقة ملكية الدولة" والتي تفسح المجال أمام القطاع الخاص والمستثمرين مقابل تخارج الدولة من عدة قطاعات حددتها الوثيقة.
وشهد عام 2022 بيع عدد من أصول الدولة المصرية لدول خليجية، وذلك لسداد ديون بنحو 40 مليار دولار، إذ شهد السوق المصري زيادة كبيرة في إستحواذ صناديق الثروة السيادية الخليجية بأكثر من الضعف في 2022 عن عام 2021، وهو ما جاء بعكس التوجه العالمي.
حيث قالت نشرة إنتربرايز الاقتصادية، أن صناديق الثروة السيادية الخليجية، قادت موجة شرائية في السوق، ما أدى إلى تعزيز الدور المحوري للخليج في اقتصاد مصر.
واوضحت إن عدد صفقات الدمج والاستحواذ، زادت بأكثر من الضعف في عام 2022، وارتفع عدد الصفقات المكتملة في مصر إلى 66 في عام 2022 بزيادة 31 عن العام الأسبق 2021.
في المقابل، كشف تقرير إحصائي لصفقات الدمج والاستحواذ، عن تراجع عالمي بصورة كبيرة، في العام 2022، والذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 5.8 تريليون دولار، في حين سجلت القيمة الإجمالية للصفقات في عام 2022 ما قيمته 3.66 تريليون دولار، بانخفاض 37% عن عام 2021، بعكس ما حدث في مصر.
القطاعات الأكثر رواجاً في صفقات الاستحواذ:
كانت الخدمات المصرفية والمالية الأكثر رواجا خلال العام، تليها الصناعة والطاقة، واكتملت 16 صفقة دمج واستحواذ في القطاع المصرفي، و 9 صفقات في القطاع الصناعي، و 4 منها في الطاقة و اثنتان في مصادر الطاقة المتجددة.
وتعد صفقة استحواذ فوادكوم، على 55 بالمئة هي حصة فودافون في "فودافون مصر"، هي الأكبر لهذا العام، وبلغت 2.5 مليار دولار.
وعلى إثر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، سمح لصناديق السيادية الخليجية بالتوسع بشكل ملحوظ في السوق المصري خلال عام 2022، إذ ضخ صندوق الثروة السيادية في أبو ظبي (الشركة القابضة إيه دي كيو) وصندوق الاستثمارات العامة السعودي نحو 3.1 مليار دولار للاستحواذ على حصص كبيرة في بعض أقوى الشركات المدرجة في البورصة المصرية.
وأصبح الصندوقان يمتلكان معا ما يقرب من نصف أكبر شركتين للأسمدة في مصر، وتمتلك القابضة أيه دي كيو وصندوق الاستثمارات العامة السعودي الآن 41.5% من شركة أبو قير للأسمدة و45% من شركة مصر لإنتاج الأسمدة "موبكو".
وأصبحت القابضة أيه دي كيو أكبر مساهم مستقل في البنك التجاري الدولي، أكبر بنوك القطاع الخاص في البلاد، وشركة فوري الرائدة في مجال التكنولوجيا المالية. اشترى الصندوق حصة 17.2% في البنك التجاري الدولي مقابل 911.5 مليون دولار و11.8% من فوري مقابل 55 مليون دولار تقريبا. إلى جانب استحواذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصة 25% في إي فاينانس الحكومية.
وفي القطاع الدوائي، زاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي، من وجوده في قطاع الأدوية في مصر من خلال الاستحواذ على 4.7 بالمئة من شركة المصرية الدولية للصناعات الدوائية (إيبيكو) وزيادة حصته من شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية والمستحضرات التشخيصية (راميدا) ليصبح ثاني أكبر مساهم في الشركة.
واستحوذ صندوق الاستثمارات السعودي على 34% من شركة "بي تك"، المتخصصة في تجارة التجزئة وتوزيع الأجهزة المنزلية والإلكترونية مقابل مبلغ لم يكشف عنه، بينما أكملت القابضة إيه دي كيو الاستحواذ على حصة حاكمة في مجموعة عوف للأغذية الصحية المالكة لعلامة أبو عوف التجارية الغذائية الشهيرة.
