رفض قطاع كبير من النقابيين والأحزاب قانون العمل الجديد، وذلك بالتزامن مع طرحه في مجلس النواب استعدادا لمناقشته، إذ يرى المعترضون أن القانون كان لابد أن يطرح للحوار المجتمعي قبل إقراره، بالإضافة إلى وجود بعض الاعتراضات على مواد القانون، إذ يجد فيه بعض النقابيين والنشطاء استنساخاً من قانون العمل القديم 12 لسنة 2003 وما يحتويه من أزمات ومشاكل، وفيما اعتبر آخرون أن هناك بعض المواد في القانون الجديد أشد خطورة على حقوق العمال ومكتسابتهم من القانون الحالي.
قانون ينتقص من حقوق العمال:
من جانبه يرى رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص شعبان خليفة أن هذا القانون إذا أقر بهذه الطريقة فهو أسوء من قانون 12 لسنة 2003. مشيرا إلى أن القانون خرج من مجلس الشيوخ بإنتقاص من حقوق العمال في الأجر، بمعنى أن المادة الثالثة في صدر قانون 12 لسنة 2003 تنص على أن العلاوة الدورية الثانوية 7% وفوجئنا أنها انتقصت في القانون الجديد بعد خروجه من البرلمان، إذ خفضت بالمشروع الجديد إلى 3% من الاشتراك التأميني بالمخالفة للمادة الثانية والمادة 12 من مشروع القانون.
كما أشار إلى القانون مشروع القانون الذي ميّز بين عمال خدم المنازل المصريين والأجانب. إذ أن المادة (4) من الأحكام العامة بالقانون لا تسري على خدم المنازل ومن في حكمهم. بالمخالفة للمادة 53 من الدستور.
وتنص المادة 53 من الدستور المصري على أن «المواطنون لدى القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الإعاقة أو المستوى الاجتماعي أو الانتماء السياسي الجغرافي أو لأي سبب آخر».
كما انتقد رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، عدم طرح مشروع القانون الحالي لحوار مجتمعي حقيقي في الأوساط العمالية، ومع المنظمات المدنية الواجب أخذ رأيها في مشروع القانون طبقًا للدستور. مشيراً إلى أن عدم عرضه على الحوار الوطني لا يأتي في صالح العمال والعملية الإنتاجية.
واستكمل خليفة تحفظاته قائلاً:" أن مشروع القانون الجديد جاء بــ“عقد العمل الفردي” في المادة 69 لتنص على أن يبرم العقد غير محدد المدة أو لمدة محددة لا تقل عن سنة. وبذلك أطاح المشرع بأحلام العمال بالأمان الوظيفي. والأصل أن يكون العقد غير محدد المدة. فيما البند 3 من المادة 70 لا يحقق الاستقرار والأمان الوظيفي".
كما أشار إلى أن المادة 138 تنص على أنه إذا أنهى صاحب العمل عقدا غير محدد المدة لسبب غير مشروع استحق العامل تعويضا بمقدار أجر شهرين عن كل سنة خدمة. وهذا ينتقص من مكتسبات العمال. إذ إن القانون الحالي أقر بما يقل عن شهرين من الأجر الشامل.
وذكر رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، أنَّه يجب إضافة جملة «صرف أجر كاملًا» للمادة 118 التي تنص على أنَّه «لصاحب العمل أن يوقف العامل عن عمله مؤقتا بموجب قرار مكتوب لمدة لا تزيد على 60 يومًا، مع صرف أجره في حالات معينة.
كما طالب بضرورة إضافة جملة «لا يجوز الفصل من الخدمة إلا بعد العرض على المحكمة العمالية المختصة» للمادة 112 من القانون الجديد والتي نصت في الفقرة الأخيرة على أنَّه «في جميع الأحوال لا يجوز الفصل من الخدمة إلا وفقًا لأحكام هذا القانون».
وفي السياق، أصدرت دار الخدمات النقابية تعليقا على مشروع القانون تقرير ملاحظات بشأن الصياغة النهائية له. وأوضح التعليق أن مشروع القانون الجديد أبقى على غالبية مواد القانون القديم وأحكامه. في المقابل قدم دار الخدمات ملاحظات تخص عقود العمل والأجور والعمالة غير المنتظمة والحق في الإضراب.
إذ حظر مشروع القانون ممارسة الإضراب في “المنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التي يترتب على توقف العمل بها الإخلال بالأمن القومي. أو بالخدمات الأساسية التي تقدم للمواطنين. ويصدر قراراً من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت.
وتنص المادة 121 من مشروع القانون في البند 8 على أنه يجوز فصل العامل إذا لم يراعِ الضوابط الواردة في المواد من 200 إلى 202 -الخاصة بالإضراب.
تحفظات لاتحاد الصناعات
من جانبه قال المهندس هانى محمود، رئيس لجنة العمل باتحاد الصناعات، أن هناك بعض من الملاحظات لاتحاد الصناعات على مشروع القانون؛ وانحصرت تلك الملاحظات في 17 مادة من مواد مشروع القانون.
