بعد حادثة قويسنا… أوجاع التمريض المتناثرة خلف جدران المستشفيات في مصر

كتبت: شيماء حمدي

2022.12.11 - 06:35
Facebook Share
طباعة

‎تعاني مهنة التمريض من أوضاع شديدة السوء في مصر، وعلى الرغم من أن هذه المهنة يمتهنها الذكور والإناث، ينال النساء النصيب الأكبر من الاعتداء بكافة أشكاله وأنواعه، نظراً لأن غالبية هذه المهنة من الإناث بنسبة تصل لأكثر من 80% وفقا لإحصائيات رسمية وتصريحات نقيب التمريض في مصر.


‎" قويسنا وإيتاي البارود" اعتداء جماعي وصرخات تصل لمواقع التواصل الاجتماعي:

‎في الـ3 من ديسمبر/كانون أول الجاري، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مأساويّاً يوضح واقعة اعتداء أسرة مريضة على الطاقم الطبي بشكل وحشي، الأمر الذي أسفر عن إصابة 5 ممرضات، وإجهاض أخرى، فضلًا عن إصابة نحو 3 عاملات بالمستشفى.
‎وبعد أيام قليلة من هذه الواقعة، شهدت مستشفى إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، واقعة مماثلة، حيث اعتدى أهالي مريض على طبيب وطاقم التمريض.
‎ورغم أن الاعتداء في الحالتين نال من الطواقم الطبية، كان أفراد طاقم التمريض هم الأكثر تضرراً، والذي كان أغلبهم من النساء لكونهم الأكثر عددا في هذه المهنة.
‎رصدت وكالة أنباء آسيا بعض شهادات الممرضات التي يعملن في أماكن مستشفيات مختلفة، إذ حملت كلماتهن أوجاع ما يتعرضن له أثناء عملهن، من اعتداءات جسدية ولفظية وغياب الحماية الإدارية والنقابية.


‎تهديد ووعيد ونظرة دونية:
‎إن وقائع الاعتداء التي حدثت مؤخراً والتي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، ليست غريبة ولا جديدة وإنما كثيراً ما نتعرض لها في عملنا من قبل أهالي المرضى، وما يزيد الأمر قسوة أن كثيرا ما تفرِّط إدارة المستشفى في حقنا بل ويطالبوننا بالتحمل والصبر.
‎بتلك الكلمات روت ليلى عمر والتي تعمل ممرضة بإحدى المستشفيات الحكومية في وسط القاهرة لوكالة أنباء آسيا ما تتعرض له أثناء عملها. وأضافت:" ذات ليلة تعرضت للسبّ والنعت من قبل زوجة مريض لمجرد أنني رفضت أن أعطيه حقنة مسكنة للآلام دون إذن الطبيب المشرف على حالته".
‎وتتابع الفتاة الثلاثينية:"من وقت لآخر نتعرض لمثل هذه الانتهاكات والتطاول، وقد يصل الأمر أحياناً إلى حد التهديد والوعيد، لمجرد عدم رضا المريض أو أسرته عن أي تصرف نقوم به حتى وإن كانت تعليمات الطبيب، أو إدارة المستشفى".
‎وترى ليلى أن النظرة الدونية لفئة التمريض من قبل المجتمع، تجعل المرضى وأسرهم طوال الوقت في أتم الاستعداد لتوجيه الإهانات لهم، وأنهم في أغلب الأوقات لا يجدون انصافاً من قبل إدارة المستشفى رغم ما يقدمونه من تضحيات في عملهم.
‎فيما تقول منى عبد الواحد والتي تعمل في إحدى المستشفيات في جنوب القاهرة:" أن فئة التمريض عموما، والنساء بشكل خاص، يتعرضن للعديد من الانتهاكات داخل المستشفيات، والأمر ليس جديد، وإنما الضجة التي حدثت على الواقعتين الأخيرتين نظراً لأنه تم تصويرهما ونشرهما على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن على أرض الواقع وأثناء عملنا نتعرض للكثير والكثير من الانتهاكات من بداية التحرش الجنسي والوصم والتمييز والعنصرية إلى حد الانتهاكات الجسدية كما وثقت المقاطع التي انتشرت مؤخراً".
‎وتابعت عبد الواحد:" نفتقد الحماية الإدارية والنقابية فشكوانا لا يتم النظر إليها وكثيرا ما نطالب بالتنازل وعدم الإبلاغ عما تعرضنا له". وأشارت إلى أنه بجانب ما يتعرضون له من انتهاكات يتقاضون رواتب متدنية جداً، ويعملون في ظروف صعبة في ظل منظومة صحية متدهورة.
‎أما فوقية عبد السميع والتي تعمل بإحدى مستشفيات محافظة الجيزة، ترى أن المجتمع يظلم مهنة التمريض ويطلق عليهم احكاماً قاسية. وتضيف أن الدراما والإعلام ساهموا في إظهار مهنة التمريض عموما والممرضات بشكل خاص بصورة غير لائقة وهو ما عزز التمييز والوصم ضدهم، وجعلهم عرضة دائما للانتهاكات. كما ترى أن الدولة عليها مسؤولية في تغيير هذه النظرة من خلال حملات توعية للمواطنين بأهمية الدور الذي يقوم به التمريض، إلى جانب ضرورة توفير حماية بشكل أكبر في المستشفيات.


