أبدت 5 نقابات مهنية في مصر من بينهم" الأطباء، المهندسين، المحامين"، اعتراضهم على تطبيق الفاتورة الإلكترونية، والتي من المقرر بدء العمل بها في منتصف ديسمبر/كانون أول الجاري.
وعلى قدم وساق اتخذت تلك النقابات عدد من الإجراءات منها الاحتجاجية وأخرى قضائية لرفض الفاتورة الإلكترونية، إذ أنه لأول مرة منذ سنوات يصل الأمر إلى احتجاجات تشهدها ساحة نقابة المحامين، لينضم إلى تلك الاحتجاجات الآلاف معلنين رفضهم الفاتورة الإلكترونية وما تشمله من عوار.
الفاتورة الإلكترونية ورقمنة الدولة:
يأتي توجه وزارة المالية المصرية في تطبيق الفاتورة الالكترونية ضمن عملية رقمنة الدولة، التي بدأت فيها الحكومة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية.
وتعد الفاتورة الإلكترونية وثيقة رقمية موحدة معترف بها في مصلحة الضرائب تستخدم لإثبات عملية بيع السلع والخدمات المختلفة؛ وتشتمل كل وثيقة على توقيع إلكتروني خاص يوضح هوية المُوقع لمنع التزييف وضمان الأمان والخصوصية.
وكان من المقرر أن يتم تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية على عدة مراحل، بدأت المرحلة الأولى في منتصف نوفمبر 2020 عن طريق إلزام 134 شركة مسجلة بالمركز الضريبي لكبار الممولين بالانضمام إلى المنظومة، وكان من المقرر تطبيق العديد من المراحل في سبيل إلغاء الفواتير الورقية والاتجاه كليًا نحو عالم الفواتير والتعاملات الرقمية.
لكن مع الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر واحتياج الدولة إلى جمع الأموال، لجأت إلى تطبيق أوسع وأشمل للفاتورة الإلكترونية دون حوار مجتمعي أو اتباع للمراحل المقسمة وهو ما تسبب في حالة الغضب وإرباك العديد من القطاعات وعلى رأسهم النقابات المهنية.
ورغم أن الانضمام إلى المنظومة لا يتطلب سداد رسوم، فالتسجيل مجاني تمامًا، يحتاج الاشتراك في بعض الخدمات المختلفة إلى دفع الرسوم مثل الحصول على التوقيع الإلكتروني ونظام التكويد الموحد.
المحامين تحتج وترفض الفاتورة الإلكترونية:
وفي خطوة نادرة منذ سنوات، نظم عدد كبير من المحاميين وقفات احتجاجية أمام مقر نقابتهم بشارع رمسيس بوسط القاهرة، وكانت آخر تلك الدعوات التي انطلقت اليوم الخميس، احتجاجاً على تطبيق الفاتورة الإلكترونية.
كما اشتبكت مع المطالب والوقفات الاحتجاجية فروع النقابة بالمحافظات، إذ ضجت مقار النقابات بالهتافات التي تطالب بإلغاء انضمامهم إلى النظام الجديد الذي وصفوه "بالجباية".
وتعد أبرز أسباب الاعتراض على نظام الفاتورة الإلكترونية؛ ارتفاع رسوم التسجيل الإلكتروني، التي قد تصل إلى 20 ألف جنيه سنويًا يتحملها طبيب أو محامي مبتدئ إلى جانب الضرائب المفروضة عليه، وذلك بالإضافة إلى تعقيد إجراءات التسجيل التي تفترض أن جميع المواطنين لديهم سجل ضريبي وشبكة إنترنت و«سيستم» متصل بالضرائب.
وعن أسباب رفض المحامين لتطبيق الفاتورة الإلكترونية يقول المحامي ياسر سعد؛ إن ثمة أسباب تجعل المحامين رافضين للخضوع إلى نظام الفاتورة الإلكترونية.
وأوضح في حديثه لوكالة أنباء آسيا؛ تأتي في مقدمة تلك الأسباب أن القانون أصدر دون حوار مجتمعي مع المهن الحرة لمراعاة بعض الأمور الخاصة بأعمالهم، مشيراً إلى أن التطبيق بهذه الطريقة لا تتناسب مع المهن الحرة وبخاصة المحامين.
