في خطوة لها أبعاد سياسية واستراتيجية؛ أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارا جمهوريا، بشأن تحديد الحدود البحرية الغربية لمصر في البحر المتوسط.
ونشرت الجريدة الرسمية المصرية في عددها الصادر الثلاثاء نص القرار الرئاسي، حيث نصت المادة الأولى منه على أن "تبدأ حدود البحر الإقليمي لجمهورية مصر العربية من نقطة الحدود البرية المصرية الليبية النقطة رقم 1 ولمسافة 12 ميلا بحريا وصولا إلى النقطة رقم 8، ومن ثم ينطلق خط الحدود البحرية الغربية لجمهورية مصر العربية من النقطة رقم 8 في اتجاه الشمال موازيا لخط الزوال 25 شرق وصولا إلى النقطة رقم 9".
ونصت المادة الثانية من القرار الصادر في الحادي عشر من ديسمبر الجاري، على أن "تعلن قوائم الإحداثيات الواردة بالمادة الأولى من هذا القرار وفقا للقواعد المعمول بها في هذا الصدد، على أن يخبر بها الأمين العام للأمم المتحدة".
أهمية القرار الاستراتيجية والسياسية:
ويعتبر قرار ترسيم الحدود البحرية بين مصر وليبيا في البحر المتوسط «خطوة لتعزيز قدرة البلاد على استغلال ثرواتها»، إذ توالت الاكتشافات لحقوق الغاز بمنطقة شرق المتوسط.
واعتبر سياسيون أن الترسيم الذي تم حتى وإن كان من طرف واحد فهو رسالة للجميع بضرورة احترام حقوق مصر واحترام قواعد القانون الدولي، في ظل حالة التوتر التي تشهدها منطقة شرق المتوسط بشأن عمليات التنقيب عن الغاز- وفقا لما ذكره أحمد يحيى، وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري.
وتابع في تصريحه لوكالة أنباء آسيا أن العديد من الدول يتربصون لحقوق الغاز الموجود في شرق المتوسط وأصبحت مطمعاً في ظل التعطش العالمي والأوروبي للغاز والنفط على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية.
من جانبها أشارت فريدة الشوباشي عضو مجلس النواب إلى الأهمية السياسية والاستراتيجية لهذا القرار. وأوضحت لوكالة أنباء آسيا أن القاهرة ماضية قُدماً في الدفاع عن مصالحها بالأساليب القانونية والأدوات الشرعية المتاحة التي توفر للسلطات المصرية التنقيب عن ثرواتها في البحر المتوسط.
وأشارت إلى أن الانقسام السياسي في ليبيا بات مسألة مهددة للأمن القومي المصري، خصوصاً مع إقدام حكومة عبد الحميد الدبيبة على توقيع اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية مع تركيا.
واعتبرت الكاتبة وعضو مجلس النواب، أن أنقرة تستغل الاتفاقية التي أبرمتها مع حكومة الدبيبة( منتهية الصلاحية) لتعطي شرعية لوجودها في ليبيا".
وتأتي الخطوة المصرية بعد توقيع وزارتي الخارجية الليبية والتركية في أكتوبر/تشرين أول الماضي، في العاصمة طرابلس اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، عقب مرور ثلاث سنوات على إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية المثير للجدل، والذي أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي حينها.
وطعنت مصر واليونان في الاتفاق، حيث أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره اليوناني نيكوس ديندياس أن حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس التي وصفاها بـ"منتهية الولاية"، لا تملك صلاحية إبرام أي اتفاقات دولية أو مذكرات تفاهم، في إشارة إلى المذكرة التي وقّعت بين تركيا وحكومة الوحدة الوطنية.
وقبل عامين، وقّعت مصر واليونان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، خلال زيارة لوزير الخارجية اليوناني إلى القاهرة، جرى خلالها توقيع الاتفاقية وتعيين المناطق الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان.
وترفض تركيا الاعتراف باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، وهي الاتفاقية التي وقعت عليها كل من مصر واليونان وقبرص ودول أخرى في المنطقة، وتحدّد الاتفاقية الدولية المناطق الاقتصادية الخالصة للدول بنحو 200 ميل من شواطئها.
مكاسب مصر من ترسيم الحدود البحرية مع ليبيا:
أفاد مصدر صحفي لوكالة أنباء آسيا فضّل عدم ذكر إسمه، على أنه بعد إعلان مصر ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا رسمياً، أصبح بإمكانها إعداد وتجهيز المناطق الموجودة داخل الحدود المصرية للشركات العالمية للتنقيب عن الغاز والنفط.
وأوضحت المصادر أن منطقة شرق المتوسط تحظى باهتمام كبير من قبل شركات النفط العالمية، نظرًا للاحتياجات العالمية وبخاصة الأوروربية من الغاز والنفط، لتعويض عجز الطاقة الذي أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية.
وأشار إلى أن مصر تستهدف حفر نحو 45 بئرًا خلال الـ3 سنوات المقبلة، غالبيتها في البحر المتوسط، إذ أن القاهرة تعمل على زيادة إنتاج الغاز الطبيعي، وتشجيع الشركات العالمية لتنفيذ مشروعات الاستكشاف عن النفط والغاز، في إطار مساعيها إلى أن تتحول لمركز إقليمي للطاقة.
من جانبه قال ثروت راغب، أستاذ هندسة البترول والطاقة، إن حوض البحر المتوسط ينعم بأكثر من 200 تريليون قدم مكعبة من الغاز، وما تم اكتشافه حتى الآن يمثل 1/10 مقارنة بحقل ظهر الذي به احتياطي يقدر بـ30 تريليون قدم مكعبة من غاز، ولكن هذا الاكتشاف سوف يسهم في زيادة الإنتاج.
وأضاف أن مصر كانت تنتج 7.2 مليار قدم مكعبة من الغاز، ونتيجة لتقليل الضغط وطبيعة الآبار وصلنا إلى 6.5 مليار قدم مكعبة، وهذه الاكتشافات تساهم في زيادة الإنتاج والعودة إلى تصدير الغاز للخارج مرة أخرى.
وتترقب مصر، خلال الأيام المقبلة، إعلان كشف ضخم للغاز من خلال شركة شيفرون العالمية، لا يزال في مرحلة التقييم لتحديد حجم احتياطياته، إذ تشير البيانات الأولية لوجود 3.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز قابلة للاستخراج.
ويأتي هذا الاكتشاف بالتزامن مع مساعي عدّة شركات عالمية لبدء عمليات تنقيبٍ عن النفط والغاز في مصر خلال المدة المقبلة، وفي مقدّمتها شركة النفط البريطانية بي بي والتي تعتزم حفر 4 آبار جديدة خلال عام 2023.