وعلى صعيد الموانئ المصرية، باتت الاسكندرية لتداول الحاويات والبضائع مملوكة حاليا لأغلبية من صناديق الثروة الخليجية، بعد موافقة مؤسسات الدولة على بيع حصصها لتوفير سيولة من العملة الصعبة للبلاد.
واستحوذت القابضة أيه دي كيو على ثلث الشركة المدرجة في البورصة المصرية مقابل 186.1 مليون دولار في أبريل، وحذا صندوق الاستثمارات العامة السعودي حذوها بعد أربعة أشهر باقتناص حصة 20% مقابل نحو 156.3 مليون دولار.
كما باتت إحدى شركات الشحن الرائدة في القطاع الخاص في البلاد، مملوكة الآن لشركة موانئ أبو ظبي التابعة للقابضة أيه دي كيو، ودفعت موانئ أبو ظبي، التي تمتلك القابضة إيه دي كيو حصة الأغلبية فيها، 140 مليون دولار لشراء حصة 70% من شركة الشحن والخدمات اللوجستية المصرية إنترناشونال أسوسييتيد كارجو كارير "أي أيه سي سي)" وهي شركة استثمار مصرية تمتلك شركتين محليتين للخدمات اللوجستية البحرية: شركة ترانسمار، وهي خط شحن مقره مصر، ومشغل المحطات ترانسكارجو الدولية "تي سي آي".
ومن القطاع الخاص الإماراتي، تحاول شركة الأصباغ الوطنية القابضة الإماراتية الاستحواذ على شركة البويات والصناعات الكيماوية (باكين) المدرجة في البورصة المصرية، والتي تمتلك مؤسسات وبنوك حكومية أكثر من نصفها، بينما اشترت شركة ريمكو للاستثمارات 3% من شركة إيديتا الرائدة في صناعة وإعداد الوجبات الخفيفة.
وثيقة ملكية الدولة وبيع مزيد من أصول الدولة:
اعتمدت الحكومة المصرية خلال العام 2022، سياسة طرح الأصول السيادية والشركات الاستراتيجية للبيع لصالح الصناديق المالية والسيادية والشركات الخليجية (الإماراتية-السعودية- القطرية).
وفي إطار بيع الشركات، كانت الشركات الرابحة أكثر المستهدفين لدى الحكومة المصرية في إطار حاجة الدولة لنحو 40 مليار دولار لسداد خدمة ديونها، والمستحقة في 2022 و2023.
وجاءت عمليات البيع تنفيذا لوثيقة ملكية الدولة، والتي تهدف إلى تخارج الحكومة من قطاعات استثمار عديدة، وتشمل خططا لبيع 65 بالمئة من الأصول الحكومية للقطاع الخاص في خمس سنوات.
وفي هذا الإطار أسس الصندوق السيادي المصري في الشهر ذاته، صندوقا فرعيا يختص بإعادة هيكلة الأصول المملوكة للدولة وطرحها على القطاع الخاص.
ويأتي هذا وفق مطالب صندوق النقد الدولي، الذي طالب بتخارج المؤسسة العسكرية من الاقتصاد، الأمر الذي دفع للإعلان عن بيع بعض شركات الجيش بصفقات لم تتم حتى الآن.
وخصصت مبالغ حصلت عليها الدولة لسداد ديون مصر والتي تبلغ نحو 17.6 مليار دولار، وهذا يعني أن الحكومة المصرية ستواصل بيع الأصول والاقتراض الخارجي معا فقط لسداد الديون.
وخلال عام 2022 أجريت مفاوضات مصرية- صينية، بالعاصمة السويسرية جنيف لمبادلة ديون مقدرة بنحو 8 مليارات دولار بأصول مصرية استراتيجية، بين موانئ ومطارات. كما عقدت مباحثات فرنسية ألمانية مع مصر لمبادلة ديون القاهرة لديهما بأصول مصرية في قطاع الغاز.
