حصلت مصر على موافقة المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، على اتفاق موسع مدته 46 شهرا بقيمة 3 مليارات دولار لمصر. وأتاح القرار للحكومة المصرية صرف 347 مليون دولار لمصر على الفور، وتأتي هذه القيمة على عكس ما توقعه وزير المالية المصري محمد معيط، الذي أكد قبل أيام من حصول مصر على الموافقة، على أن الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد ستكون بقيمة 750 مليون دولار سيتمُّ صرفها هذا الشهر.
وأخضع صندوق النقد الدولي باقي الدفعات إلى اجتماعات دورية بين الصندوق والحكومة المصرية، لقياس مدى التزام الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المقترح من قبل الصندوق من خلال الاتفاقات الإطارية للقرض.
وأكد الصندوق في خطابه على مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية اللازمة على الحكومة المصرية، وأبرزها:" تحرير سعر صرف العملة المصرية بشكل كامل، تنفيذ خطة الدولة لبيع الأصول المملوكة لها لتوفير سيولة بهدف سد عجز الموازنة، وكذلك فتح المجال لتخرج الدولة من الأنشطة الاقتصادية في مقابل القطاع الخاص الاستثماري، بالإضافة إلى مراجعة الإنفاق الحكومي الكبير على المشروعات القومية وأولويات ذلك الإنفاق، وكذلك مراجعة حزام الدعم المقدم للمواطنين.
كما اشترط البنك اتّباع سياسة نقدية لخفض نسبة التضخم الحالية (٢١.٥٪) للوصول لهدف البنك المركزي المصري لتحقيق نسبة تصخم لاتزيد عن ٩٪، والابتعاد (إلغاء) القروض المدعومة للأنشطة الصناعية والتجارية".
من جانبه رأى الناشط والباحث مصطفى شوقي، أن روشتة صندوق النقد قيد التنفيذ بالفعل، بداية من قرار البنك المركزي تحرير سعر الصرف، مرورا بإقرار سياسية ملكية الدولة والتي تستهدف بيع عدد من الأصول المملوكة للدولة بقيمة إجمالها ٤٠ مليار دولار، وأخيراً اجتماع البنك المركزي المنتظر 22 ديسمبر الجاري والمفترض خلاله إصدار قرار بتعويم الجنيه بشكل كامل.
وتابع في حديثه لوكالة أنباء آسيا، إلى جانب إقرار سياسات مثل منظومة التسجيل الإلكتروني لرقمنة عمليات المحاسبة الضريبية، بهدف زيادة حصيلة الضرائب كنسبةٍ من الناتج القومي الإجمالي، والتي سيتحمل تبعاتها الأكثر فقرا بين المهنيين وصغار التجار.
وأضاف، أن بيع الأصول المملوكة للدولة وإن تمكَّن من توفير سيولة مباشرة، إلا أنّه لا يُمثّل استثماراً حقيقياً إنتاجياً للدولة، وسيكون أثر هذا البيع مؤقتا جدا، باعتبارها مسكنات للتعامل مع أزمات عجز الموازنة التي ستظل مزمنة.
واستطرد الناشط والباحث حديثه قائلا:" إن تبعات تعويم الجنيه ستكون بالغة الأثر على زيادة معدلات تضخم، المرتفع بالفعل، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وبالضرورة ارتفاع أسعار الفائدة ، وأثر ذلك على الاستثمار المباشر المرجوّ، ما يعني مزيداً من التدهور في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لشرائحَ أوسع من المواطنين، مشيراً إلى أنّ سياسات السلطة الاقتصادية على مدار السنوات الماضية، كانت غير ناجحة بدرجة كبيرة، و أولويات الإنفاق الحكومي شابها الكثير من الأزمات، التي ترتّب عليها معدلات واسعة من الاقتراض، أدت إلى فجوة هائلة في الديون، تسببت في عجزٍ مزمنٍ في الموازنة لن يمكن إصلاحه من خلال سياسات تحمّل الفقراء ثمنها لأن الوضع الاقتصادي الراهن غير قابل للإصلاح بهذه السياسات، إلى جانب أن المواطنين أصبحوا غير قادرين على تحمل أعباء ذلك الإصلاح.
واختتم حديثه قائلا:" أن البلد تحتاج إلى سياسات اقتصادية جديدة، من نوع مختلف، سياسات اقتصادية تتبنى إصلاح هيكلي لمنظومة الضرائب، من مدخل العدالة الضريبية، بمعنى فرض الضرائب التصاعدية، ورفع حد الإعفاء الضريبي، وإصلاح منظومة الأجور والتعامل مع فجوات الأجور في القطاع الحكومي، وتتبنى تغييرات جذرية في أولويات الإنفاق الحكومي ليتم إعادة توجيهه إلى المشروعات القومية الإنتاجية سواء زراعية او صناعية، وليس المشاريع الإنشائية التي لا تدرّ أي عوائدٍ حقيقية للدولة.
