في إطار العمل على توثيق الحرب السورية من ذاكرة من خاضوها لأي طرف انتموا، أجرت وكالة أنباء آسيا لقاءات مع عدد من المنتمين إلى عشائر عربية يعتبرون أنفسهم من معارضي السلطة في دمشق ومن ضحايا الدلال الأميركي للأكراد في الجزيرة السورية.
أحد الكوادر العليا فيما يسمى "الجيش الحر" وهو من أبناء عشيرة وازنة في الرقة وشارك في التصدي ل "داعش" في صفوف "الجيش الحر" قبل أن ينضم إلى "قسد" ثم ينشق عنها لما قال إنه "اضطهاد كردي" للعرب في الميليشيات التابعة للإدارة الذاتية التي كان تأسيسها على وعد ألا يجري التفريق بين الأغلبية العربية السورية والاكراد. لكن ما حصل هو عكس ذلك.
القيادي يروي حكاية تأسيس قسد" من الداخل ويقول إن الأميركيين هم الرافعة والحاضنة التي نقلت الميليشيات الكردية من موقع الضعيف الخائف الى موقع المتسلط لأسباب لا تتعلق بما يسميه المتحدث "الثورة السورية" بل إن المساعي الأميركية لتفتيت سورية اتضحت حين أصر الأميريكيون وضباط من قوات التحالف الدولي على تمكين الأكراد من السيطرة على الإدارة الذاتية وعلى القوات التي سلحتها واشنطن ومولتها.
وتابع المتحدث الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب وجوده في الرقة حاليا، أن الأميركيين والأطلسي خدعوا الثوار، فهم قالوا إنهم سيدعمون الثورة في وجه الحكومة السورية، ثم قالوا إنهم سيدعمون الفصائل العشائرية العربية في مقابل "داعش" لكن ما حصل هو أن الأميركي ومن معه دعموا سيطرة مطلقة للأكراد على مدن وبلدات ومناطق عربية يشكل فيها أبناء العشائر الأغلبية السكانية والأغلبية المقاتلة.
وتابع المصدر قائلا: "من الأساليب المعتمدة تاريخيا في تفتيت الأمم المنهج المعروف باستغلال الأقليات. لكن الإضافة الجديدة في سورية هي توسيع "ثوب الاقلية" الكردية لتقود بعباءة قصيرة وملاءة غير متوفرة مناطق تمثل ثلث سورية جغرافيا. حيث يسكنها ملايين السوريين".
و قد تأسست "قسد" بتمويل وترتيب أميركي بريطاني أولا، وشملت في صفوفها أعداداً من الأكراد هم أقل عددا من عناصر العشائر العربية التي التحقت بهم بضغط اميركي - سعودي خاصة. وأبرز أولئك من كانوا يعملون تحت مسميات فصائل وكتائب وألوية تجمعت تحت راية ما سمي حينها "غرفة عمليات بركان الفرات"، التي جاء تشكيلها تحت عنوان محاربة "داعش" وصد هجومه على مدينة عين العرب – كوباني.
المكون الواضح في تلك الغرفة كان آنذاك هم وحدات الحماية النسائية ypj، وحزب العمال الكردستاني الممثل بجناحه العسكري في سوريا، وحدات حماية الشعب ypg، وإلى جانبهم عشائر عربية ومكونات أخرى بينهم سريان من منطقة الجزيرة السورية.
لعبت "قسد" الدور المرسوم لها أميركيا بتخطيط مدروس في أكثر من مفصل وموقف، فالعشائر العربية التي استقطبتها السعودية أولا في بداياتها، استشعرت لاحقاً أنّها قد تشكل ثقلاً داخل الجماعة يصعب معه التكهن بما ستصبح عليه الأمور، فكانت قسد فرصةً لتقوية جماعة حزب العمال الكردستاني، مقابل إضعاف نفوذ ووجود الجماعات العربية في شكلها القيادي داخل الغرفة المذكورة.
