حالة من الغضب والجدل أثيرت على خلفية القرار الذي أصدره وزير التنمية المحلية المصري، اللواء هشام آمنة، والذي يتضمن إخضاع الأنشطة التجارية إلى «الموافقة الأمنية» لاستكمال مسار قانون تراخيص المحال العامة.
وكانت الجريدة الرسمية المصرية نشرت القرارات التنفيذية الخاصة بقانون المحال العامة الصادر برقم 154 لعام 2019، أمس الإثنين ليصبح بذلك ملزماً للأطراف المعنية.
وشمل القرار 83 نشاطاً تجارياً بينهم على سبيل المثال: محال البقالة، والملابس، والأحذية، وصالات الألعاب الرياضية، ومحلات تصفيف الشعر، وصالونات التجميل، والملاهي المؤقتة والدائمة والسيرك والمسارح والسينما وقاعات المناسبات، ومحلات بيع بذور وتقاوي الزراعة، والورق والكرتون وغيرها من الأنشطة.
وبدأت الحكومة المصرية في تطبيق قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 ولائحته التنفيذية، ونشرت الجريدة الرسمية الأحد، الرسوم المقرر في حالات المعاينة ورسوم التراخيص وفقا للقانون والتي تبدأ من 1000 جنيه فيما يصل الحد الأقصى 100 ألف جنيه وفقا لمساحة وموقع المحل.
وبحسب بيان وزير التنمية المحلية فإن الغرض من القرار هو تقديم الخدمات اللازمة لجميع الأنشطة التجارية، فضلاً عن اجتذاب الاستثمارات الخارجية، ونص البيان: «يهدف القانون إلى تحقيق طفرة إيجابية في المعدلات الاقتصادية في مصر».
تحركات برلمانية وتساؤلات:
وعلى خلفية القرار الذي نشر في الجريدة الرسمية وأثار غضب الكثيرين ، تقدم
النائب فريدي البياضي، عضو مجلس النواب المصري، بسؤال لكل من رئيس الوزراء ووزير التنمية المحلية، ووزير التموين والتجارة الداخلية حول جدوى هذا القرار.
واستنكر عضو البرلمان المصري تطبيق هذا القرار على أنشطة تجارية وصفها بـ«البسيطة». متسائلا عما إذا كانت الحكومة جادة في جذب الاستثمار وتشجيع التجارة، ووصف مثل هذه القرارات بـ«التعقيدات» التي يتوقع أن ترمي بظلالها على الأزمة الاقتصادية.
كما تقدم النائب عبد المنعم إمام أمين سر لجنة الخطة والموازنة بـمجلس النواب ورئيس حزب العدل، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفي جبالي، رئيس المجلس، موجه إلى اللواء هشام آمنة وزير التنمية المحلية، بخصوص عدم مشروعية ودستورية الموافقة الأمنية قبل فتح الأنشطة التجارية.
وقال عضو مجلس النواب في طلبه المقدم، إن القرار الوزاري الخاص بشأن ضرورة الحصول على الموافقة الأمنية اللازمة قبل فتح معظم الأنشطة التجارية يعتبر قاتلًا للنشاط التجاري المحلي، ومبعدا للاستثمارات الأجنبية التي تسعى إليها الدولة، حيث كانت توجيهات الرئيس بإزالة جميع العقبات وتسيير وتسهيل ممارسة الأنشطة التجارية والاقتصادية والتشجيع على الاستثمارات المحلية والأجنبية.
من جانبها قالت إلهام عيداروس وكيل مؤسس حزب العيش والحرية - تحت التأسيس لوكالة أنباء آسيا، إن قرار الحصول على الموافقة الأمنية للكثير من الأنشطة التجارية غامض. متسائلة من هي الجهة المقصودة في القرار؟ وما أهمية الحصول على هذه الموافقة بالنسبة للأنشطة البسيطة. وأشارت إلى ضرورة أن يصدر عن وزارة التنمية المحلية توضيحاً بالجهة الأمنية المنوطة التي يجب على المواطن التقدم لها.
وأبدت عيداروس تخوفها من أن تكون الجهة الأمنية المعنية، هي الأمن الوطني. موضحة أن هناك عرف في مصر منذ سنوات بأن كثير من الأنشطة تأخذ موافقات أمنية ضمنية، وأنه في حال وجود اعتراض أمني يترجم إلى تعطيل في الإجراءات والتراخيص، لكن هذا كان غير معلن واعلانه معناه تدخل أمني سافر بشكل رسمي.
