"العرض والشرف"، هاجس يمنع 6 من أصل 10 نساء تعّرضن للاعتداء الجنسي في لبنان من التبليغ عن الجريمة، فيما 71% منهن يعتبرن أن المجتمع يرى بالدرجة الأولى في الجريمة، اعتداء على "عرض العائلة"، قبل أن يكون اعتداء جسدي ونفسي على المرأة.
هذه النسب، كشفت عنها دراسة إحصائية أعدتها منظمة "أبعاد"، التي تعمل على تعزيز المساواة والعدالة الجندرية، بهدف تسليط الضوء على جرائم الاعتداء الجنسي في لبنان ومعرفة مدى لجوء النساء اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي للتبليغ، وما هي أسباب الامتناع عن ذلك.
وقد كان لافتاً، وفق الدراسة، أن سلوك النساء لناحية التبليغ، يختلف بين من تعرضن لاعتداء جنسي وبين من لم يتعرضن، اذ أن النساء اللواتي لم يتعرضن للعنف الجنسي أكدن، وبنسب مرتفعة جداً، أنهن سيبلغن عن هذا الاعتداء، لكن المفارقة أن هذه النسبة انخفضت كثيراً لدى النساء اللواتي تعرضن فعلاً لاعتداء جنسي تحت ضغط "العرض والشرف".
84 في المئة من النساء اللواتي لم تتعرضن لاعتداءٍ جنسي، أعلن أنهن سيبلغن في حال لو تعرضن لهذا الاعتداء، في المقابل فإن أكثر من نصف النساء (55 في المئة) اللواتي تعرضن لاعتداءٍ جنسي لم يبلغن عن هذا الاعتداء، أي ان امرأة من أصل 2 تعرضن لاعتداء جنسي لم تبلغ عنه.
شهادات للناجيات
سلسلة شهادات للناجيات، تكشف حجم الدمار النفسي التي تعيشه الضحية، فبحسب ما تقوله إحداهنّ: "تعرّضتُ للاغتصاب وعلمتُ بحملي بعد خمسة أشهر من الجريمة. منعنتني عائلتي من التبليغ عن المجرم بسبب خوفها من المجتمع، وتعرّضتُ للتهديد بالقتل من شقيقي. تسبّبت لي الحادثة بصدمة كبيرة، ومررتُ بالكثير من العوارض النفسيّة، عدا عن الخوف والقلق الدائمين والرغبة بالعزلة. لذلك، أنصح الناجيات بالتبليغ الفوري، كونه ينقذ الحياة، ولو أنّني أبلغتُ السلطات أو الجمعيات فور حصول الاعتداء، لربّما تعافيتُ بشكل أسرع، ولكان المجرم نال العقاب الذي يستحقّه".
وقالت ناجية أخرى: "لم يكن لديّ أو لدى والدتي الجرأة للتبليغ عن الاعتداء. وقد أجبرتني عائلتي على الزواج من رجب الذي يكبرني سنّاً للتستر على عرضهم"، مناشدةً كلّ ناجية بالقول: "الذنب ليس ذنبك، حاولي أن تكوني قويّة وأبلغي من تثقين بهم لمساعدتك".
ناجية أخرى تعرّضتُ للاغتصاب قالت: "لم أبلّغ القوى الأمنيّة بسبب عدم امتلاكي أوراقاً قانونيّة. أنا لاجئة في لبنان منذ سنوات، وكنتُ أخاف من أن يتمّ توقيفي في حال توجّهت إلى القوى الأمنيّة. لم أخبر أحداً بالجريمة، وأكثر ما يعذّبني إلى اليوم أنّ الجاني لم ينل عقابه".
