ما يقرب من 8 أشهر مروا في تحضير جلسات الحوار الوطني، دون خطوات متقدمة، إذ تم تأجيل بدء الجلسات لأكثر من مرة دون أسباب واضحة، وهو ما يثير التساؤلات حول أسباب تأجيل الحوار الذي دعي له في مايو الماضي عقب إفطار الأسرة المصرية.
وكانت أحزاب الحركة المدنية التي تضم عدداً كبيراً من الأحزاب المعارضة على رأسهم؛ الكرامة، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والمحافظين، والدستور، والوفاق القومي، والاشتراكي المصري، والعيش والحرية (تحت التأسيس) وإلى جانبهم عدد من الشخصيات العامة، قد أعلنت في 8 مايو الماضي قبولهم مبدأ الحوار السياسي مع السلطة، على أن يتضمن عدداً من الضوابط الإجرائية والموضوعية، التي اعتبروها ضمانة لأن يكون حوارًا جادًا وحقيقيًا، لا مجرد تجميل للواجهة.
لكن في المقابل، تسير السلطة في اتخاذ عدد من القرارات والإجراءات وبخاصة سواء على المستوى السياسي في ملف القبض على المواطنين على خلفية تعبيرهم عن الرأي، أو على المستوى الاقتصادي مثل إطلاق وثيقة ملكية الدولة أو قانون إنشاء صندوق قناة السويس الذي وافق عليه البرلمان بشكل مبدأي وعارضته الحركة المدنية بشدة.
وفي شأن أسباب عدم انطلاق الحوار حتى الآن، يقول خالد داوود المتحدث باسم الحركة المدنية، "نحن لسنا الجهة الداعية للحوار وأسباب التأخير يسأل عنها هذه الجهة، فمن جهتنا حضرنا جميع الاجتماعات وتقدمنا بقائمة أسماء للإفراج عنهم" .
وأضاف داوود:" نحن نريد إطلاق سراح السجناء وفقا للقائمة التي تم تسليمها منذ شهر مايو الماضي، وهناك أسماء بالفعل تم إطلاق سراحها، لكن هناك آخرون مازال مصيرهم عالق مثل أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد أكسجين ومحمد عادل ومروة عرفة وغيرهم، وبالتالي من الأفضل أن يبدأ الحوار بعد إخلاء سبيل السجناء، ونحن كنا مهتمين بتطبيق مبدأ المناصفة والمشاركة قد الامكان في كل اللجان الخاصة بالحوار".
واستطرد المتحدث باسم الحركة المدنية، أن "القرارات التي أخذتها الدولة مؤخرا مثل إطلاق وثيقة ملكية الدولة وصندوق قناة السويس كان من الأفضل أن يتم مناقشتها خلال الحوار الوطني، فهذه الإجراءات المتسارعة من قبل النظام أحد مصادر إثارة الشكوك في جدية الحوار، فهذه السلسلة المتتالية من القرارات الاقتصادية بدون انتظار نتائج الحوار، إلى جانب عدم التوقف عن إلقاء القبض على المواطنين والمواطنات بسبب التعبير عن الرأي على وسائل التواصل الاجتماعي، يجعل هناك شكوك حول جدية الحوار".
وأشار داوود إلى أنه على الرغم من إطلاق سراح المئات خلال الفترة الماضية، لكن في المقابل عملية القبض على المواطنين بسبب آرائهم مازالت مستمرة، وعلى سبيل المثال ما حدث بسبب دعوة 11/ 11، حيث تم القبض على عدد من المواطنين مثل زياد أبو الفضل من حزب العيش والحرية إلى جانب عدد من الصحفيين مثل الصحفية منال عجرمة وأخرين. نحن نريد تغيير حقيقي في الممارسات على الأرض، لنطمئن من جدية الحوار.
الأمر نفسه أشار إليه رئيس التحالف الشعبي الاشتراكي وعضو الحركة المدنية مدحت الزاهد، الذي يرى أن على السلطة التوقف عن ممارستها الاقتصادية وإرجائها لحين الحوار الوطني، وأن الهدف من الحوار هو مشاركة المعارضة في القرارات الهامة التي تأخذ وتهدد مصير هذا الوطن.
