ضربت موجة الغلاء الطبق الشعبي في مصر، وطال تدهور الجنيه المصري أمام الدولار وجبات المصريين الأساسية، والتي كانت بمثابة الملاذ الآمن لهم عند غلاء وتضخم أسعار اللحوم والأسماك والدواجن.
الكشري والفول والعدس، كانت وجبات بديلة يلجأ إليها الفقراء في مصر، هرباً من غلاء الأسعار، في محاولة لتوفير البدائل الغذائية لأسرهم بأسعار أقل، لكن غلاء الأسعار الذي شهدته مصر مؤخراً بشكل فادح، أثر بشكل كبير على تلك الوجبات، فقد ارتفعت أسعارها ، ولم تعد هذه الوجبات في متناول الفقراء!
الفول لم يعد الحصن الأخير:
ظل طبق الفول الحصن الأخير لمعدة الفقراء في ظلّ غلاء الأسعار، قبل أن تتغير المعادلة بوصول التضخم العالمي إليها مهددًا آخر لقمة في جوف قطاع عريض من المصريين.
ويعتمد أغلب العمال والموظفين على طبق الفول الذي يحصلون عليه من خلال عربات الفول المنتشرة في شوارع مصر منذ الصباح الباكر، وتضم مصر نحو 75 ألف عربة فول بحسب تقديرات حكومية تعود لعام 2012. إذ تنتشر في كل الميادين والشوارع الرئيسية. خاصة قرب الجهات الحكومية لتستقبل مئات الآلاف من الموظفين في بداية رحلة الروتين اليومي.
كما تعتمد الكثير من الأسر المصرية على أكلة الفول التي يحصلون عليها من مطاعم الفول والفلافل المنتشرة في كل أنحاء الجمهورية.
لسنوات طويلة ظل الحاج كامل عبد الحميد الذي يعمل موظفاً في إحدى الشركات الموجودة في منطقة وسط البلد، يحصل على فطوره بشكل يومي من خلال عربة فول موجودة بالقرب من مكان عمله.
إذ كان طلبه المعتاد طبق فول وقرص فلافل وحيد وبيضة وسلطة من الحجم الصغير. والأخير أغلبه مياه أكثر من الخضار. مع رغيفي خبز.
فجأةً! تغيرت معادلة الحاج كامل بعدما ارتفع سعر الطلب التقليدي ليصل إلى 15 جنيها حاليًا. في ظل ارتفاع سعر الفول وجميع المستلزمات خلال موجة الغلاء الأخيرة.
ويبلغ متوسط سعر كيلو الفول المستورد تدميس بين 24 جنيها و26 جنيها، فيما يصل سعر كيلو الفول البلدي ما بين 28 و32 جنيها، ويبلغ سعر الفول المدشوش بين 23 جنيها و25 جنيها.
كما شهدت أسعار الزيوت في مايو/ أيار الماضي ارتفاعا بمتوسط نحو 23% في سعر الزجاجة بالسوق الحرة عن إبريل/ نيسان السابق.
لترتفع بنحو 9 جنيهات للزجاجة التي يبلغ وزنها أقل من لتر. وتصل الزيادة إلى نحو 23 جنيهًا في الزجاجة التي يبلغ وزنها 2.2 لتر.
فيما تتفاوت أسعار سندويشات الفول من عربة إلى أخرى ومن العربات إلى محلات بيع الفول والفلافل، إذ يتراوح سعره ما بين 3 جنيهات إلى 8 جنيهاً، بعدما كان يتراوح سعره من جنيهٍ واحدٍ إلى 3 جنيهات، فيما وصل سعر طبق الفول إلى 7 جنيهات بعد أن كان 3 جنيهات.
ووفقا لآخر بيانات عن الغرفة التجارية في مصر فيبلغ استهلاك مصر من الفول حوالي 700 ألف طن سنويًا، منها 580 ألف طن مستورداً من أستراليا وإنجلترا وليتوانيا، بجانب الفول المصري الذي يبلغ حجم إنتاجه بين 120 و150 ألف طن سنويًا .
وتستهلك مصر حوالي 400 ألف طن من الفول "الجرش" او "المدشوش" الذي يتم تحويله إلى طعمية وفلافل ويتبقى 300 ألف طن في شكله الطبيعي.
ووفقاً لمصدرٍ داخل الغرف التجارية بالقاهرة فإن الفول المصري يتم تصدير أغلب كمياته إلى الخارج باعتباره مطلوبا خارجيا ويتميز بجودته وأنه عريض الحبة.
ووفقا لآخر بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن مصر تستورد فولاً مدمساً بنحو 180 مليون دولار.
