لم يصمد جدول اسعار وزارة الطاقة للمحروقات طويلاً امام الضغط الذي مارسته "كارتلات" شركات المحروقات والموزعين، فبعد سلسلة اتصالات وطلب من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بالتراجع عن الجدول وإصدار تسعيرة جديدة وفق سعر دولار السوق السوداء، رضخ وزير الطاقة وليد فياض للأمر، بعدما قام بما يمليه عليه واجبه تجاه المواطن الذي يتعرض لعملية نصبٍ بحسب تعبير فياض.
فبعد الضجّة التي سادت صفوف موزّعي المحروقات وأصحاب المحطات، نتيجة الانخفاض الكبير في أسعار المحروقات، ورفضهم تطبيق التسعيرة الجديدة بذريعة أنّ السعر المحتسب وفق منصة صيرفة، أي 38 ألف ليرة، لا يتطابق مع واقع عدم تجاوب المصارف لطلباتهم واضطرارهم للشراء مجدداً عبر السوق السوداء، ولأنّ هذا لم يعجب التجار، عمدوا الى اقفال المحطات وحرموا الناس من البنزين عشية الاعياد، وكي لا يبقى المواطن أسير الاقفال عادت الوزارة واصدرت التسعيرة على أساس سعر الصرف، بعدما أجرى وزير الطاقة سلسلة اتصالات ومشاورات على أثر البلبلة التي حصلت في السوق المحلي، وطلب توضيحاً خطياً عن آلية تنفيذ بيان مصرف لبنان والإلتزام به من كلٍّ من المصرف المركزي و المصارف، وبعدما تلقى كتاباً خطياً من رئيس الحكومة يطلب فيه العودة عن قراره والإبقاء على تسعيرة المحروقات ربطاً بسعر الصرف في السوق الموازية الى حين التمكن من تنفيذ الآلية، بعدما تبيّن أن المصارف التجارية لم تتمكن من تلبية طلبات السوق كافة تنفيذاً للبيان الصادر عن مصرف لبنان، عاد وأصدر التسعيرة وفق سوق السوداء، فأُضيفت 80 ألف ليرة إلى سعر البنزين 95 أوكتان، و83 ألفاً إلى سعر البنزين 98 أوكتان، و90 ألفاً إلى سعر المازوت، و53 ألفاً إلى سعر الغاز.
ومنعاً لأي إلتباس أو تحريف أو اجتزاء او استغلال لمضمون كتاب رئيس الحكومة إلى وزير الطاقة، بشأن تحديد سعر مبيع المحروقات السائلة، أوضح المكتب الإعلامي لميقاتي، أنّه بعدما تفاقمت أزمة توزيع المحروقات ما انعكس سلباً على مصالح المواطنين في فترة الأعياد، جرى التواصل بين ميقاتي ووزير الطاقة، فطلب الوزير تغطية رئيس الحكومة لقرار التراجع عن اعتماد السعر الجديد إلى حين انتظام عمل المصارف وفق آلية التسعير الجديدة لصيرفة.
وأشار إلى أنّه على هذا الأساس وجّه ميقاتي كتاباً إلى فياض، بناءً للطلب المذكور، بالإبقاء على تسعيرة بيع المحروقات ربطاً بسعر الصرف في السوق الموازية لحين الانتهاء من وضع الآلية المذكورة.
وبمعزل عن "التخريجة" التي أدّت الى معاودة ارتفاع أسعار المحروقات، كشفت أزمة انقطاع المحروقات الكثير في ما يخص السياسة النقديّة التي يعتمدها المركزي، بحسب خبراء الاقتصاد، معتبرين أنّ البلبلة التي حدثت عكست تراجع مصداقيّة المركزي وبياناته التي باتت أقرب إلى قنابل صوتيّة تصدر بين الفينة والأخرى، من دون أن تعكس أي معالجات أو إجراءات حقيقيّة.
فأزمة البنزين نفسها كشفت أنّ مفعول بيانات "المركزي" لم يعد يتجاوز حدود المضاربة على سعر صرف الدولار في السوق، من دون أن تتضح حتّى اللحظة هويّة المستفيدين الحقيقيين من هذه التعميمات.
في غضون ذلك، رأت نقابة أصحاب محطات المحروقات في لبنان أنّ قرار "مصرف لبنان في الامس باحتساب البنزين حسب سعر صيرفة أدّى الى عودة الطوابير على المحطات"، وتابعت في بيان "وبناءً على تعديل السعر اليوم وعودة الوزارة عن قرارها نتمنى من مصرف لبنان عدم العودة الى هذا القرار في الاسبوع المقبل بدون وضع آلية تكون عمليةً وواضحةً لتسليم المحطات الدولار حسب سعر صيرفة وإلا سنعود لنفس التخبط الذي حصل بالأمس".