وتساءلت وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية، هل لو الجهة فعلا الأمن الوطني، وتم رفض نشاط تجاري لمواطن، هل سيحصل المواطن على ورقة تفيد بأسباب الرفض بحيث يكون قادراً على تقديم طعن على سبيل المثال؟ أم أنّ الأمور ستتم بشكل غامض دون توضيح للمواطنين؟، وهل التقييم الأمني سيكون للشخص أم النشاط؟ مجموعة من الأسئلة تحتاج إلى إجابات من وزارة التنمية المحلية - بحسب عيداروس.
واختتمت وكيل مؤسسي حزب العيش والحرية حديثها، بأنها ترى أن الأمر يمثل رغبة في التحكم من منطلق سياسي أمني رغم تأثيره السلبي على الاستثمار الصغير (المشروعات الصغيرة والمتوسطة).
قرار يقوض من الحقوق الدستورية:
أكد المحامي ياسر سعد، أن قرار الحصول على موافقة أمنية وزيادة رسوم التراخيص، يشكلان أعباء على أصحاب الأنشطة التجارية.
وأوضح في حديثه لوكالة أنباء آسيا، أن هذا يقوض أكثر من حق نص عليه الدستور المصري، فعلى سبيل المثال يقوض الحق في العمل الذي نص عليه الدستور في مادته الـــ12، كما أنه يقوض من عملية تشجيع الاستثمار وفقا للمادة 27، والأنشطة الاقتصادية الانتاجية والخدمية وفقا للمادة 28 من الدستور المصري.
وعن الرسوم التي أقرتها وزارة التنمية المحلية للتراخيص، أشار سعد إلى أن وزارة التنمية المحلية ليس من حقها إقرار مبالغ مالية لم تذكر في القانون. موضحا أن هذا وفقا للمادة الدستورية 38 التي ترسخ مبدأ (لا ضريبة ولا رسوم إلا بقانون).
قرارات تزيد من أزمة الاستثمار:
يرى المحامي نجاد البرعي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، أن مثل هذه القرارات والقوانين تشكل عبئاً إضافياً على الجهاز الأمني، إذ باتت جميع الأنشطة تمر أولاً على الجهات الأمنية، وهذا من شأنه أن يثقلها بمهام تؤثر على عملها.
كما رأى أن الأنشطة التجارية البسيطة مثل المقاهي أو السوبر ماركت لا تتطلب تصريحاً أمنياً، وأنه لا يوجد مبرر لمثل هذا القرار المعرقل للمساعي المصرية لجذب الاستثمارات.
وأوضح أن ترجمة هذا القرار، ونقله إلى المستثمر الأجنبي الذي يتحسس تواجده في السوق المصرية، تثير قلقه بلا شك، وأن هذا التوجه عكس مسارات التنمية الاقتصادية التي تتوق لها السوق المحلية.
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي محمد شيرين أن قرار الموافقات الأمنية ورسوم التراخيص الغرض منهما ليس تحصيل المزيد من الرسوم كما يراه البعض، وإنما الهدف هو تقليل الطلب على المنتجات في السوق لتقليل السيولة. مشيراً إلى أن هذا الإجراء من روشتة صندوق النقد الدولي.
وأوضح الخبير الاقتصادي في حديثه لوكالة أنباء آسيا أن هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية ستواجه أزمة في توفيق أوضاعها بسبب مبالغ التراخيص والموافقات الأمنية، وعمليا إنّ هذا الإجراء لا يعدّ توفيقاً للأوضاع كما ينص القانون وإنما يعد ترخيصاً من جديد، وهو ما سيدفع البعض إلى غلق نشاطه في الكثير من المجالات نظرا لصعوبة الإجراءات وبخاصة الموافقات الأمنية.
ويقول شيرين: "إذا كانت الدولة ترى أن مثل هذه القرارات والإجراءات سيساعدها على تحصيل مزيد من الأموال من أصحاب المشروعات الصغرى فهذا غير صحيح وسيكون له نتيجته العكسية على السوق المصري".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن صندوق النقد الدولي أحيانا يشترط مثل تلك الإجراءات لامتصاص السيولة من السوق في محاولة لكبح جماح التضخم، لكنها محاولة كارثية لأنها تزيد من أزمة البلاد وستمثل عوائق للاستثمار الصغير في مصر.