‎ظروف عمل قاسية ونظرة مجتمعية ظالمة:
‎ترى الناشطة النسوية إلهام عيداروس، أن هناك عوامل كثيرة ساهمت في وصم الممرضات على مدار تاريخهن، وتأتي في مقدمة تلك العوامل؛ ظروف العمل والسهر خارج المنزل أو العودة إليه في ساعات متأخرة. وتضيف أن الممرضات يعانين من نظرة دونية وطبقية في ذات الوقت للكثير من قِبَل الأطباء والإداريين.
‎وأشارت عيداروس، أن المستشفيات تشكّل بيئةً خصبةً لحصول العديد من حالات التحرش بسبب عوامل كثيرة منها نظرة الطبيب والمرضى الدونية للممرضة بالإضافة إلى عدم وجود مواد قانونية تعاقب المعتدين أو سياسات تحمي الممرضات من التحرش.
‎من جانبها ترى المؤسس والمدير التنفيذي لمؤسسة النور لرعاية الأسرة منى عزت:" أن مهنة التمريض من المهن التي تغلب عليها وجود السيدات، ووجود نظرة دونية مجتمعية لهذه المهنة ساهم في زيادة معدل العنف تجاه الممرضات، وذلك لأن المجتمع يتجرأ على السيدات من قبل الاستضعاف، وهو ما يجعلهن عرضة لكافة أشكال الاعتداءات.
‎وتابعت عزت، أن وصم المهنة والسيدات العاملين فيها بسبب ظروف العمل والتي من بينها التعامل مع المرضى الرجال والسهر خارج المنزل، والعمل لساعات متأخرة. وأوضحت أن تدني الخدمة الطبية وتدهور وضع المستشفيات في مصر ساهم أيضاً في زيادة العنف ضد التمريض لأنهم الأكثر تعاملاً مع المرضى وأسرهم، وبالتالي فإنّ الغضب من تدهور الخدمة يترجم إلى عنف تجاه التمريض، على الرغم من أنهم غير مسؤولين عن ذلك، وأن الدولة هي المسؤول الأول عن الخدمة الصحية وجودتها.
‎وترى منى عزت، أن هناك ضرورة في أن تبدأ الدولة في العمل على تغيير النظرة المجتمعية الموجهة لفئة التمريض من خلال دعم المؤسسات الثقافية والإعلامية وكذلك الأعمال الدرامية لمهنة التمريض.
‎كما أكدت على ضرورة محاسبة المعتدين، وإجراء تحقيقات عادلة وناجزة في مثل هذه الوقائع وهو ما سيساهم كثيراً في الحد من ظاهرة التعدي على الممرضين.


‎مشروع قانون المسؤولية الطبية ومواجهة المعتدين:
‎الجدير بالذكر أنه مؤخراً، أحال رئيس مجلس النواب، مشروع قانون المسؤولية الطبية الذي تقدم به حزب مستقبل وطن، إلى اللجان المختصة، لمناقشته تمهيدًا لعرض تقرير بشأنه على الجلسة العامة للبرلمان لإصداره.
‎إذ نصت المادة 24 من مشروع القانون، على أن يعاقب بالحبس والغرامة مدة لا تقل عن 50 ألف جنيه، ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعدى على أحد مقدمى الخدمة أثناء تأديتها أو بسببها، وتكون العقوبه السجن الذي لا تقل مدته عن خمس سنوات، والغرامة التي لا تقل عن 200 ألف جنيه إذا ترتب على التعدي على مقدم الخدمة الإيذاء البدني بالنسبة للشخص الطبيعي أو الإتلاف بالنسبة للشخص الاعتباري.
‎ونصت المادة 25 أنه في الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص اعتباري يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية لهذا الشخص الاعتباري بالعقوبات ذاتها المقررة عن الأفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون، إذا ثبت علمه بها، وكانت الجريمة قد وقعت بسبب إخلاله بواجبات وظيفته.

 

Facebook Share
طباعة عودة للأعلى
اضافة تعليق
* اكتب ناتج 8 + 7