فيما لا يزال الغموض يكتنف ما وراء كواليس الحادثة التي تعرّضت لها آلية تابعة لقوات "اليونيفيل" بعد منتصف الليل على الطريق البحرية بين الزهراني وصور عند محلة العاقبية جنوب لبنان، بدأت بعض الاوساط السياسية تتحدث عن رسائل جديدة منها داخلي ومنها خارجي قد تحملها الحادثة، خصوصاً أنها أتت دموية هذه المرّة، جرّاء مقتل جندي من الكتيبة الايرلندية، وجرح ثلاثة آخرين، فيما اشارت معلومات الى وفاة جندي ايرلندي ثانٍ في حادثة العاقبية متأثرا بإصابته لتصبح الحصيلة قتيلين وجريحين.
وفي المعلومات الأوّلية، فإنّ شباناً من منطقة العاقبية تعقّبوا الآلية التي سلكت الطريق البحرية بخلاف العادة التي تقضي بأن تسلك مواكب "اليونيفيل" الأوتوستراد، وقد أثار مرور الآلية في وقت متأخّر وخارج منطقة جنوبي الليطاني بمسافة بعيدة حفيظة الشبان الذين حاولوا إيقافها، إلا أنّ السائق رفض الوقوف وداس على أقدام أحد الشبان، ما أحدث غضباً بين الجموع الذين حاصروا الآلية. فسُجّل، في تلك الأثناء، إطلاق نار لم يُحدّد مصدره، ما زاد غضب الجموع ودفع بالسائق إلى القيادة بينهم بسرعة قبل أن يصطدم بأحد المحال الملاصقة للطريق.
وبحسب المقاطع المصوّرة التي وُزعت على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنّ الشبان حاولوا إنقاذ الجنود قبل أن يأتي عناصر من الدفاع المدني لينتشلوا جثة السائق. وحضر الجيش اللبناني وفريق من اليونيفيل للتحقيق بالحادث، فيما نُقل القتيل والجرحى إلى أحد مستشفيات صيدا.
وفي أوّل تعليق على الحادثة، أقرّ الناطق الرسمي باسم اليونيفيل أندريا تيننتي بأنّ الحادث وقع خارج منطقة عمليات اليونيفيل في جنوب لبنان، وقال إنّ "أفكاره مع سكان المنطقة الذين ربما أصيبوا أو شعروا بالخوف في الحادث"، لافتاً إلى أنّ "التفاصيل حول الحادث متفرّقة ومتضاربة، ونحن ننسّق مع القوات المسلحة اللبنانية، وفتحنا تحقيقاً لتحديد ما حدث بالضبط".
في غضون ذلك، اشارت المعلومات إلى انّ التحقيق سيتركّز مع الجنود الناجين عن سبب مرورهم في طريقهم إلى بيروت في هذه المنطقة، وتخلّفهم عن الموكب الذي سلك وجهة الأوتوستراد كما تجري العادة.
وعما اذا كانت الحادثة ستؤثر على عمل اليونيفيل، أفاد المكتب الإعلامي لليونيفيل بأنّ الحادثة لن تؤثّر على عمل اليونيفيل في منطقة عملياتها، وقد شوهدت آلياتها تتحرّك بشكل اعتيادي منذ الصباح.
وأجرى رئيس مجلس النواب نبيه بري إتصالاً هاتفياً بقائد قوات "اليونيفيل" العاملة في جنوب لبنان اللواء أرولدو لاثارو قدم فيه التعزية لقيادة اليونيفل وللكتيبة الإيرلندية قيادة وضباطاً وافراداً بوفاة أحد جنود "اليونيفيل"، متمنياً للجرحى الشفاء العاجل.
من جهته، شدّد رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، على ضرورة إجراء السلطات المعنية التحقيقات اللازمة لكشف ملابسات الحادث وتفادي تكرار أحداثٍ مماثلة مستقبلا، مناشداً جميع الأطراف التحلّي بالحكمة وسعة الصدر في هذه المرحلة الحرجة التي يمرّ بها الوطن.
ونّوه بالتضحيات التي تبذلها قوات اليونيفيل في سبيل حفظ السلام في الجنوب، بما ينعكس استقراراً لأهل المنطقة وللبنان عموماً.
وأجرى ميقاتي اتصالين بقائد الجيش العماد جوزيف عون والقائد العام لليونيفيل الجنرال آرولدو لازارو واطّلع منهما على ملابسات الحادث.
كما أبرق إلى رئيس إيرلندا مايكل دانيال هيغينز والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس معزياً ومعبّراً عن تضامنه معهما في هذا الحادث الأليم.
بدورها، أدانت وزارة الخارجية والمغتربين الحادث، وأشارت إلى أنّها تتابع باهتمام كبير مع السلطات اللبنانية المعنية كافة واليونيفيل التحقيقات التي باشرتها للتمكّن من محاسبة المسؤولين عنه.
وأكدت احترامها وتقديرها العالي لعمل الكتيبة الإيرلندية ولجميع قوات اليونيفيل في الجنوب، مشدّدة على أهمية الحفاظ على أمن وسلامة جميع القوات الدولية العاملة في لبنان.
وتزامناً مع تلك التطورات سارع عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب غياث يزبك الى التلميح ان حزب ال له يقف وراء الحادثة، مغرداً: "أتقول الحكومة لليونيفيل، فلتَلزِم قواتك الطرقات التي نسيطر عليها نظرياً وكل خروج عنها يوقعها في أفخاخ الدويلة حيث لا قوة ولا سيادة. موقف معيب يُضاف إلى سجل مدجَّج بالعيوب سيُستقبل به الرئيس الفرنسي".
من جهته، أعلن مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في "حزب ال له" وفيق صفا أنّ ما أدى لمقتل جندي إيرلندي من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ليل الأربعاء في جنوب لبنان هو "حادث غير مقصود"، مؤكداً أن الحزب ليس ضالعاً في الأمر، داعياً إلى عدم إقحام الحزب في الحادثة.
بدوره، اعتبر عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم، أن "ما تعرضت له قوات اليونيفيل مرفوض في المبدأ ويسيء للعلاقات الطيبة التي تربط ابناء الجنوب مع هذه القوات بكل فصائلها، والتي تتطور ايجابيا يوما بعد يوم"، مشدداً على ضرورة انتظار التحقيقات لتوضيح ملابسات ما حصل ليبنى على الشيء مقتضاه.
وكان مجلس الأمن الدولي مدد عمل قوات اليونيفيل لعام جديد في لبنان، وأضاف فقرة إلى البند 16، تتحدث عن عدم حاجة اليونيفيل إلى إذن مسبق لأداء مهماتها، أو إذن من أي شخص للإطلاع على المهام الموكلة إليها، وأنه يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل.