كشف تزايد عدد الأطفال الذين توفوا مؤخراً عن حجم الكارثة التي تعيشها مصر بسبب انتشار الأدوية المغشوشة في الكثير من الصيدليات، والتي تسببت في إزهاق أرواح عدد من الأطفال مؤخراً.
وانهالت الاتهامات على الصيادلة بتهمة حقن الأطفال دون إجراء اختبارات للحساسية وهو يسبب الأعراض الجانبية التي قد تؤدي إلى الوفاة، لكن على مدار الأسابيع القليلة الماضية بدأت الأنباء تتداول حول عدد كبير من الأدوية المغشوشة أو(المضروبة) بمصطلحها الدارج في الكثير من الصيدليات.
حقنة تنهي حياة عشرات الأطفال:
خلال الأشهر القليلة الماضية، تم رصد عشرات الأطفال الذين فقدوا حياتهم على إثر حقنة مضاد حيوي، فعلى سبيل المثال؛ شعر الطفل كريم، الذي يبلغ من العمر عامين بإعياء شديد، حيث كان يعاني من ارتفاع فى درجة الحرارة، فذهبت الأم به إلى أقرب مستشفى، واستقبله طبيب الطوارئ وأخبرها بأن كريم يعاني من التهاب رئوي حاد، وعلى إثر ذلك سيتم اعطاؤه حقنة مضاد حيوي. وعقب إعطاء الطفل الحقنة، حدثت بعض المضاعفات تم على إثرها نقله إلى العناية المركزة وتوفي.
أما عمر فهو طالب في مدرسة الشهيد إبراهيم السقا التابعة لإدارة إيتاي البارود التعليمية، ذهب إلى الصيدلية للحصول على حقنة المضاد الحيوي التي كتبها له الطبيب المعالج وعقب حصوله على الحقنة حصلت له بعض التشنجات وتوفي.
وفي نفس الأسبوع، في قرية كفر دخميس، التابعة لمحافظة الغربية ذهب الطفل أحمد للصيدلية للحصول على حقنة المضاد الحيوي وبسبب بعض المضاعفات عقب إعطائه الحقنة أصيب بتشنجات أدت لوفاته.
هذا بالإضافة إلى واقعة وفاة الطفلتين إيمان وسجدة، حيث ذهبت الطفلتان الى المدرسة ولكن عند عودتهما شعرتا بإعياء وارتفاع درجة حرارة فتوجهت الأم إلى أحد الأطباء والذي كتب لها روشتة علاج بها مضاد حيوي.
وبعد مرور الأم على أكثر من صيدلية لصرف العلاج، حصلت على نوع من حقن المضاد الحيوي، وفي اليوم التالي قامت بالبحث عن النوع الآخر والذي قام بكتابته الطبيب المعالج، وأشارت إحدى الصيدليات أن لديها بديلا لأن العلاج الموجود بالروشتة غير موجود حاليا، وذهبت الأم لأكثر من صيدلية أخرى، لتعود إلى الصيدلية الأولى لإعطاء طفلتيها المضاد الحيوي البديل.
عقب إعطاء الطفلتين الحقنة حدثت لهما تشنجات واحمرار وتورم، وتم نقلهما إلى مستشفى القباري بمحافظة الاسكندرية ولكن لم يتمكن الأطباء من إسعافهما وتوفيتا فى الحال.
هذه الحالات لم تكن الأخيرة التي وقعت ضحية حقن المضاد الحيوي مؤخراً وبخاصة في صفوف الأطفال، إذ تكررت هذه الوقائع بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، فبحسب المركز المصري للحق في الدواء، فإنه تم رصد 28 حالة توفيت منذ يناير الماضي بنفس الطريقة.
الصيادلة في مدفع الاتهام:
وُجهت أصابع الاتهام إلى الصيادلة في حوادث وفاة الأطفال بسبب حقن المضاد الحيوي، إذ قررت النيابة العامة إحالة صيدلانية ومساعدتها إلى محكمة الجنايات لاتهامهما بحقن طفلتين بمضاد حيوي ( إيمان وسجدة) داخل صيدلية مما أفضى إلى موتهما، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وعلى إثر هذا، أصدرت النقابة العامة للصيادلة بيانا تطالب فيه أعضاءها بعدم حقن المرضى داخل الصيدليات، معللة ذلك بالخوف عليهم من المساءلة القانونية حال حدوث مضاعفات للمريض. وأصدرت نقابات فرعية مثل القاهرة والإسكندرية بيانات تحذر أعضاءها من التحويل إلى التحقيق حال حقن المرضى داخل الصيدليات.
الأمر الذي أثار غضب الكثير، وبخاصة الفقراء في المناطق الشعبية الذين يعتمدون على الصيدليات في أخذ الحقن نظراً لعدم استطاعهم أخذها في المستشفيات الخاصة.
وأمام موقف نقابة الصيادلة بالامتناع عن إعطاء الحقن داخل الصيدليات وما سببه من حال ارتباك بالشارع المصري، حاولت وزارة الصحة البحث عن حل للأزمة. إذ دعا وزير الصحة خالد عبد الغفار إلى التنسيق مع النقابة العامة للصيادلة لوضع آليات منظمة تستهدف حل أزمة الحقن داخل الصيدليات.
وناقش الوزير -خلال اجتماع مع رؤساء الهيئات ومديري الشؤون الصحية- مراجعة القوانين والقرارات الوزارية في هذا الشأن، بما يضمن الحفاظ على حقوق الصيادلة وفي نفس الوقت التيسير على المرضى.