ويشير سعد إلى أن المحامي يخضع بالفعل إلى ضرائب الدخل والقيمة المضافة، بالإضافة إلى الدمغات والرسوم واستخراج التصاريح وطلبات الاطلاع على القرارات، إلى جانب محاسبة المحاميين ضريبيا على كل قضية يقومون برفعها في جميع مراحل التقاضي من محكمة أول درجة أو ثاني درجة أو استئناف أو في النقض، وفي كل مرة يقوم المحامي بتقديم صورة من البطاقة الضريبية، لكن في المقابل لا يتمتع المحامين بخدمات مقابل ذلك مثل (التأمين الصحي والاجتماعي) إلى جانب أنهم محرمون من قروض الشخصية والسيارات وغيرها من القروض.
كما أشار المحامي ياسر سعد إلى أن هناك الكثير من المعاملات المالية والتي تقع تحت بند المصروفات لا يتم إثباتها بفواتير فعلى سبيل المثال (الإكراميات) أو الأموال التي يتلقاها أمناء الشرطة وحاجب المحكمة وغيرهم أثناء فترة عملنا تكون دون سند أو إثبات، فكيف للمحامي إثباتها كمصروفات ضمن نظام الفاتورة الإلكترونية.
وأختتم حديثه بأن الدخول في منظومة الفاتورة الإلكترونية، يتوجب على كل ممول شراء جهاز الإيصال الإلكتروني الذي يصل الحد الأدنى لسعره 4400 جنيه، إضافة إلى التوقيع الإلكتروني بقيمة 3000 جنيه، بخلاف رسوم البرمجة وحقوق الاستخدام التي تجدد كل عام، وهذه التكلفة لا تفرق بين الشركة الكبيرة والمستثمر الصغير.
وفي تصريح صحفي للمحامي أسعد هيكل، قال إنه منذ تطبيق قانون القيمة المضافة أبرمت النقابات المهنية بروتوكولات خاصة لتحصيلها مع مصلحة الضرائب، فبالنسبة للمحامين، يدفعون جزءًا مستقطعًا من قيمة الضريبة خلال رفع الدعاوى أمام المحكمة، بواقع 20 جنيهًا في الدعاوى الجزئية و40 في الابتدائية و60 في الاستئنافية و200 جنيه في الدعاوى أمام المحاكم العليا، على أن يلتزم المحامي بإثبات باقي قيمة الـ14% ضمن الإقرارات الضريبية الشهرية والسنوية، مشددًا على أن المستفيد من التسجيل في المنظومة ليس مصلحة الضرائب ولكن الشركات التي ستقدم خدمات التوقيع الإلكتروني مقابل أموال طائلة سنويًا، لن تحصل مصلحة الضرائب منها سوى على 10% فقط.
الأطباء والمهندسين يلجؤون للقضاء:
إلى جانب المحامين يرفض الأطباء والمهندسين ايضاً قرار تطبيق الفاتورة الإلكترونية.
وتقدم نقيب الأطباء حسن خيري قبل أيام بطلب لعقد لقاء مع وزير المالية ومصلحة الضرائب لمناقشة القضية، مشيرا إلى أن مجلس النقابة العامة للأطباء أصدر عدة قرارات بالطعن على قرار وزارة المالية بتطبيق الفاتورة الإلكترونية على الأطباء.
وأكد المشرف العام على مشروع العلاج لأعضاء نقابات المهن الطبية الدكتور رشوان شعبان لوكالة أنباء آسيا أن "الموقف الرسمي لمجلس النقابة تمثل في رفع دعوى قضائية أمام المحكمة المختصة لوقف تنفيذ القرار، لأنه لا ينطبق على الأطباء من وجهة نظرنا، لأننا لا نبيع سلعة إنما نقدم خدمات طبية".
وفي السياق ذاته، أعلنت نقابة المهندسين المصرية رفضها تسجيل المهندسين في منظومة الفاتورة الإلكترونية، وتضامنها مع النقابات المهنية.
