في كتاب معلل من 3 صفحات فولسكاب، أعطى رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي موافقة استثنائية بتاريخ 23 كانون الأول الفائت لفتح اعتماد بواخر الفيول، وأشار في الكتاب الى انه "نظرا لعدم الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء في الوقت الحاضر"، و"لتغطية شراء 66 ألف طن متريّ من الغاز أويل لصالح مؤسسة كهرباء لبنان يصار لاحقا الى إصدار المرسوم المتعلق بهذه السلفة عند الاقتضاء".
بحسب مصادر مطلعة على الملف، أتت موافقة ميقاتي بناء على نصيحة وزير المال في حكومة تصريف الاعمال يوسف خليل الذي ألحّ على وزير الطاقة وليد فياض واستعجله الطلب.
لكن ما الذي حصل بين ليلة وضحاها لينقلب كل من ميقاتي وخليل على ذلك، تسأل المصادر، موضحة في حديثها لوكالة انباء اسيا ان الرئيس ميقاتي انقلب على الاتفاق بذريعة ان السلفة بحاجة الى قرار من مجلس الوزراء، على نقيض منحه الموافقة الاستثنائية لوزير الطاقة، اما انقلاب وزير المال فقد جاء تحت ذريعة أن مؤسسة كهرباء لبنان لم تتعهد بإعادة أموال السلفة الى الخزينة.
هذا الامر أكدته وزيرة الطاقة السابقة النائب ندى بستاني، كاشفة عن الوثيقة التي اعطى فيها ميقاتي الموافقة الاستثنائية لفتح اعتماد بواخر الفيول.
وفي تغريدة لها على "تويتر"، قالت: "بالوثيقة: الرئيس ميقاتي بيعطي موافقة استثنائية لفتح اعتماد بواخر الفيول. بغض النظر عن دستورية الموافقة الاستثنائية، كيف بـ٢٣ كانون الأول ما كان في لزوم لمجلس وزراء وما كان في مشكلة بفتح الاعتمادات واليوم فجأة صار في لزوم وصار في مشكلة؟!".
في غضون ذلك، كشفت مصادر مطلعة أن الرئيس ميقاتي ووزير المال هما من نصحا بفكرة سلفة الخزينة التي تبلغ قيمتها 62 مليون دولار، لافتة الى ان الضجة التي افتعلها ميقاتي أراد منها التغطية على فضيحة تراجعه عن الـ10 ساعات كهرباء
وأكدت المصادر أن قرار استقدام بواخر الفيول اتخذه ميقاتي شخصيا في اجتماع في السرايا مع فياض وخليل، مع علمه بعدم توافر الإعتماد اللازم.
وانطلاقا من ذلك، استغربت المصادر من إجراء رئيس هيئة الشراء العام جان العلية المناقصة مع علمه المسبق بغياب الإعتمادات المالية.
وغداة هذا السجال الذي تصاعد على خلفية خطة الكهرباء والاتهامات المتبادلة بالتعطيل، خرج رئيس دائرة المناقصات، جان العلية، في مؤتمرٍ صحافيٍّ ليرُدّ على سؤالٍ طرحته بستاني حول "كيفية إجراء مناقصات لا اعتمادات لها؟" فقال إنّ "صلاحيات هيئة الشراء العام هي رقابية رصدية ولضبط مكامن الخلل وتقديم تقارير إلى الجهات المعنية ولا تملك هي صلاحيات منع المناقصات"، مشيراً إلى أنّه يجب عدم دفع الغرامات عن بواخر الفيول الموجودة في البحر من المال العام "لأنها تترتب عن خطأ شخصيّ".
وفي حين لفت إلى أنّه "يجب التدقيق الجنائي بكل الصفقات العمومية التي لم تعرّف المستفيد النهائي من هذه الصفقات والتدقيق في مصرف لبنان وحده لا يكفي"، شدّد على أنّ "هيئة الشراء العام لا تستهدف أي وزارة".
أما بالنسبة إلى قانون الشراء العام، فأوضح العلية أن "تنفيذ القانون بدأ في 29 تموز الماضي"، وأكد أنّ "هناك صعوبات كبيرة تواجه التطبيق"، لافتاً إلى أنّ "الجزء الأكبر منها يتعلق بالوضع الحالي في البلد، الذي يختلف عن الوضع الذي وضع فيه القانون".
وبالتزامن مع المؤتمر الصحافي، أعادت بستاني نشر تغريدات سابقة لها تطالب بالتدقيق الجنائي في وزارة الطاقة، قائلة: "بعد مرّة سبقناك بطلب تدقيق جنائي بوزارة الطاقة".
وكذلك دعت النائب ندى بستاني جان العلية إلى أن يشرح للرأي العام أنّ "حسابات وزارة الطاقة موجودة في مصرف لبنان وفي وزارة المال"، وأن يطالب بالتدقيق الجنائي فيهما أيضاً، مضيفةً: "نصيحة لمصداقيتك إذا بعدها موجودة".
الوثيقة التي كشفتها بستاني، عاد ونشرها الرئيس ميقاتي، مشيراً في بيان أصدره مكتبه الاعلامي الى ان "التيار الوطني الحر، بشخص نائبه ندى بستاني يصرً على إجتزاء الحقائق في محاولة للتنصل من تدخّلها المباشر في عمل السلطة التنفيذية، عبر نشر موافقة استثنائية صادرة عن رئيس الحكومة لفتح اعتماد مستندي لتأمين الفيول لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، ولكن كالعادة، تغافلت "سعادة النائب" عن مسألتين اساسيتين وردتا بوضوح في متن قرار الموافقة:
الاولى: الاشارة الواضحة الى وجوب صدور مرسوم بالسلفة المشار اليها( صفحة ٣ من القرار) وليس كما حاولت عبثا اغفال هذه الواقعة عن الرأي العام وأنّ تبدلاً ما قد حصل.
الثانية: وجوب التقيد المطلق بتنفيذ بنود الخطة الموضوعة من قبل مؤسسة كهرباء لبنان، اي الايضاح رسميا من قبل المؤسسة كيفية اعادة هذه السلفة للخزينة، حتى لا تلحق بكل السلف السابقة.
أمّا في الشق الدستوري، فنصح ميقاتي "مَنْ يوجّه السيدة البستاني بوجوب لفت نظرها الى التوقف عن التدخل في عمل السلطة التنفيذية والمشاركة في نقاشات تخص السلطة التنفيذية نيابة عن الوزير المختص، الحاضر الغائب، متناسية دورها النيابي، الا اذا كان "التيار الوطني الحر" يعتبر أننا اصبحنا في زمن الحزب الواحد الذي يتولى السلطتين التشريعية والتنفيذية معا".
وفي ما بتعلق بالاشكالية المالية والقانونية المتعلقة ببواخر الفيول، فقد رفض ميقاتي الرد وفضّل إحالة ما ورد اليوم على لسان رئيس هيئة الشراء العام جان العلية إلى الرأي العام.
"حرب وثائق" إذا اندلعت بين ميقاتي وبستاني، كل طرف يُفند ما يسميه مغالطات بالنسبة للطرف الاخر، والنتيجة ان معامل الكهرباء في لبنان نفذ منها الفيول، والبواخر ترسو في البحر ويتكبد الشعب اللبناني الغرامات، ويدفع ثمن هذا "السجال الكهربائي" عتمة في المنازل والمحال التجارية والشركات.