رغم تمديد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة العمل بالتعميم 161 حتى نهاية شهر كانون الثاني 2023، والمتعلق بالاجراءات الاستثنائية للسحوبات النقدية، وشراء الدولارات على اساس سعر منصة "صيرفة"، إلا أنّ غالبية البنوك في لبنان حرمت المواطنين من الاستفادة من هذا التعميم، بعدما خفّضت سقف سحوبات الدولار على أساس المنصة، حتى أنّ بعض المصارف اعتمدت اسلوباً خاصاً بها، حيث عمدت إلى فتح باب سحوبات "صيرفة" لدقائق معدودة يومياً لا تزيد عن 30 دقيقة فقط، ومنها من حدّد ثلاثة ايام في الاسبوع فقط للسماح للموظفين بايداع الاموال بالعملة اللبنانية وسحبها على سعر المنصة، ومنها من أوقفت الخدمة منذ الاسبوع الأوّل من الشهر الحالي، وتوقف عن تسليم الدولارات على أساس منصة صيرفة، كما توقف بطبيعة الحال عن قبول إيداع الليرة، وتركت هذه المصارف باب السحب للذين حالفهم الحظ ووضعوا أموالهم بالليرة مع بداية الشهر.
الأسوأ من التوقف عن تطبيق التعميم 161 وصرف رواتب الموظفين بالدولار، هو المماطلة من قِبل الموظفين أنفسهم، فهذه المصارف لا تصارح العملاء بالتوقف عن بيع الدولارات عبر صيرفة، بل تتّبع معهم أساليب التأجيل والتذرّع بعراقيل إدارية تحول دون السماح بسحب الدولارات.
إجراءات المصارف هذه، كانت كفيلة باصطفاف عملاء المصارف والموظفين، في طوابير أمام الصرافات الآلية لساعات يومياً، بانتظار سحب الدولارات، فيما إمتنع عدد كبير من الموظفين عن سحب رواتبهم وحصصهم الشهرية بالدولار، رفضاً للانتظار مطولاً أمام المصارف في طوابير الذلّ لسحب بعضٍ من أموالهم.
وتأتي إجراءات المصارف تزامناً مع زيادة رواتب موظفي القطاع العام، علماً ان زيادة الرواتب تستلزم من مصرف لبنان ضخ المزيد من الدولارات لتطبيق التعميم 161 الذي يتيح للموظفين سحب رواتبهم بالدولار على أساس سعر منصة صيرفة (البالغ حالياً 31200 ليرة)، وهو ما يفقدهم قيمة الزيادات الفعلية على الرواتب، لاسيما بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
هذا الذلّ يرويه كثير من المواطنين اللبنانيين، أحدهم يقول: "منذ اسبوع وأنا أحاول إيداع مبلغ من المال بالليرة اللبنانية عبر الآلة الإلكترونية، لكن يتعذر ذلك، فمعظم الأحيان تكون آلات الصيرفة معطلة أو مقفلة بالأبواب الحديدية، وإذا كانت تعمل فيصطف أمامها عشرات المنتظرين، بحيث يحتاج إجراء العملية إلى ساعات طويلة، فيما يؤكد أحد العسكريين المتقاعدين الذين ينطبق عليهم تعميم المصرف المركزي، أنّ هذه الزيادة هي ذلّ بحد ذاته "نتيجة انتظارنا ساعات طويلة، قد تنتهي من دون أن يصل دوري، وهو ما حصل معي أمس، حيث ذهبت إلى المصرف عند الساعة السابعة صباحاً وكان قد سبقني أيضاً عدد من المواطنين، لكن تم إبلاغنا بأنه فتحت المنصة لنصف ساعة فقط ومن ثم أقفلت، وبالتالي لم يستفد أحد من المنتظرين في الخارج والحاصلين على مواعيد إلا عدد قليل".
وانطلاقاً من ذلك، يتساءل المواطن اللبناني عن الجدوى من تمديد التعميم ما دام أي موظف أو مودع لن يستطيع الاستفادة منه، فقيود المصارف تحرمهم من الاستفادة من دولارات صيرفة، لاسيما في ظل اتساع الفارق بين سعر صيرفة وسعر الدولار في السوق السوداء، كما أنّ قرار التمديد لم ينعكس انخفاضا على سعر صرف الدولار الذي وصل الى 46 الفا.
وعن هذه الإجراءات وتداعياتها، يشرح الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، أنّ المصارف تعيش حالة من التخبط تجاه التعاميم التي تصدر عن المركزي، مشيراً إلى أنّ سياسة المصرف المركزي مليئة بالتناقضات، مرة يقرر ضخ كميات كبيرة من الليرة اللبنانية في السوق ما يؤدي إلى التضخم، أي ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار الليرة، ليعود ويقرر سحب الليرة عن طريق تعاميم، مثل صيرفة بحيث يخسر في المقابل ما تبقى من أموال المودعين، من هنا فإن هذه الحلقة الجهنمية تنعكس سلباً على أصحاب الودائع العالقة بالمصارف وحولت من جهة أخرى الشعب إلى مضاربين يمضون أيامهم أمام المصرف".