وأوضح نقيب المهندسين طارق النبراوي أن أسباب رفض النقابة التسجيل في الفاتورة الالكترونية، أن:"مهنة الهندسة مهنة غير تجارية، طبقاً لقانون نقابة المهندسين وطبقا لقرار وزير المالية رقم 531 لسنة، 2005 بتحديد المهن غير التجارية في تطبيق حكم المادة 70 من تطبيق قانون الضريبة على الدخل، الصادر بالقانون 91 لسنة 2005. ولا يمكن معاملة المهنيين عامة والمهندسين خاصة معاملة الأنشطة التجارية".
وأضاف في حديثه لوكالة أنباء آسيا، أن فرض نظام الفاتورة الإلكترونية يجبر المهندسين على تحمل أعباء إدارية ومالية وإجراءات لا قبل للمهندسين بتحملها ولا ضرورة لها في إطار وجود سجل هندسي وملف ضريبي ملزم لكل من يمارس العمل الهندسي. فضلاً عن أن تطبيق الفاتورة الإلكترونية يفرض رسوما للتسجيل والتوثيق والتوقيع الإلكتروني مبالغا فيها في السنة الأولى، ويتم تكرارها سنويا، بما لا داعي له. وهو ما لا يتناسب مع دخول جموع المهندسين الممارسين للمهن الحرة.
كما أوضح أن تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية يحرم المهندس من إثبات تكاليف التشغيل غير المقيدة بمستندات، ويقوم بتحديدها بنسبة 10% من الإيرادات، وهذه النسبة غير واقعية، خاصة وأن طبيعة الخدمات الهندسية تتطلب أداء العديد من التخصصات والمهن المساعدة غير الممكن قيدهم ويتعذر قيدهم بالفاتورة الإلكترونية. مما يؤدي لأعباء زائدة وغير حقيقية.
كما أكد نقيب المهندسين على أن فرض وجود وسيط في تطبيق منظومة الفاتورة الإلكترونية شركة( E-TAX) يهدد بنقل قواعد البيانات لغير أهلها، وخاصة مع وجود شراكة أجنبية كما هو معلن.
وأنهى نقيب المهندسين حديثه بأن فرض هذه النوعية من الإجراءات، وزيادة الأعباء على مقدمي الخدمة سيؤدي في النهاية إلى زيادة نسبة التضخم والأعباء الإضافية على المجتمع ككل، وهو ما لا يتوافق مع توجه الدولة.
من جانبه يرى الدكتور محمد بدوي عضو مجلس نقابة أطباء الأسنان، أن الأزمة ليست في تطبيق نظام الفاتورة الالكترونية وحسب، لكن الأزمة الأكبر في نظام التطبيق.
وأوضح عضو مجلس نقابة أطباء الأسنان، أن هناك الكثير من المصروفات مثل النظافة والتعقيم وشراء المستلزمات والمحرقة لا تتم من خلال فواتير وبالتالي من الصعب إثباتها في نظام المصروفات، مشيراً إلى أنه هذا النظام يظلم الأطباء الصغار من حيث قيمة الواردات وصافي الدخل.
واستطرت أن الأزمة ليست عند أصحاب مكاتب المحاماة الكبيرة أو الهايبر ماركت أو الطبيب الذي يصل كشفه إلى مئات الجنيهات، لكن الأزمة عند المحامي الصغير أو الطبيب الموجود في منطقة شعبية كشفه بقيمة بسيطة، لأن حينها ستكون رسوم التسجيل في المنظومة أضعاف قيمة الضريبة التي من المفترض أن يوردها للمصلحة.
وأكد بدوي أن الحل في نظام ضريبي عادل يطبق على الجميع ويراعى التدرج في الربح وهو نظام الضريبة التصاعدية، وأن يكون هناك تدرج في تطبيق الفاتورة الالكترونية بطريقة أفضل بحيث لا تحدث عملية الارتباك، بالإضافة إلى ضرورة وجود مغريات حتى يقبل الممولين على النظام الضريبي فعلى سبيل المثال تفعيل التوجيه الضريبي وتقديمات خدمات مقابل الضريبة.
لماذا الآن:
يرى خبير اقتصادي فضل عدم ذكر اسمه، أن الهدف الرئيس من تعميم هذا القرار على أصحاب المهن الحرة الآن هو زيادة إيرادات الدولة من الضرائب لتمويل الموازنة التي تعاني بالأساس بسبب كثرة الديون قلة الموارد، في الوقت الذي تعاني منه الدولة من أزمة اقتصادية حادة وعدم وجود موارد جديدة للدولة.