ويقول المصدر: راحت "قسد" تفكك الوجود العربي بشكله التنظيمي الواضح، لضمان عدم تقوية شوكة العرب داخل التنظيم الجديد، وبالتالي استحواذهم على السيطرة في أي مفصل مستقبلي، وهو ما اتضح بشكله الجلي أواخر عام 2018، يوم هاجمت "قسد" تشكيل "لواء ثوار الرقة" العربي الذي كان جزءاً مهماً من "قسد" في مراحل سابقة، معتقلةً قياداته وكوادره.
و"لواء ثوار الرقة" هو فصيل كان متواجداً بقوة في الرقة، لينسحب منها متيحاً المجال ل "داعش" للدخول إليها، ليتحالف لاحقاً مع "النصرة" التي فك الارتباط معها بعد ذلك بوقت، منتقلاً إلى أحضان "قسد" التي فككته لاحقاً، وسط معلومات تحدثت قبل عامين عن مقتل نجل قائد اللواء في سجون "قسد".
في الأثناء، كانت "قسد" لا تملّ من التحضيرات والترتيبات، مشكلةً العديد من المجالس العسكرية التي تتبعها وأبرزها في "دير الزور والطبقة ومنبج"، وكان الهدف المباشر من هذهالمجالس هو إذابة المكونات العسكرية غير الكردية وصهرها في إطار المجالس التي يقودها "الأكراد"، أو على أقل تقدير من هم موالون لهم وولاؤهم مضمون.
دون أن تتوانى "قسد" ( التي تعمل بشكل يومي ضمن توجيهات ومتابعة حثيثة من الأميركيين وبإشراف ميداني فاعل جدا من المخابرات العسكرية البريطانية) لحظة عن محاولات زرع الشقاق بين الفصائل التي لم تتمكن من تحييدها أو ضمان تبعيتها العمياء، وهي بالضرورة فصائل كانت شكلت، أو قد تشكل خطراً على الفصائل الكردية، لذا، جاء دعم "قسد" سريعاً لأحد القادة المحليين من قبيلة "شمّر"، ليؤسس بدوره فصيلاً اسمه "حماة الجزيرة"، وليوالي هذا الفصيل "قسد" بكل ما يستطيع، مقابل تأمين الحماية والدعم له وبالطبع الموارد المطلوبة وبشكل شبه مفتوح.
من يقود قسد حقا؟؟
يقول المصدر: إن عبد الله أوجلان المسجون منذ عقود في تركيا هو القائد الحقيقي ل "قسد" وإن لم يقدها عمليا لكن أتباعه لهم القرار الأول في المسائل التي لا يقرر فيها الحلف الدولي.
ويأتي على رأس هرم قيادة المجلس العسكري في "قسد"، مظلوم عبادي، قائد المجلس العسكري والقائد العام ل "قسد"، وقد ولد عبادي في مدينة عين العرب السورية، لأبويين كرديين، وتخرج كمهندس مدني من جامعة حلب، والتحق بصفوف حزب العمال الكردستاني عام 1990.
يقول المصدر إنّ عبادي نفذ لصالح حزب العمال عدة عمليات في التسعينات في الأراضي التركية، وفي العقد الأول من الألفية الجديدة نفذ نشاطات في العراق، قبل أن يعود إلى سوريا مع اندلاع الحرب فيها لينظم شؤون القوات الكردية هناك بتكليف من حزب العمال.
ومن بين القادة، بردخدان محمود، وهو عضو المجلس العسكري، ممثلاً عن وحدات حماية الشعب الكردية، وقد علمت "وكالة أنباء آسيا" عبر مصادرها عن قيام بعض المحاولات داخل "قسد" نفسها في أكثر من مرة لعزل عبدي وتعيين محمود بديلاً عنه، دون أن تنجح تلك المحاولات، في ظل منافسة مشتعلةً بين الطرفين.
وبحسب المصادر فإنّ ركيزة الخلاف تعود حول من هو الأكثر ولاء بين الطرفين لحزب العمال في تركيا، إذ يرى الحزب أن محمود خيار أفضل من عبدي، الذي تتمسك به أمريكا وترفض أي نية لعزله.