"لا عرض ولا عار"
للأسف لا يزال يتمّ ربط جرائم الإعتداء الجنسي في لبنان بموضوع العرض، الشرف والعار، بحسب، مديرة منظمة "أبعاد" غيدا عناني، موضحة ان المنظمة تعمل على ابراز أهمية النظر إلى هذا النوع من الجرائم خارج السياق التنميطي المجتمعي والتعامل معها بحزم، لافتة الى ان هذه الدراسة تأتي ضمن حملة وطنية تحت عنوان "#لاعرضولا_عار" والتي تطلقها منظمة أبعاد بمناسبة حملة الـ16 يوم العالمية والتي تهدف الى انهاء العنف ضدّ النساء والفتيات.
ويتزامن إطلاق الحملة مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 من تشرين الثاني من كل عام، حيث تطلق هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة سنوياً، حملة الـ16 يوماً من الأنشطة لمكافحة هذا العنف، وتحذو المنظمات الحقوقية والإنسانية حذوها في نطاقها المحلي.
وعن ربط الاعتداءات الجنسية بالعرض والشرف إلى حد التستر، تشير عناني أن السبب يعود للعادات والتقاليد التي تحكم المجتمع، وعليه تضطر من تعرضت لعنف جنسي إلى كتمان الأمر حتى لا تصبح ثقلاً على كاهل عائلتها ضمناً أو مجتمعياً ووصمة عار لهم، بحسب المفهوم الذكوري، والذي يمكن أن يشكل خطراً على حياة السيدة أو الفتاة أو حتى تزويجها قسراً من مغتصبها للتستر على الفضيحة وسترها كضحية، فيلوذ المجرم بجرمه وتموت الضحية وهي على قيد الحياة مرات ومرات يومياً وهذا مردّه الى أن المجتمع يلوم الضحية ويحاسبها بدل أن يحاسب المجرم ويحتضنها لتمكينها في وجه هكذا ممارسات، بحسب غيدا عناني.
المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني كانت تكرّس ثقافة مفادها بأنّ جسد المرأة ليس ملكها وحدها، بل ملك العشيرة والقبيلة، وعلى الرغم من إلغائها، فإنّ النظرة لم تتغيّر ولم يشكّل ذلك رادعاً، بحسب المحامية في "أبعاد" دانيال الحويّك، مشيرة الى أنّ العقوبات الموجودة أصلاً في القانون خفيفة بالنسبة لحجم الجريمة، مشددة على ضرورة زيادة العقوبات وتعديل الفصل الأول ككلّ، والذي يصف في عنوانه حتى جرائم الاعتداء الجنسي بأنّها جرائم الاعتداء على العرض، علماً أنّها جرائم كبيرة كاملة فيها اعتداء على كرامة الإنسان وإرادته وحريّته وليس على عرضه. وتستوجب بالتالي عقوبات مشدّدة رادعة، كرفع عدد سنوات السجن من 5 سنوات لعقوبة الاغتصاب إلى ما لا يقلّ عن عشرين سنة، وقد تصل إلى 30 سنة وحتّى السجن المؤبّد، بحسب حجم الجريمة.
وتعمل المنظمة على مقترح تعديل الفصل الأوّل من الباب السابع من قانون العقوبات اللبناني، ستسلمه الى الكتل النيابيّة من أجل أن يكون هذا التعديل منصفًا لكل ضحيّة وناجية من هذه الجرائم.
هذه الدراسة نُفِذَت ما بين الثالث عشر من شهر تشرين الأول من العام 2022 والحادي والعشرين منه، وشملت 1800 سيدة وفتاة مقيمة في لبنان (1200 لبنانية، 400 سورية، 200 فلسطينية) تراوحت اعمارهن ما بين 18 و50 سنة، وتوزعت العينة على مختلف المناطق اللبنانية، وشملت السكان من مختلف المستويات الثقافية ومن مختلف فئات الدخل.
وكانت قوى الأمن الداخلي، سجلت 57 حالة اعتداء جنسي مبلغ عنه في لبنان منذ مطلع العام 2022 لغاية شهر تشرين الاول، من بينها 20 حالة اغتصاب و37 حالة تحرّش جنسي، أي بمعدل 6 حالات في الشهر.