وأضاف رئيس لجنة العمل باتحاد الصناعات من بين المواد التي لدينا ملاحظات عليها المادة رقم (18)، المتعلقة بصندوق تمويل التدريب والتأهيل، حيث طالب بضرورة أن تكون نسبة تمثيل رجال الأعمال في مجلس إدارته لا تقل عن 50%، خاصة وأن مصادر تمويل هذا الصندوق من أموال رجال الأعمال.
وأشار إلى أن الملاحظات أيضاً تشمل المادة (19)، وتقضي بأن تؤول فوائد أموال صندوق تمويل التدريب والتأهيل إلى الخزانة العامة، رافضا هذا باعتبار أن أموال الصندوق خاصة، كما طالب بإلغاء مادة رقم (32)، معللا ذلك أن رعاية وتشغيل العمالة غير المنتظمة من اختصاص وزارة التضامن الاجتماعي وليست مسئولية رجال الأعمال.
أحزاب ونقابات تطالب بالحوار المجتمعي للقانون
طالبت منظمات نقابية ومراكز حقوقية وأحزاب سياسية وشخصيات عامة وقيادات نقابية وعمالية، بحق الغالبية الساحقة من المجتمع المصري، وفي مقدمتها العاملين بأجر، البالغين نحو 27 مليوناً، في إجراء حوار مجتمعي واسع، حول مشروع قانون العمل الجديد، المقدم من الحكومة، متضمنا رغبات رجال الأعمال فقط، دون الاستماع لممثلي الطرف الرئيسي صاحب المصلحة فيه، باعتباره أهم وأخطر التشريعات الاجتماعية في أي مجتمع، داعين الفئات المتضررة من إصدار هذا التشريع الجديد لإعلان رفضها له.
وفي بيان أطلقه هؤلاء، أشاروا إلى أن إصرار الحكومة على عدم إجراء حوار مجتمعي بشأنه، وعدم الاستماع لرأي الطرف الرئيسي في علاقات العمل، وهم العمال، وتجاهل طلبات المنظمات النقابية "المستقلة" التي أنشأها العمال طبقاً لقانون الحرية النقابية وحق التنظيم بعقد جلسات استماع لها، عند مناقشة المشروع في مجلس الشيوخ، ثم في مجلس النواب، سيؤدي بالضرورة إلى تزايد التوترات في بيئة العمل، التي يشكل استقرارها أهم عوامل الاستقرار الاجتماعي.
وأكد البيان أن قانون العمل لا يهم العمال فقط، بل يشمل فئات واسعة من المهندسين والمحامين والتجاريين والأطباء والصحفيين وغيرهم، الذين يعملون بأجر في مواقع العمل بمختلف القطاعات، وبذلك يشمل القانون كل القوى العاملة، والتي تشكل مع أسرها الأغلبية الساحقة من المجتمع.
وأضاف أن الدعوة لحوار وطني للخروج من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي نتجت عن السياسات المتبعة طوال الأعوام الست الماضية، تتناقض تماماً مع مواصلة الحكومة منفردة، ودون الاستماع لأي آراء أخرى، تنفيذ نفس سياساتها المتسببة في تفاقم الأزمات، والتمادي في إصدار تشريعات اجتماعية دون حوار مع الطبقات صاحبة المصلحة فيها، مكتفية بالتحاور مع رجال الأعمال، لتزيد من إهدار الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال والكادحين وتدفع بالمزيد من شرائح الطبقة الوسطى إلى مهاوي الفقر والبطالة.
وأوضح الموقعون أن استسهال إصدار القانون مع استبعاد قطاعات عديدة من العاملين من الفئات المخاطبة بشأنه، والتي تشمل قطاعات واسعة من العمالة غير المنتظمة وعمال المنازل وغيرهم، يعني حرمانهم من أي غطاء تشريعي يضمن حقوقهم، ويشكل انتهاكاً للمبادئ الدستورية والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي وقعت عليها مصر وأصبحت قانوناً واجب التطبيق محلياً.
وعلى مدار 9 سنوات، مر قانون العمل بالعديد من المراحل، والتي بدأت بمسودة قدمتها حكومة إبراهيم محلب عام 2014 وإصداره قرارا وزاريا بتشكيل لجنة للحوار المجتمعي حول المسودة. وواجه القرار انتقادات عنيفة من العمال وقيادتهم نظرا لغلبة التمثيل الحكومي في اللجنة.
وفي أغسطس/آب 2016 أعلنت حكومة شريف إسماعيل الانتهاء من صياغة مسودة أخرى للقانون. وقد تحاشت الحكومة حينها إجراء حوار مجتمعي وتمت إحالة المشروع مباشرة لمجلس الدولة تمهيدا لعرضه على مجلس النواب.
إلا أن مجلس الدولة قدم 60 ملاحظة. وذلك في ضوء أحكام الدستور والمحكمة الدستورية العليا والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالعمل. وعاد المشروع إلى مجلس الوزراء.
ومؤخراً انتهت لجنة القوى العاملة من مناقشة وإقرار المسودة الثالثة التي أعدتها الحكومة المصرية لقانون العمل، ومن ثم تم إحالته لمجلس الشيوخ. والذي حسم أمره بعد عدة جلسات لتظهر المسودة بشكل نهائي انتظارا لإقرارها في مجلس النواب.