وهناك نوروز أحمد، أيضاً عضو في المجلس العسكري، ممثلة عن وحدات حماية الشعب. وأبجر يعقوب، عضو المجلس العسكري، ممثلاً عن المجلس السرياني، والمتحدث باسمه، وحسين سلمو، عضو المجلس العسكري، ممثلاً عن مجلس إقليم الجزيرة العسكري، ودمهات بروسك، عضو المجلس العسكري، ممثلاً عن مجلس تل تمر العسكري، وقائده، وهو عبارة عن تحالف عربي سرياني آشوري محدود في المنطقة.
وأحمد الخبيل، أبو خولة، وهو كذلك عضو المجلس العسكري، ممثلاً عن مجلس دير الزور العسكري، وهو أمير عشائر البكير، وقد عرف أكثر مؤخراً حين انتشر له تسجيل صوتي قبل أيام يهدد المحتجين بالاعتقال في قرية "بكارة" بريف دير الزور، إثر اعتراض المحتجين لدورية أمريكية تمرّ من المنطقة وإجبارها على تغيير طريقها.
ومن القادة، إبراهيم الحارث، أبو الحارث الشعيطي، ممثلاً عن مجلس هجين العسكري، وفيصل السالم، عن مجلس الرقة العسكري، ومحمد الرؤوف عن مجلس الطبقة العسكري، ورياض الخميسي عن مجلس تل أبيض العسكري، وبندر حميدي الجربا، عن قوات الصناديد، وهي مجموعة مسلحة تشكلت من قبيلة "شمّر" لمحاربة تنظيم "داعش"، وبطبيعة الحال فهي تتبع ل "قسد" اليوم وتعمل ضمن صفوفها.
وعبد الملك برد، قائد جيش "ثوار سوريا"، وهو اتحاد عربي كردي يعمل في عفرين وريف حلب الشمالي الغربي، ويضم عدة كتائب هي "جبهة الأكراد – شمس الشمال – قوات المهام".
ويعتبر هؤلاء الأشخاص هم أبرز قيادات "قسد" على الساحة السورية منذ مؤتمر إعلان التأسيس وحتى اليوم.
ويتابع المصدر شديد الاطلاع على الأوضاع داخل قسد فيقول إنه في ميزان الحساب الجغرافي، تسيطر "قسد" على نحو 25 بالمئة من مجمل الأراضي السورية، وتتركز تلك السيطرة في شمال، وشمال شرق سوريا، دير الزور والحسكة والرقة وأريافهم وبعض الأجزاء في جوار حلب.
والسيطرة تلك تستند إلى قواعد عسكرية تتبع للقوات الأمريكية في منطقة الجزيرة السورية لا أكثر ولا أقل.
ومن المعروف بحسب المصدر بأن القواعد التابعة للتحالف الدولي تقدم بصورة مستمرة ومتواصلة دعماً وتدريباً وسلاحاً ومعدات لوجستية، مخصصة زهو نصف مليار دولار من ميزانيتها لعام 2023 لصالح دعم "قسد" في سوريا.
تلك المخصصات ستكون تحت مسمى "دعم وتدريب وتجهيز" القوات المتحالفة مع أمريكا في المنطقة، فإلى جانب الأكراد، سيذهب جزء من تلك الأموال إلى "جيش سوريا الحرّة" و "جيش مغاوير الثورة".
وعموماً فإنّ تلك القواعد تتكفل بتمرير الأسلحة والأموال لقيادة "قسد" التي تتولاه لتتصرف به وفق مقتضيات مصلحتها العسكرية بالدرجة الأولى، مع الإغفال التام لحال الواقع المعيشي في مناطق سيطرتها، والذي دفع، ويدفع، السكان هناك، للتظاهر والاحتجاج بصورة مستمرة، بدواعٍ تتعلق بسيطرة أمريكا و"قسد" على كل الموارد النفطية وحرمان العشائر منها.
ويكشف المصدر قائلا إن المزاعم حول ضرورة وجود "قسد" لقتال "داعش" هي دعاية ينفيها الواقع حيث أن عمليات التنظيم ازدادت يوماً بعد آخر داخل معاقل "قسد"، سيما في مخيم "الهول"، وفي عموم أرياف مناطق سيطرتها، وكان ذلك، ولا زال، يتم عبر الاستهدافات المتكررة لعناصر "قسد" بل إن الجمهور والبيئة الحاضنة ل "داعش" لا تزال موجودة وخطيرة وجاهزة لاحتضانهم من جديد ولم تفلح قسد ولن تفلح في تحويل مسار الرأي العام في تلك المناطق.
