في بلد يعيش حالة من الفوضى، وانهياراً غير مسبوق في بنية الدولة والاقتصاد والاجتماع، ليس مستغربا أن تطفو على السطح ظواهر لم يألفها مجتمعه، ليس اخرها تلك المجموعات التي تقف على زوايا الطرقات وهي تلوح "بكدسات" من العملة اللبنانية، غير مكترثة للاجهزة الامنية، والقانون الذي يمنع هذا النوع من الصرافة.
فهؤلاء نزلوا الى ميدان البيع والشراء في الشوارع وبنوا بورصتهم الخاصة التي تنمو وتتمدد خارج النظام المالي القانوني بعيدا عن رقابة مصرف لبنان، مؤسِّسين شبكة من العلاقات مع التجار.
وتحولت مجموعات الصرافين الجوّالين الى ما يشبه العصابات المنظمة تتعاون بين بعضها البعض حينا وتتآمر على بعضها حينا آخر وتتصادم متى تضاربت مصالحها.
السوق المالي المتفلت، ساهم في توسع عمل عدد كبير من الصيارفة غير الشرعيين وأصحاب مكاتب التعاطي المالي والمضاربة، والتي تتم خلالها رهانات على السعر الذي قد يصل إليه الدولار خلال اسبوع، وهو ما يعرف بـ"سوق الكشف" المالية، وينضوي تحته مجموعات تعمل عبر غروبات على "الواتساب"، ولكل مجموعة اسمها وطريقة عملها، فعلى سبيل المثال هناك غروب "سوق العاصمة"، وغروب "مركزية الضاحية"، وغروب "المعتمدة"، والتي تُعتَبر بحسب مصادر مطلعة أكبر مجموعة في لبنان تحوي كل المافيات في البلاد، وتتم المراهنة فيها على السعر الذي سيصل اليه الدولار خلال اسبوع، وتحصل عبرها عمليات بيع لمبالغ كبيرة بملايين الدولارات، إنما بتاريخ مؤجل، بعد شهر على سبيل المثال، او 15 يوماً، وعندما يحين موعد استحقاق العملية يكون الشاري ملزماً بدفع قيمة المبلغ بحسب الاتفاق، ولو كان سعر الصرف قد ارتفع أو انخفض عن السعر المحدد خلال المراهنة.
وما حصل قبل يومين من خضة في السوق السوداء، بعد الاعلان عن هروب مراهنين وصرافيين وبحوزتهم اموالا طائلة، كشف هذا المستور، ففي تفاصيل العمليات التي أدت الى فرار المراهنين، ان شخصاً في "غروب المعتمدة"، قام بتثبيت عمليات بمبالغ كبيرة بالدولار وصلت الى حوالي 600 ألف دولار بتاريخ مؤجل، كان في النصف الأول من الشهر الجاري، على حدود الـ39 ألف ليرة، مراهناً على اساس أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء سيهوي الى 37 أو 35 ألف ليرة، الأمر الذي لم يحصل، بل على العكس ارتفع الدولار الى 42 الفا ما ألحق به خسائر فادحة، وصلت الى قرابة الملياري ليرة لبنانية لذلك هرب، والامر نفسه ينسحب الى اكثر من شخص اعتمد نفس الطريقة.
وفور تناقل الخبر عبر وسائل التواصل الإجتماعي، سارعت نقابة الصرافين في لبنان الى إصدار بيان توضيحي أشارت فيه الى أنه ورد كلمة "صرّافين" في بعض المواقع الإخبارية تحدّثت عن مشاكل مالية تعرّض لها بعض المتعاملين بأعمال الصرافة من دون ترخيص لا تمّت الى الصرّافين الشرعيين المرخّص لهم بصلة، وأهابت بالسلطات المعنية ضبط المخالفات.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة الى أن الصرافين الشرعيين المرخصين في لبنان والمسجلين في النقابة هم من ثلاث فئات :الصرافون الكبار الذين لديهم ترخيص بإستلام تحويلات مالية وتنفيذها مع الخارج إضافة الى التعامل وفق تعاميم مصرف لبنان مع منصة صيرفة، الصيارفة المرخص لهم بأعمال الصيرفة محلياً، صغار الصيارفة ويعملون بصفة وسيط صيرفة مع الفئتين المذكورتين.
هذه الخضة التي حصلت بسوق الصرافة غير الشرعي، ساهمت برفع سعر الصرف قليلاً، بحسب مصادر مالية واقتصادية، إضافة الى عوامل أخرى منها إنتشار عدد كبير جداً من الصرافين الجوالين الذين يتعاطون أعمال الصيرفة لحساب بعض الصيارفة والشركات المالية ودائماً لقاء أرباح تتأتى من إرتفاع سعر الصرف، وسألت المصادر لماذا هذه الفوضى وهل هي منظمة؟ ولمصلحة من ترك الحركة المالية والتجارية والاقتصادية رهينة الإقتصاد النقدي؟ ولمصلحة من ترك الحركة المالية أسيرة السوق الموازية والمتحكمين بها رغم كل ما تتضمنه من شبهات لحركة تهريب وغسيل أموال ومضاربات غير شرعية؟.