العدس لم يعد بروتين الفقراء في الشتاء:
تقول وفاء عبد العليم ربة منزل عن أهمية العدس للبيوت المصرية وبخاصة الفقراء: "متزوجة منذ 15 عاماً، ولدي 3 أطفال، وزوجي عاملٌ في مجال الكهرباء(كهربائي)، على مدار سنوات زواجي كانت وجبة شوربة العدس من أهم الوجبات التي أعتمد عليها في فصل الشتاء نظرا لقيمتها الغذائية وتكلفتها القليلة (على قد الإيد)".
وتضيف وفاء، "لكن مع موجة الغلاء الفاحشة التي نعاني منها، أصبحت وجبة العدس تكلفتها عالية مقارنة بالسنوات الماضية". متسائلة" أفهم أن اللحمة تغلى الفراخ تغلى، إنما لما العدس يبقى بالأسعار ديه الغلابة ياكلوا إيه!".
في سبتمبر/أيلول 2022- حسب مؤشر منظمة الأغذية والزراعة- ارتفعت أسعار الحبوب بمقدار 11.2% عن مستواه في سبتمبر/أيلول 2021.
وتزيد الأزمة في مصر التي تستورد أكثر من 98% من احتياجها المحلي من العدس، والذي يبلغ نحو 280 ألف طن سنويًا وفقًا لبيانات وزارة الزراعة المصرية.
من جانبه يقول فتحي عبد الله- أحد تجار الحبوب- إن الإقبال على شراء العدس أصبح اقل بكثير من ذي قبل. وأضاف :"زمان وجبة العدس كانت بتاعة الفقراء الغلابة/ النهارد كيلو العدس وصل لـــ45 جنيه يعني تقريبا خلال الفترة الأخيرة، غلي لأكتر من ضعف سعره".
ارتفع سعر كيلو العدس اليوم في محال تجار الجملة والتجزئة بنحو 3 جنيهات، وذلك بعد أن كان سعر الكيلو بـ40 جنيهًا في الجملة، و45 جنيهًا في التجزئة.
ويتراوح سعر العدس اليوم في محال الجملة بـ45 جنيهًا، وفي التجزئة بـ47 جنيهًا، في حين بعض المحال التجارية تطرحه بسعر يصل إلى 48 جنيهًا.
في حين يتراوح سعر علبة شوربة العدس في المطاعم الشعبية ما بين 15 إلى 20 جنيهًا، وفي المطاعم الكبرى من 20 إلى 25 جنيهًا.
وكان حسين أبو صدام نقيب الفلاحين قال في تصريحات صحفية، "إن زيادة سعر كيلو العدس تعود إلى ارتفاع سعر الطن إضافة إلى تراجع حجم الإنتاج عالمياً" .
وأوضح أبو صدام، "أن حجم الاستهلاك من العدس سنويًا يصل إلى 100 ألف طناً، منهم 70 ألف طناً في فصل الشتاء فقط" . مشيرا إلى "أنه يتم استيراد نحو 97% من حجم استهلاك السوق المحلية من العدس".
الكشري يودع البسطاء:
أمام إحدى محال الكشري الموجودة في وسط القاهرة، وقفت السيدة نجاة توفيق والتي تعمل في إحدى محال الملابس في نفس المنطقة، لتتفقد أسعار أطباق الكشري والتي وصلت إلى أسعار مهولة، لتقرر بعدها أن تتراجع عن فكرة شراء علبة كشري وتكتفي بشراء فطيرة صغيرة الحجم من إحدى الأفران.
تقول السيدة الأربعينية، "طبق الكشري كانت من أهم الأكلات لدينا كعمال نقضي معظم وقتنا ويومنا في العمل، وبخاصة أن المحلات في أوقات الأعياد تظل تعمل حتى وقتٍ متأخرٍ، فكان طبق الكشري من أهم الوجبات التي نعتمد عليها نظراً لتوفّره، وتكلفته البسيطة، لكن خلال الأشهر الأخيرة، ارتفع سعر طبق الكشري بشكل كبير، فأنا أصبحت لا استطيع دفع 30 جنيه في طبق كشري".
وخلال السنوات الأخيرة ارتفعت أسعار اطباق الكشري مع تعويم الجنيه عام 2016، إلا أن سعره ارتفع بشكل ملحوظ ومبالغ فيه خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ أصبح يتراوح سعره ما بين 20 جنيهاً للحجم الصغير ليصل إلى 150 جنيهاً للحجم العائلي.
من جانبه قال أحمد الباشا، رئيس شعبة الحاصلات الزراعية لوكالة أنباء آسيا، إن "هناك بعض أصحاب المحال يستغلون موجة ارتفاع الأسعار لزيادة أسعار أطباق الكشري بشكل مبالغ فيه. مشيراً إلى أن هناك زيادة أسعار حصلت بالفعل ولكن لا تؤدي إلى ارتفاع السعر بهذا الشكل.
" وأشار إلى "أن ارتفاع أسعار الحبوب والبقوليات يعود إلى أنّ معظمها مستورد، والارتفاع الذي طال أسعارها أمر طبيعي، نظراً لارتفاع سعر الدولار".