وعلى رغم محاولات تحويل ميليشيات قسد الى جيش إحترافي، إلا أن كل المحاولات ستبوء بالفشل بحسب المصدر "فإذا كان العرب منقسمون إلى عشائر فإن العشائر الكردية منقسمة الى أفخاذ وأعمام والخلية القيادية في حزب العمال في كل منطقة صغيرة من مناطق اغلبية السكان فيها من الكرد منقسمة بشكل شخصي بمعنى أن الصراع على المنافع والمناصب ليس عشائري فقط وليس ضمن عشائر الكرد فقط وليس ضمن أحزابهم بل هي شديدة ضمن حزب العمال تفسه الذي يشهد اشتباكات وعدم انضباط بين فصائل تابعة له ويشهد حالة من الفساد والتخلف الاداري.
وهو أمر تحاول أميركا وضع حد له لكنه لن تفلح، يؤكد المصدر، ويستشهد بالصراع الكردي - الكردي في شمال العراق.
وقد أخذت أمريكا على عاتقها في الآونة الأخيرة تدريب وتجهيز وحدات خاصة ضمن "قسد" عرفت بأسماء مكافحة الإرهاب yat والقوات الخاصة hat، وكلاهما يتبعان لقوات الأسايش، وهي قوى الأمن الداخلي.
وتقرر منح مقاتلي هذين التنظيمين راتباً شهرياً يصل إلى 500 دولار أمريكي، وهو ضعف رواتب المقاتلين العاديين في "قسد" ومجالسها العسكرية.
ويأتي الإشراف الأمريكي المباشر عليهما عبر تدريبهما وتجهيزهما لخوض عمليات التفتيش والاعتقال ومكافحة الشغب والإنزال الجوي والمراقبة والاستطلاع والاتصال، ويتم ذلك عبر قوات أمريكية خاصة. أي أن الأميركيين وكما فعلوا في الكثير من الدول المختلفة مثل لبنان وباكستان وبنغلادش ومصر والأردن، يستفيدون من المرتزقة العاملين بإمرتها ليكونوا قوة ميدانية تقودها أوامر اميركية حين يحتاج الأميركيون الى ذارع محلي على الارض. وقسد الفوضوية حد الفناء قدمت للأميركيين مجموعات منهم شكلوا عناصر قوة تتبع للاميركي لاهداف أميركية حصرا.
حركة "الشبيبة الثورية" الكردية
تمثل حركة الشبيبة سلطة قمعية تشبه ما كان يفعله ما يسمى "المفوض السياسي" في زمن ستالين في الاتحاد السوفياتي المنحل. فهي التي تفرض التجنيد الإجباري بحق أبناء العشائر العربية على وجه الخصوص، وكذلك، مسؤولي الشبيبة يؤكدون ولا ينفون ضلوعهم في ملف تجنيد الأطفال تحت عمر الخمسة عشر عاما.
وتمثل حركة الشبيبة الثورية دليلا على الصراع الداخلي في حزب العمال الكردستاني. فما تقرره قسد مظلوم عبادي لا يخضع له عناصرها المرتبطين مباشرة بقيادة " قنديل" التي تتحكم بعبادي لكن الأخير ليس محل ثقتهم الكاملة، لا نظرا لارتباطه الوثيق بالاميركيين بل لأن طبيعة الأكراد وشخصيتهم القومية العشائرية لا تتقبل كبيرا يحتل منصبا في وجود الكبير (كبير العشيرة أو الحزب)، بالتالي كل كردي في قيادة حزب العمال الحالية يرى نفسه كبيرا وأحق من عبادي في المغانم التي يحصل عليها من سلطته في الادارة الذاتية لهذا حينما يقصر في تقديم حصص قيادة قنديل من المغانم يستهدفه منافسوه في حزب العمال الكردستاني عبر حركة الشبيبة وعبر فعاليات اخرى تابعة لهم مباشرة.