وأضاف أن إصرار السلطة على اتخاذ تلك القرارات الاقتصادية بالإضافة إلى توقف الإفراج عن المحبوسين يفرغ الحوار من مضمونه، ويجعل هناك حالة من التشكك حول جدية الحوار والهدف منه.
وكانت الحركة المدنية قد أشارت في بيانها الذي أصدرته في 20 ديسمبر الماضي لإعلان رفضها لمشروع صندوق قناة السويس، أنه سبق وطالبت الحركة مؤسسات الحكم في بيانها في ٦ سبتمبر الماضي بعدم الاندفاع في اتخاذ قرارات اقتصادية تتعلق بالأصول ذات الطابع الاستراتيجي، والتي تمس الأمن القومي قبل أن تستمع إلى رأي المعارضة في الحوار الذي دعت إليه، لأن من شأن هذا الأسلوب إهدار قيمة الحوار وجدواه. وأكدت الحركة نفس هذا المعنى فى المؤتمر الذي عقدته بحزب المحافظين في ١١ ديسمبر، مؤكدة أن مقتضيات الحوار تستوجب طرح القضايا الكبرى للنقاش أولًا قبل اتخاذ قرارات بشأنها.
من جانبه يرى القيادي بحزب العيش والحرية- تحت التأسيس وعضو الحركة المدنية أكرم إسماعيل، أن
الوضع الاقتصادي صعب جدا والدولة تتحرك في سياقات مختلفة جدا لحل الأزمة.
ويرى إسماعيل أن هذه السياقات لها أثمان باهظة مثل إنشاء صندوق لقناة السويس والاقتراض بإسمه، إلى جانب أن الحركة المدنية تشعر بأن دخولها الحوار في ظل هذا المشهد؛ أولا سيتسبب في حالة توتر شديد أو سيحسب عليها تلك المواقف.
وأضاف القيادي بحزب العيش والحرية، أنه لا يوجد شيء يقف في انتظار الحوار وأن هناك تحرك على جميع المستويات من قبل الدولة، وهناك شعور بوجود أزمة كبيرة جدا وأن الحوار ليس عملية مهمة لرسم تلك السياسات وبالتالي أي خطوة الآن إما ستكون مساحة لزيادة التوتر أو ستكون "توريطة" للمعارضة وهناك مصلحة لدى جميع الأطراف أن لا يكون هناك استعجال في مسألة الحوار، إلى جانب وجود حالة من التراجع عن الإفراج عن السجناء السياسيين بشكل واضح.
وأشار عضو الحركة المدنية إلى أنه من الواضح أن تحركات الدولة بشكل متسارع يضع الحوار بين قوسين، وأن والدولة تتخذ خطوات متسارعة ولا تنتظر رأي المعارضة للتعديل على مساره ونحن لسنا في حالة هادئة أو شبه هادئة تسمح لنقاش وتقييم ما حدث من إيجابيات وسلبيات، الأزمة مستحكمة والسلطة ترى أنها ليست بحاجة للنقاش للخروج من الأزمة، فهذا يجعل النقاش ليس أولوية عند جميع الأطراف.
وأوضح إسماعيل، أن هناك بعض الاجراءات التي تتخذها الدولة لا تقبلها المعارضة جملة وتفصيلا، وتسارع الدولة في اتخاذ تلك الإجراءات يفرغ الحوار من محتواه، وفي رأيي أن الدولة لن تتراجع عن مسارها فيما يخص الإجراءات الاقتصادية. متسائلا:" لكن على الأقل هل يمكن أن يكون الحوار فرصة لإنشاء مجال سياسي لمعارضة النظام وسياساته هل هذا ممكن؟ هل من الممكن خروج المعارضة من الحوار بقانون انتخابات أفضل يتيح لها الفرصة للعمل في المحافظات وفي الشارع من أجل معارضة النظام بشكل سلمي هل هذا من الممكن أن يكون مسموح؟ إذا كان هذا سيكون نتيجة الحوار أنا موافق عليه، لكن إذا كان الحوار لن يكون مساحة لوقف السياسات والتفكير فيها، ولا مساحة للتعبير عن رأينا كمعارضة، فهذا يجعل الحوار بين قوسين.