من ناحيته أكد مساعد وزير الصحة للتعليم الطبي إيهاب كمال أن وكلاء الوزارة بالمحافظات بصدد ترشيح طبيب منسق عن كل إدراة كبيرة لتدريب الصيادلة على الحقن الوريدي والعضلي، وذلك خلال 24 ساعة من استلام التكليف، ليتمكنوا من إعطاء الحقن في الصيدليات دون مشاكل.
ونفى الدكتور محي الدين عبيد، نقيب صيادلة مصر، ورئيس اتحاد الصيادلة العرب، أن يكون الصيادلة مسؤولون عن تلك الوفيات أو ينقصهم التدريب، لافتاً إلى أن إعطاء الحقن بالصيدليات يخضع لقرار نقابة الأطباء رقم 415 لسنة 1954 وقانون 127 لسنة 1955، اللذين لم يمنعا إعطاء الصيادلة للحقن.
وأشار إلى أن هناك عدد من حقن المضاد الحيوي المغشوشة منتشرة في الصيدليات. مؤكداً على أن هناك خللاً في المادة الفعالة للدواء في الفترة الأخيرة. مرجحاً وجود شوائب في المادة الفعالة لعبوات المضادات الحيوية التي تسببت في الوفيات، أو وجود أدوية مغشوشة في أسواق الدواء.
أدوية مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات
حالة من الجدل وتبادل للاتهامات بين الأسر والصيادلة على إثر تزايد حالات الوفاة بين الأطفال، فيما أشار أطباء إلى أن حقن المضادات الحيوية لابد أن يسبقها اختبار للحساسية تجنبا للمضاعفات التي تؤدي إلى الوفاة.
لكن المفاجأة كانت في أن الأمر لا يكمن في اختبار الحساسية فقط، لكنه يرجع إلى انتشار عدد كبير من الأدوية المغشوشة وغير مطابقة للمواصفات منتشرة في الصيدليات على مستوى محافظات مصر. وهو ما ينفي مسؤولية الأطباء والصيادلة عن تلك الوفيات، وهو ما سبق أن أكدته هيئة الدواء المصرية ضمناً في تقاريرها عن عام 2021، والتي نشرت عبر موقعها الرسمي، تحذر المواطنين من الغش التجاري لعدد من الأصناف الدوائية.
وتُعرف الأدوية المغشوشة أو "المضروبة" بالتعبير الدارج، بأنها الأدوية التي صممت لتبدو مطابقة لشكل الأدوية الأصلية، لكنها تفتقر إلى المواد الفعالة، وتحتوي أحياناً على مواد سامة أو ضارة غير مصنفة، يتم تصنيعها خارج منظومة التصنيع الشرعية وبعيداً عن الجهات الرقابية على الأدوية والمنظومة الصحية.
وفي منشور رسمي حذرت هيئة الدواء المصرية في 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، من "الأدوية المُقلَّدة أو المغشوشة".
وجاء هذا التحذير بعد أيام قليلة من انتشار صورة قائمة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، ورد فيها أسماء مستحضرات دوائية وعلاجية واسعة الانتشار تتنوع بين مسكنات الألم وخوافض الحرارة ومواد تعقيم الجروح والمضادات الحيوية وبعض الأدوية اللازمة لأصحاب الأمراض المزمنة، وكلها مذكور إلى جانبها أنها صدر قرار بسحبها، إما بسبب خطأ في التشغيلة "التركيب" أو بسبب الغش التجاري.
وجددت شركات أدوية دعوتها لاستخدام تطبيق MUP الذي أطلق في العام 2018، ويعمل على الهواتف المحمولة، لتسهيل عملية التعرف على "الأدوية التقليد" أي المغشوشة، عن طريق مسح "الباركود".
من جانبه نبه رئيس المركز المصري للحق في الدواء محمد فؤاد إلى خطورة انتشار الأدوية المغشوشة أو منتهية الصلاحية في سوق الدواء المصري.
وأضاف في حديثه لوكالة أنباء آسيا أن هناك مستثمرين يعملون على جمع الأدوية منتهية الصلاحية والتي يبلغ عددها بالملايين، ومن يطبع عليها تاريخ جديد ويعاد بيعها للصيدليات بثمن أقل.
وأرجح أن زيادة نشاط هؤلاء العصابات- على حد وصفه- سبب في تزايد حالات الوفاة الناتجة عن الأدوية الفاسدة والمنتشرة في الصيدليات. مشيرا إلى أنه من بين 80 ألف صيدلية بمصر، يوجد أكثر من 10 ألف صيدلية فقط يديرها أشخاص غير حاصلين على شهادة الصيدلة، ولا يتورع بعض أصحابها عن بيع الأدوية منتهية الصلاحية. مطالباً الجهات المختصة بتشديد الرقابة.
من جانبه أكد رئيس لجنة تصنيع الدواء في نقابة الصيادلة، محفوظ رمزي، صحة ما جرى بشأن انتشار عدد من الأدوية وبخاصة أدوية الأطفال المغشوشة في الصيدليات، وأوضح أن أدوية الأطفال المغشوشة تنوعت بين حقن ودواء شرب مثل ميجاموكس للأطفال، الذي يستخدم لعلاج التهابات الأذن والحلق، والتهاب الجهاز التنفسي السفلي وغيره من الأدوية المغشوشة.