بعد سنوات من الحرب، وتغيّر خريطة السيطرة العسكرية في سوريا، وما نتج عنها من آثار اقتصادية واجتماعية وأمنية، تصاعدت الاقتتالات والخلافات ذات الطابع العشائري، في مجتمع تشكل العشائرية ركن أساسي في معظم محافظاته.
وشهدت المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا، تصاعداً لافتاً في معدل الاقتتالات العشائرية والعائلية بغرض الثأر وغيره، والتي تندرج ضمن إطار الفوضى وانتشار السلاح بشكل عشوائي بين المدنيين، دون وجود رادع قانوني، حيث كشفت تقارير صحفية، خلال كانون الأول الفائت، 13 إقتتالاً أفضت إلى مقتل 13 شخصاً.
ووثقت منظمات حقوقية 109 اقتتالاً مسلحاً لأسباب متنوعة ومختلفة، وتسببت تلك الاقتتالات بمقتل أكثر من 94 شخصاً هم 26 مدنياً بينهم 8 أطفال و8 مواطنات، و81 من المسلحين، بالإضافة لإصابة العشرات إن لم يكن المئات بجراح متفاوتة.
وتصدرت دير الزور المشهد بأكثر من 68 اقتتالاً، فيما سُجّل في الرقّة 20 اقتتالاً، بينما رُصد ما لا يقل عن 12 اقتتالاً في الحسكة، وأخيراً حلب شهدت تسعة اقتتالاتٍ على الأقل.
ورأى مصدر عشائري رفض الكشف عن اسمه أن البعض وجد في الفلتان الأمني خلال سنوات الحرب، وخصوصاً بعد المصالحة، فرصة لأخذ ثأره وتصفية حساباته وتفريغ حقده. مستدلا بحوادث “ثأر”، نفذها شبان مراهقون مستغلين انتشار السلاح في أعقاب اندلاع الحرب السورية، رداً على عمليات قتل “وقعت في وقت لم يكن بعض هؤلاء مولودين أصلاً”، على حد قوله.
وأكد وجود “خلل كبير في مفاصل العشائر، شرق الفرات وغربه، منذ بداية الأحداث، وكان لذلك تأثيراً كبيراً على المجتمع العشائري بشكل عام، "إذ كان يوجد سابقاً “مرجعيات عشائرية كبيرة تتحكم بمفاصل العشيرة، وأي خلاف عشائري يرد إليها ويحل بالطرق المرسومة للعشائر، سواء عن طريق العرف أو الشرع أو التقاليد، لكنها لم تعد موجودة اليوم”.
وأسهم “التقزيم العشائري”، كما وصفه المصدر، في زيادة النزاعات العشائرية، إذ كان “شيوخ ووجهاء عشائر يتحكمون بأفراد العشيرة سابقاً، لكن الآن هناك انفلات في قيادة العشائر”، إضافة إلى “وجود أيادٍ خارجية تلعب بمفاصل العشائر من دول الجوار، وتحاول التحكم بشيوخ العشائر، من أجل زعزعة الاستقرار ومنع التلاحم العشائري”.
ونتيجة لهذا الخلل “صار الثأر العشائري يُؤخذ بطريقة عشوائية وهمجية، وسط غياب السلطة الرادعة بشكل حقيقي، وهو ما أعطى ضوءاً أخضر لفئة الشباب، الذين لا ينصاعون للسلطة أو للعشيرة”.