وأعلنت "نيوميد إنرجي" الإسرائيلية (ديليك دريلينج سابقا)، عن نيتها الاندماج مع "كابريكورن إنرجي" البريطانية العاملة بقطاع النفط والغاز المصري بالصحراء الغربية المصرية وشمال الدلتا. كما أعلنت شركة الطاقة الإسرائيلية عن خططها لإطلاق شراكة مع "إنلايت" للطاقة المتجددة المدرجة في بورصة تل أبيب، للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة بمصر.
من جانبه يرى الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية الدكتور مصطفى يوسف: " أن الدولة المصرية أقدمت على بيع عدد كبير من الشركات الحكومية على الرغم من أن مطالب صندوق النقد كانت السماح للقطاع الخاص بالدخول في اقتصاد الجيش". معتقداً أن النظام سيقوم ببيع شركة أو اثنتين فقط من أصل 80 شركة تستحوذ عليها القوات المسلحة".
وأوضح الباحث في الاقتصاد السياسي، أن توجه الدولة لبيع أصولها بسبب سياسات النظام الاقتصادية والمالية الخاطئة التي أوصلت البلاد لتعويم العملة المحلية 3، لأن مصر تعاني من أزمة اقتصادية شديدة جدا مع سياسات الاقتراض والديون فإنالدولة ستواصل بيع الأصول في 2023، وفقا لطلب صندوق النقد الدولي، حتى لا يتبقى من أصول مصر شيئا وتصبح بيد السعوديين والإماراتيين.
مزيد من البيع في عام 2023:
وفقا لوثيقة ملكية الدولة، فمن المنتظر أن تطرح الدولة المصرية المزيد من الأصول والشركات أمام الصناديق والقطاع الخاص خلال العام 2023.
وهو ما أكده رئيس البورصة المصرية رامي الدكاني،الذي قال:" أن هناك أكثر من 21 شركة حكومية مرشحة لقيد وطرح أسهمها أو طرح حصص إضافية من أسهمها بالبورصة خلال 2023".
كما أعلن عن 8 شركات متوقع قيدها وطرح أسهمها، هي: "بنك الإسكندرية"، و"مصر للتأمين"، و"إنبي للبترول"، و"أسيوط لتكرير البترول"، و"الشرق الأوسط لتكرير البترول"، و"الوادي للصناعات الفوسفاتية والأسمدة"، و"الشركة المصرية ميثانكس لإنتاج الميثانول". مشيرا إلى وجود 9 شركات مقيدة بالبورصة ومرشحة لطرح حصص إضافية منها، وهي: "الإسكندرية للزيوت المعدنية" (أموك)، و"بنك الإسكان والتعمير"، و"إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية"، و"مدينة نصر للإسكان"، و"مصر الجديدة للإسكان"، و"مصر للألومنيوم"، و"سيدى كرير للبتروكيماويات"، و"أبوقير للأسمدة"، و"الإسكندرية لتداول الحاويات".
كما أكد الدكاني على أن هناك 4 شركات جاهزة بالفعل للطرح مباشرة دون انتظار عمليات تخارج خاصة قبل الطرح، وهي: "بنك القاهرة"، و"مصر لتأمينات الحياة"، و"شركة الحفر المصرية"، و"الشركة المصرية لإنتاج الألكيل والبنزين الخطي".
من جانبه يرى المدير السابق لمركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، عبد الخالق فاروق، أن هناك إنعدام شفافية في الصفقات التي تتم. معترضاً على السياسية التي تتبعها الدولة من تخصيص وبيع الأصول والممتلكات لسداد الديون الممتدة إلى تسعينيات القرن الماضي.
وأشار فاروق إلى وجود خطط أخرى من الممكن أن تتخذها الدولة بدلا من بيع الشركات وخصخصتها، مثل "إعادة تنشيط الشركات الحكومية لزيادة الإنتاج والإيراد، والإصلاح الضريبي، وإعادة النظر في أولوية الانفاق على مشروعات كبرى لا تدر عائداً ".