ومنذ عامين أقدمت الدولة على إنشاء منظومة للربط بين جميع الممولين «مقدمو الخدمات»، وبين مصلحة الضرائب إلكترونيًا، وأصدرت قانون الإجراءات الضريبية الموحدة، وهو ما ترجمه وزير المالية في مارس 2020 في قراره رقم 188 لسنة 2020، بإلزام جميع المسجلين في مصلحة الضرائب بإصدار فواتير ضريبية إلكترونية تتضمن التوقيع الإلكتروني لمصدرها، والكود الموحد الخاص بالسلعة أو الخدمة محل الفاتورة المعتمد من مصلحة الضرائب.
وبدأت في تطبيق القرار على أصحاب الشركات الكبرى والمصالح الحكومية وغيرها، خلال سبع مراحل، دون التطرق إلى أصحاب المهن الحرة وصغار التجار، حتى أصدرت مصلحة الضرائب، في يوليو الماضي، قرارًا أعلنت فيه عن إجراءات المرحلة الثامنة والأخيرة لتسجيل جميع أصحاب المهن الحرة على مستوى الجمهورية خلال أربع مراحل تنتهي في 15 ديسمبر الجاري. قبل أن تعلن المالية إرجاء التسجيل إلى 30إبريل القادم بسبب حالة الغضب التي توالت من قبل النقابات المهنية.
الحل نظام ضريبي عادل:
يرى الكاتب والباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني، أن في الوقت الذي أعلنت فيه الدولة عن الفاتورة الإلكترونية وأن الهدف منها هو محاصرة التهرب الضريبي وتقليل فجوة غياب العدالة الضريبية، لكن هناك عدة إشكاليات تنطوي عليها هذه الآلية، وهو ما تسبب في انتفاضة المهنيين.
وأوضح الميرغني أن من ضمن هذه الاشكاليات:: أن قانون الفاتورة الإلكترونية وضع قواعد لحساب الإيرادات فقط، ولم يضع قواعد لحساب المصروفات والمصروفات المهنية، وهو خلل كبير يحول دون تطبيقه، كما أن القانون لم يفرق بين المهنيين حسب حجم نشاطهم وعامل الجميع نفس المعاملة، وبالتالي هو نظام مهمته الجباية ويظلم آلاف المهنيين. ويجب تقسيم المهنيين إلى 3 أو 4 فئات بحسب حجم الإيرادات، لتنظيم المجتمع الضريبي وتحقيق الحصيلة دون معاملة الجميع وكأنهم مليونيرات".
كما أوضح الميرغني أنه يجب التفاوض بين وزارة المالية والنقابات المهنية على طريقة موضوعية لحساب المصروفات دون تعسف على المهنيين، ودون التركيز على الجباية فقط، لأن الإيرادات تقابلها مصروفات يجب حسابها أولاً بطريقة سهلة ترضي الطرفين.
كما أشار إلى أن هناك أعباء إضافية تضعها المالية عند تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية، بإجبار الممولين على شراء النظام الإلكتروني ورسوم تجديده كل عام، وفرضه على الجميع بغض النظر عن قيمة الإيراد الحقيقية، ويجب معالجة ذلك بتقسيمها إلى شرائح تبعاً للإيراد.
واختتم الخبير والباحث الاقتصادي حديثه بأن احتجاج المهنيين يأتي في إطار دفاعهم عن حقوق الأصلية ورفضهم للتسليع، لكن لابد أن يتبع ذلك الاتفاق والتوافق حول طريقة لحساب المصروفات ووضع شرائح للأعباء الإضافية للنظام، وذلك لأن الضرائب مورد مهم من موارد الدولة لتحقيق التنمية.
ولتحقيق العدالة الضريبية طالب الميرغني بتعديل التشريعات وتخفيض ضريبة القيمة المضافة، وتطبيق نظام الضرائب التصاعدية على الدخل، وإيجاد آليات لحصر إيرادات ومصروفات المهنيين، ومواجهة التهرب الضريبي وتشديد العقوبات على المتهربين.