وفي السياق يقول مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي الإشتراكي:" منذ البداية كنا ضد قروض صندوق النقد الدولي وما يتضمنه من شروط متعلقة بإلغاء الدعم على الفقراء ومحدودي الدخل وتعويم الجنيه، ما يعني تدهور القيمة الشرائية للعملة المصرية وبالتبعية تدهور القدرة الشرائية للمواطنين".
وأضاف الزاهد أن الديون هي فخ كبير تثقل كاهل الأمم وأدت إلى إسقاط دول بأكملها ، ولكن هناك دول كانت استطاعت أن تواجه أزماتها دون تدخل من الصندوق واعتمدت على مواردها الذاتية".
وأشار رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي إلى أن شروط الصندوق والقروض مسيسة وموظفة وتستهدف تكريس نموذجٍ معينٍ للتطور وتعميق تبعية الدول والحكومات للدائنين، وبالتالي تأكيد وتقسيم العمل الدولي القائم على مراكز احتكارية كبرى وأطراف تابعة تتلقى المعونات، لتعمق ارتباطها بالاقتصاد العالمي من واقع التبعية والتحكم، وهذا النموذج يقوم على خلق وكيل للمصالح الأجنبية".
ولفت عضو الحركة المدنية أن الدفعة الأخيرة التي حصلت عليها مصر في المرّةِ الأخيرة أقلّ بكثير مما كانت تطلبه، وأن القرض سيعطي على دفعات محدودة جدا، كما أن شروط القرض الأخير يسهل فكرة مبادلة أصول إنتاجية بقيمة 14 مليار دولار تقريبا لسداد الديون وهو ما حذرنا منه كثيرا، مشيرا إلى أن هذا معناه تفكيك القاعدة الانتاجية وخصوصا أنّ الدين لم يستخدم في تطوير القدرات الإنتاجية بل في تعميق تبعيّة الاقتصاد.
من جانبه علق الدكتور هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، على القرض الأخير لصندوق النقد الدولي قائلا :"إن المبلغ به إذلال لنا، لا يسمن ولا يغني عن جوع، ولا يكاد يكفي استيراد علف الدواجن لعدة أسابيع فقط".
وتابع: "أقول لأولي الأمر، الأيام القادمة في منتهى الخطورة، وستضطرون لاتخاذ قرارات مؤلمة تتعلق بالتضخم الحاد، وبسعر الصرف ومعدل الفائدة والحزم التمويلية المصاحبة لهذه القرارات وهذا التضخم، والتي يجب أن تعدوا أنفسكم والشعب لها، وبدراسة تعمل على مختلف المسارات الاقتصادية والاجتماعية لتلافي الآثار الجانبية لهذه القرارات ما أمكن، ومنع أعداء الوطن من استغلال هذه الظروف الصعبة".
وأضاف: "أكرر، يجب نسف منظومة وآليات اتخاذ القرارات الاقتصادية بالكامل والتي أوصلتنا إلى هذه الهاوية، وعلى وجه السرعة الفائقة، لعلنا ننقذ ما يمكن انقاذه".
وجاءت الموافقة على القرض الأخير بعد 8 شهور من بدء مفاوضات الحكومة للحصول على قرض لسد الفجوة التمويلية ومواجهة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على ميزان المدفوعات.
وكان محمد معيط وزير المالية، قال في تصريحات نهاية أكتوبر الماضي، بعد إعلان الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، أن السياسة المالية سترتكز على تحقيق مستهدف خفض الدين الحكومي لأقل من 80% وضبط الاحتياجات التمويلية الإجمالية، والاستمرار في سياسة الضبط المالي على المدى المتوسط، وسيتم تحسين كفاءة وفعالية وزيادة الإيرادات الضريبية، لخفض عجز الموازنة وتحقيق فائض أولي.
وتعرضت مصر لصدمة ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، كما شهدت سحب المستثمرين الأجانب نحو 22 مليار دولار من استثمارات المحفظة بعد رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى.
وفي مارس الماضي، خفضت مصر قيمة الجنيه بنسبة 16%، ثم أعقب ذلك تخفيض آخر بنسبة 18% في شهر أكتوبر، وبلغت نسبة انخفاض الجنيه منذ بداية العام نحو 57% أمام الدولار، ومن المرتقب أن يشهد الجنيه المصري تخفيضاً جديداً أمام الدولار خلال الأيام القليلة القادمة وفقاً لشروط النقد الدولي.